IMLebanon

بعد تصفية تركة «داعش» الرئاسة اللبنانية مناصفة بين محورين؟!

إلتقط الإيراني اللحظة الإقليمية المؤاتية: ثمّة ائتلاف دولي – إقليمي لمكافحة الإرهاب، المتمثّل بـ «داعش»، والذي تحوّل بقدرة قادر إلى أن يكون أكبر وأقدر «التنظيمات الجهادية» في العالم العربي السنّي، ونقطة التجاذبات لشبّان عرب وأجانب، مسلمين، وحتى مسيحيين، ولديه أراضٍ شاسعة يُديرها في العراق وسوريا إلى تخوم لبنان والأردن، ولديه أسلحة ثقيلة تواجه الدبابات والطائرات، وتدكّ التحصينات، ولديه أموال النفط وغير النفط، وقيادته أعلنت نفسها «خليفة» ولديها الولاء على «السمع والطاعة».

لا خلاف في العالم المنضوي تحت هيئة مجلس الأمن، والأمم المتحدة من اعتبار «التنظيم» (داعش) رأس الإرهاب السرطاني، الخطير، الذي يتعيّن استئصاله. كان الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية شكّل ائتلافاً واسعاً لقتال «داعش»، ورصدت الأموال، وجهّزت الطائرات والقذائف، بانتظار «القوات البرية» المحظورة بعد أفغانستان والعراق.

كانت إيران المنشغلة بمفاوضات الملف النووي مع مجموعة (5+1) تتمسك في تشكلها «الامبراطوري» من جبال أفغانستان إلى وهاد اليمن وضفاف المتوسط من سواحل اللاذقية وطرطوس إلى رأس الناقورة، عند نقطة الحدود الدولية البحرية والبرية مع إسرائيل (العدو التاريخي بعد داعش أو قبلها)، ولأن الجغرافيا، والجغرافيا البشرية هي نقطة الثقل في كسب الحروب، اندفعت إلى الساحة الإقليمية وعلى أرض نفوذها بالذات، تقتنص اللحظة:

1- خطط متكاملة عسكرية وسياسية وإنمائية في العراق، في الانبار، حول بغداد، باتجاه الموصل، في تكريت. الجنرال قاسم سليماني، الذي لم يعد شبحاً في مخيلة رجال المخابرات، وصناع السياسات، يقود المعارك بنفسه، وتشاركه في الحرب هناك مجموعات من نوع «الكوماندوس» لحزب الله، لكنها تخضع في «المعارك الكبرى» لقيادة الجنرال سليماني (الذي يعرفه الأميركيون الكترونياً بالحاج قاسم).

2- بالتزامن كانت الخطط اكتملت لاطلاق المعارك الكبيرة في المحافظات السورية، فضرب التنظيم، يجب ان يكون متكاملاً ولا بدّ من انهاكه في وقت واحد. معارك في الشرق السوري درعا وريفها، معارك في ريف دمشق (الجنوب السوري) ومعارك في الشمال، ادلب وحلب وغيرها، مناطق أو قرى تتحدى جماعات مسلحة «ارهابية» تقتل بالجملة.

وشكّل استهداف القيادات، سواء عبر التصفيات الداخلية، أو العمليات النوعية هدفاً متقدماً في معركة «الاجهاز» على التنظيم، ففي الوقت الذي كانت فيه المعارك تدور في ريف اللاذقية، والقلمون، وحلب ودرعا، نجح «الامن السوري» في قتل 6 من كبار قادة جبهة النصرة، في بلدة «الهبيط» في ادلب، كان من أبرز قتلاها سمير حجازي (المعروف بأبي همام السوري)، الذي أمضى 17 عاماً مقاتلاً من أفغانستان إلى العراق وسوريا.

الأهم في العملية ليس فقط، قصم ضهر «جبهة النصرة» بل قطع الطريق على تحويل «الجبهة» إلى طرف معتدل، يمكن قبوله ضمن حلف مواجهة «داعش» ولاحقاً النظام السوري، بصفتها معارضة معتدلة، وليست «ارهاباً»، حيث سقط في العملية أبو عمر الكردي، الذي كان سيذهب للقاء «ضباط اميركيين» في قاعدة عسكرية أميركية في تركيا.

المعلومات المتداولة، على نطاق ضيّق تحدثت عن ان العملية كانت تستهدف قائد «النصرة» أبو محمّد الجولاني، الذي كان تردّد انه سيشارك في الاجتماع لرأب الصدع بين تيارات الجبهة، المعروفة بارتباطها بالمحاور الإقليمية والدولية.

