IMLebanon

“الجمهورية”: مراجعات على نار الدولار.. والرياض: التغيير و”الحزب” بيد اللبنانيين

حلّق الدولار عالياً امس مهدداً بانهيار شامل، وملتهماً مزيداً من قيمة العملة الوطنية التي باتت في الحضيض، وما تبقّى في جيوب اللبنانيين من مدخرات. ويبدو ان تحليقه مستمر نتيجة غياب المعالجات فيما المنظومة السياسية القديمة ـ الجديدة بكل تلاوينها تحلّق بدورها عالياً في خلافاتها وكيدياتها، وكأنّ الانتخابات كانت محطة لها لالتقاط الانفاس وشحذ «الهمم» استعداداً لجولة جديدة من المشاحنات والمناكفات والعنف السياسي بدأت تهدد مصير الاستحقاقات الدستورية الماثلة وأوّلها انتخاب رئيس المجلس النيابي الجديد وهيئة مكتبه، قبل ان تصل البلاد الى الاستحقاق الحكومي بعد صَيرورة الحكومة حكومة تصريف اعمال.

 

ومع جنون الدولار جنّت بقية الاسعار بدءاً بالمحروقات وانتهاء باسعار كل السلع الاستهلاكية التي لن ترسو على بر وكأنها في سباق لحظوي مع ارتفاع سعر الدولار، فيما لاحت في الافق مؤشرات الى انهيار شامل حذّرت منه الهيئات الاقتصادية، وملامح احتجاج شعبي عنيف قد يندلع في كل انحاء البلاد وبانت طلائعه من إقفال طريق شتورة ـ المصنع في الاتجاهين احتجاجا على ارتفاع الدولار والاسعار، ما حَرف الانظار عن الانتخابات ونتائجها وعن مجلس نيابي بدأ ولايته من دون ان يجتمع بعد حتى ليتسلم كل نائب فيه رقم لوحة سيارته او مكتبه في ساحة النجمة التي رفعت الحواجز والمعوقات من مداخلها استعداداً ليوم الاجتماع الموعود…
لم تُثمر الاتصالات التحضيرية لاستحقاق انتخابات رئاسة المجلس النيابي الجديد وهيئة مكتبه نتائج ملموسة بعد، وسط مراجعات سياسية يجريها هذا الفريق او ذاك على وقع جنون اسعار الدولار. ولكن هذه الاتصالات متواصلة في مختلف الاتجاهات لتأمين نصاب الاكثرية المطلقة على الاقل لإنعقاد جلسة الانتخاب التي تقرر مبدئياً انعقادها الاسبوع المقبل ضمن مهلة الـ 15 يوما المحددة دستورياً. وبعد ان يكون رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي قد عاد من خارج لبنان حيث يتابع يوميا من هناك تفاصيل الوضع الداخلي ومستجداته. فيما سيتحدث الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله الثامنة والنصف مساء اليوم عبر قناة «المنار» في مناسبة عيد المقاومة والتحرير، ويتوقع ان يتطرق الى التطورات الجارية محددا مواقف في شأنها.

 

وعلمت «الجمهورية» ان الاتصالات التي حصلت في الساعات الـ48 الماضية أظهرت ان الرئيس نبيه بري سينتخب رئيسا للمجلس لولاية سابعة من الدورة الاولى وبأصوات ستتعدى الـ65، اما نيابة الرئيس فلا تزال موضع اخذ ورد ضمن اربعة اسماء تتغير بورصة حظوظها وفق حسابات كل فريق.

 

واكدت مصادر قريبة من عين التينة لـ«الجمهورية» ان بري بصفته رئيس السن سيدعو الى جلسة لانتخاب رئيس المجلس ونائبه ضمن مهلة الـ 15 يوماً، وقالت: «الوقت لا يزال ضمن المهلة المتاحة، فكافة الكتل والنواب الذين انتخبوا لا يزالون في مرحلة القراءة والمراجعات السياسية والتعارف، وبالتالي في التوقيت المناسب سيحدد الرئيس بري موعد الجلسة.

