IMLebanon

لبنان على خط الزلازل… و”حزب الله” يتراجع!

 

يشهد لبنان حديثاً سلسلة أحداث أمنيّة وسياسيّة أثارت الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام حول مضامينها الجيو- سياسية. تأتي في مقدم هذه الأحداث عملية اغتيال قائد الأمن الوطني الفلسطيني في مخيمات صيدا والجنوب أبو أشرف العرموشي ورفاقه في عين الحلوة، وما أثارته من انعكاسات على الوضع الفلسطيني خاصة والوضع اللبناني عامة. ثم كانت عملية التحذير التي قام بها معظم دول الخليج العربي بدعوة مواطنيها إلى ترك لبنان أو عدم التوجه إليه أو أخذ الحيطة فيه حفاظاً على أمنهم وسلامتهم. وكانت المملكة العربية السعودية المبادرة إلى اصدار مثل هذا التحذير.

 

في الحقيقة، معظم اللبنانيين فوجئوا بمثل هذا الأمر ولم يكن لديهم المعطيات التي تبرر لدول الخليج اتخاذ مثل هذه القرارات. ذلك أنّ اللبنانيين المعنيين بموسم الاصطياف وبالرواد والزوار العرب والأجانب إلى ربوع لبنان خلال فصل الصيف، كانوا يعيشون في عالم آخر مختلف عما يحدث في العمق داخل التركيبة اللبنانية. فما الذي كان يحدث فعلياً؟ بل وبوضوح أكثر ما الذي حدث داخل هذه التركيبة؟

 

1- ينبغي التذكير بدايةً بأنّ التركيبة اللبنانبة تقوم على عمادين:

 

• عماد القوى اللبنانية السيادية الكيانية التي تؤمن بلبنان وطناً نهائياً على قاعدة الدستور ووثيقة الوفاق الوطني ولها علاقات مع محيطها العربي والدول الديمقراطية في العالم.

 

• عماد القوى المجاهدة دينياً وسياسياً التي تعتبر لبنان جزءاً من غيره وتبني عقيدتها على معطيات دينية مذهبيّة وتحاول ان تجعل لبنان جزءاً من كيان اقليمي أوسع تعبيره «الجمهورية الاسلامية» وعلاقاته محصورة ببعض الدول وفي مقدمها ايران.

 

2- كان الصراع التاريخي قائماً بين خطين داخل الاسلام:

 

• الخط العربي السني بقيادة المملكة العربية السعودية.

 

• والخط الفارسي الشيعي بقيادة الجمهورية الايرانية.

 

وكان كل من العمادين اللبنانيين ينتمي إلى أحدهما: السياديون إلى الخط السني – السعودي، والمتطرفون إلى الخط الشيعي – الايراني.

 

3- لقد سعت الصين إلى الجمع بين السعودية وايران. وجرت محاولات ايجاد حلول للمشاكل بين البلدين. وظن كثيرون للوهلة الأولى أنّ الأمور ستحل بالحسنى بين الدولتين. لكن ما حدث أخيراً يؤكد عكس ذلك.

 

4- إنّ الاختلاف بين الجانبين ليس مجرّد اختلاف سياسي، بل هو اختلاف استراتيجي: فجماعة ايران تعتمد استراتيجية التطرّف والمال. وجماعة السعودية تعتمد استراتيجية الرؤية والبناء.

 

5- هذا الاختلاف الاستراتيجي يبدو أكثر ما يكون في موضوع القضية الفلسطينية حيث يفعل التطرّف والمال فعلهما. وهذا ما حصل أخيراً في أحداث المخيمات حيث جرى جمع كافة القوى المتطرفة من قوى اسلامية وعقائدية وسياسية في وجه منظمة «فتح». وكان اغتيال العرموشي والهجوم على مراكز فتح في مخيّم عين الحلوة تمهيداً لرفع يدهم عن القيادة الفلسطينية. فإذا حدث ذلك فهو لن يكون لصالح المعارضة الفلسطينية فقط، بل قبل ذلك لصالح قوى سياسية لبنانية وفلسطينية، وعربيّة وأعجميّة. بمعنى آخر فإنّ الذي حصل ليس امراً بسيطاً وعادياً بل هو عملياً محاولة انقلاب داخل المؤسسة الفلسطينية.

 

6- لكن محاولة الانقلاب هذه جوبهت بردود فعل قاسية وحاسمة من ثلاث جهات:

 

• من جهة فتح التي قاومت ومنعت الانقلابيين من السيطرة على مقارها في المخيم، مع استنفار في جميع المخيمات وخارجها.

 

• من جهة القوى الاسلامية من أهل السنّة داخل العالم العربي ولا سيما الدول الخليجيّة.

 

• من جهة قوى دولية ترفض ان تتحكّم قوى التطرّف بالشعبين الفلسطيني واللبناني.

 

7- في بداية المواجهة شعرت دول الخليج بخطورة ما يمكن أن يحدث في الشارع اللبناني من صراعات دموية بين مختلف الفئات المتواجهة، فسارعت إلى تحذير رعاياها من السفر إلى لبنان في الوقت الذي كان الكثيرون من اللبنانيين، بمن فيهم بعض السياسيين، غير مدركين لحقيقة ما يحصل وما يمكن ان يحصل في حال اندلاع شرارة الصراع داخل المنظمات الفلسطينية ومع مسانديها في الشارعين اللبناني والعربي. لكن ذلك لم يحدث والسبب الأبرز في ذلك هو امتناع «حزب الله» عن دعم المعارضة الفلسطينية والدخول معها في صراع ضد فتح. بعد الزلازل الطبيعية التي شهدها لبنان في أعقاب زلازل الحدود التركية والسورية، ها هو لبنان يتعرض لزلازل من نوع آخر هي زلازل سياسية على خطوط التماس الفلسطينية. ولقد كانت زيارة وفد «حزب الله» إلى مقر فتح في جنوب لبنان مؤشراً لانتهاء زمن الزلازل السياسية ربّما، وإن في المدى المنظور!

 

… لعلّ وعسى؟