3- على جبهة أخرى، كان الجيش اللبناني، يسجل ضربات موجعة «لداعش» سواء على جبهة رأس بعلبك، وجرود عرسال، أم عبر إلقاء القبض على «رموز قيادية» داخل التنظيم، في محاولة لاقفال الجبهة الغربية، من ناحية البقاع اللبناني، بوجه «التنظيم» وامداداته».

في المعارك على جبهات الانبار وادلب وحلب والبقاع الشرقي، كان حزب الله يُشارك بفعالية في هذه المعارك: بالتكنولوجيا، والخبرة في الحرب الالكترونية، في عمليات الاستطلاع والحصول على المعلومات، في المعارك الصعبة، حيث لا بدّ من خبرة كبيرة في مواجهة «المجموعات المسلحة» ذات القدرة العالية أيضاً على الحرب والصمود وتحقيق المكاسب على الأرض.

من مفاوضات النووي، إلى الحدث اليمني، إلى «المكاسب الميدانية» على الأرض، وفي الميدان، بدا للحلف الدولي – الإقليمي، ان «المياه تجري من تحت قدميه»، ولكن هو يشعر بها.

من هذه النقطة بالذات، يمكن الولوج إلى موعد 16 آذار، حيث يتعين التوقيع أو عدم التوقيع على اتفاق حول النووي الإيراني، الذي ارتفعت فرصه في الأيام الماضية، ولن تحول «حفلة الجنون الاسرائيلية» بقيادة نتنياهو دون إضعافها، ومن هذه النقطة بالذات يمكن فهم طبيعة الحركة الدبلوماسية التي يقودها رئيس الدبلوماسية الأميركية جون كيري بين عواصم الاعتدال العربي وصولاً إلى باريس مربط «خيل الرئاسة اللبنانية»!

في الحركة الدبلوماسية هذه كان للبنان حصة، عبر حملة السفير الأميركي في بيروت ديفيد هيل على حزب الله، وتحميله مسؤولية منع انتخاب الرئيس مع بعض حلفائه، فضلاً عن انتزاع قرار الحرب والسلم.

أراد هيل، تطمين من يعنيه أمر التطمين، وسط ثقة متراجعة كثيراً بالكلام الأميركي، سواء أكان تهديداً بالحرب البرية، أو وعوداً دبلوماسية بزلزلة الأرض تحت أقدام الفرس، ان دعم بلاده للجيش اللبناني والشرعية اللبنانية بالاسلحة والتدريب وسوى ذلك هو أحد عناصر قوة لبنان، وليس قتال حزب الله في سوريا، وردع المخاطر عن «الخطر التكفيري» أو «الارهابي» الآتي من وراء الحدود الشرقية.

اللافت في كلام السفير الأميركي إعادة الاعتبار للملف الرئاسي، باعتباره أولوية أميركية، والايحاء لمن يلزم، ان التفاهمات المقبلة مع إيران، سواء في ما خص التخصيب أو رفع العقوبات ستنعكس ايجاباً على انتخاب الرئيس، الذي لن يكون «ايرانياً» بالطبع (في إشارة إلى العماد ميشال عون).

في الوقت، الذي يُشدّد الإيراني، ومعه حزب الله ان لا حاجة لانتظار تفاهمات إقليمية – دولية للقبول بعون رئيساً، لأنه الأقوى على تمثيل المسيحيين، في لحظة الرعب من «داعش» وطمأنة المسلمين ان لا مبرّر للخشية من إعادة النظر بالطائف، تنهال المعلومات بالجملة من فرنسا وسواها من العواصم، ان ملف الرئاسة وضع على طاولة التفاهم مع إيران وباريس والمملكة العربية السعودية.

على ان السؤال الواقعي إذا كان هذا صحيحاً، أو غير مستبعد، فمن هو الرئيس؟ هل هو عون ذي الصبغة السورية – الإيرانية، أم العماد جان قهوجي، ذي الصبغة المتقاطعة بين محور الاعتدال العربي ومحور إيران – سوريا، في مواجهة «الارهاب»، كأولوية مطلقة في هذه المرحلة.

في الحرب الدائرة لتصفية «تركة داعش» بين محاور إقليمية ودولية، تُطرح مسألة الرئاسة في لبنان، مع ان لا «داعش» هنا، ولا مَن يحزنون.

غير ان للمسألة بعداً آخر: لا يمكن النظر إلى الرئاسة الأولى بمعزل عن الرئاسة الثالثة. وهنا بيت القصيد، هل يتمكن الرئيس سعد الحريري من التعايش مع عون، أم ان آليات ومهام الوضع اللبناني، في مستقبل الأيام يحتاج لشخصية من صنف العماد قهوجي، بحيث تأتي نتائج تصفية «داعش» مناصفة بين محورين في لبنان؟!