 

وحول موقف «التيار الوطني الحر» ورئيسه النائب جبران باسيل من التصويت لبري المرشح الوحيد بلا منازع لرئاسة المجلس وعما اذا كان صحيحا ان «حزب الله» يعمل على وساطة معينة، قالت المصادر: «اولاً نحن لم نطلب ولن نطلب و«حزب الله» يعرف الموقف تماما، كما اننا لا ننتظر موقفهم ولا يهمنا ولا نعوّل عليه أصلاً وليسوا في حساباتنا»…

 

وكانت مصادر «التيار الوطني الحر» قد اشارت بعد اجتماع نواب التيار أمس الى ان لا نقاش في هذا الامر، وان الموقف هو نفسه (عدم انتخاب بري لرئاسة المجلس) الذي اعلنه رئيس التيار جبران باسيل قبل الانتخابات حين قال لا موجب، وكرّره في كلمة احتفال النصر ولم يتغير اي معطى ليتغير الجواب ولن يتغير…

 

تواصل بين الكتل

 

وفي إطار التواصل الذي يحصل بين الكتل النيابية لتحديد الموقف والتحالفات، حصل اجتماع بين كتلة «التنمية والتحرير» وكتلة «اللقاء الديموقراطي» برئاسة النائب تيمور جنبلاط، واكدت مصادر المجتمعين انه تمّت خلال اللقاء مقاربة كل الاستحقاقات الآتية من المجلس النيابي الى الحكومة وصولا الى الرئاسة، كما جرى البحث في الوضع المالي والاقتصادي الذي يتدهور اكثر يوماً بعد يوم وضرورة العمل على تفعيل العمل النيابي المواكب لخطط الانقاذ».

 

«الكتائب»

 

من جهته، أعلن المكتب السياسي الكتائبي بعد اجتماعه برئاسة رئيس الحزب سامي الجميل أنه «لن يجلس على أي طاولة مُحاصصة ولن يمنح صوته لرئيس مجلس أو نائب له أو رئيس حكومة أو رئيس جمهورية يغطّي سلاح «حزب الله» ويدافع عنه تحت أي حجة من الحجج». وشدد على «ضرورة الإسراع في تشكيل حكومة فاعلة من الكفاءات المشهود لها، تحظى بثقة اللبنانيين والمجتمع الدولي، قادرة على العمل وغير مَحكومة بمعادلة حكومات الوحدة الوطنية التعطيلية».

 

الموقف السعودي

 

وفي غمرة هذه التطورات نَبّه وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في تصريح له، على هامش الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي «دافوس 2022» في سويسرا، الى انّ «انهيار الدولة اللبنانية أمر خطير، وينبغي الإسراع في الإصلاحات من أجل تجنّب ذلك»، مشيراً الى انه «إذا قام اللبنانيون بالإصلاحات فسنرى ما يمكننا فعله». وقال: «على اللبنانيين أن يقوموا بإصلاحات لاستعادة حكم الدولة»، معتبراً أن «التغيير وموضوع «حزب الله» بيد اللبنانيين».

 

ورأى أن «انتخابات لبنان قد تكون خطوة إيجابية لكن من السابق لأوانه قول ذلك». وقال: «إذا قام اللبنانيون بالإصلاحات سنرى ما يمكننا فعله»، مشدداً على «أننا معنيّون بعودة العملية السياسية في لبنان، وينبغي على الأطراف كافّة العمل على ذلك».

 

من جهة ثانية، كشف بن فرحان عن أنه «حقّقنا بعض التقدم مع إيران لكن ليس بشكل كاف». وقال: «على إيران أن تبني الثقة من أجل التعاون المستقبلي». واعتبر أن «التطبيع مع إسرائيل ينبغي أن يكون في نهاية عملية سلام وحل للقضية الفلسطينية». وشدّد على ضرورة دفع عملية السلام الفلسطينية-الإسرائيلية الى الأمام»، مضيفاً أن «دول مجلس التعاون الخليجي تسعى لاستقرار وسلام منطقة الشرق الأوسط وضمان أمن الطاقة».

 

بدوره، أشار وزير الخارجية الأردني الى انه «يجب العمل على منع انزلاق ​لبنان​ إلى الفوضى كما يجب انتهاء ​الأزمة السورية،​ والمسار السياسي هو السبيل الوحيد لتحقيق ذلك».

 

البخاري و«البواليع»

 

الى ذلك، نقل زوار السفير السعودي في لبنان وليد البخاري عنه تأكيده ان الرياض مستعدة للاستمرار في مساعدة لبنان، «لكننا لن نقبل بتفعيل الدعم له قبل ان يبادر الى تنظيف نفسه من «البواليع» التي شفطت الأموال سابقاً، وإلا فإنّ اي أموال جديدة ستذهب مجددا في تلك «البواليع» ولن يستفيد منها اللبنانيون». ولفت الى انه «وعلى رغم خلافاتنا مع الإيرانيين، فهم أيضا لا يقبلون بأن يبقى الفساد مُستشرياً».

 

وفي موقف لافت، اعتبر البخاري، وفق زوّاره، «ان هناك في لبنان من يجب أن يتنحّى جانباً، والبعض فهم هذا الأمر فيما لم يفهمه بعد البعض الآخر من خصومنا وحلفائنا على حد سواء».

 

نداء الهيئات الاقتصادية

 

وفي هذه الاجواء وجّهت الهيئات الإقتصادية بعد اجتماع أمس برئاسة رئيسها الوزير السابق محمد شقير نداء الى القوى السياسية اللبنانية، دعت فيه الى «تلاقي الجميع في وقفة وطنية جامعة حول مشروع إنقاذي شامل يعيد لبنان الى سكة التعافي والنهوض».

 

وقالت: «الملطوب من الجميع وبإلحاح الذهاب سريعا لإنجاز الإستحقاقات الدستورية بانتخاب رئيس مجلس النواب وهيئة المكتب واللجان، وتشكيل الحكومة العتيدة من دون أي تأخير، والإتفاق على القرارات والإجراءات والبرامج الإنقاذية المطلوبة، بعيداً عن الشعبوية أو حتى التفكير بربط الخطوات والقرارات بالحسابات الخاصة».

 

وعبّرت عن « قلقها وخوفها الشديدين حيال تسارع الإنهيارات على كل المستويات»، محذّرة من «أن البلد يحتضر والشعب يعيش الويلات والمآسي، وأن الإتجاه الذي سيسلكه لبنان في الأيام المقبلة هو في أيدي القوى السياسية، فإمّا تأخذه الى شاطئ الأمان أو سنكون أمام انهيار الكيان».

 

سجال مصرفي

 

في عضون ذلك، دار سجال امس بين جمعية مصارف لبنان وجمعية المودعين ونائب رئيس الحكومة سعادة الشامي.

 

فقد رأت جمعية مصارف لبنان في بيان أن «الحكومة أبَت إلا أن تودِّع اللبنانيين عموما والمودعين خصوصا، عبر إقرار خطة نائب رئيس حكومة تصريف الأعمال سعاده الشامي القاضية بتَنصّل الدولة ومصرف لبنان من موجباتهما بتسديد الديون المترتبة بذمتهما، وتحميل كامل الخسارة الناتجة عن هدر الأموال التي تتجاوز السبعين مليار دولار اميركي إلى المودعين، بعد أن قضت الخطة على الأموال الخاصة بالمصارف».

 

وتوجهت الى المودعين قائلة: «ابشروا أيها المودعون، لأن الدولة اللبنانية ألغت ودائعكم بشحطة قلم. فهذا كل ما تمخّض عن عبقرية الخبراء، على رغم من وجود خطط بديلة واضحة، لا سيما تلك التي اقترحتها جمعية مصارف لبنان والقاضية بإنشاء صندوق يستثمر، ولا يتملّك، بعض موجودات الدولة وحقوقها، ليعيد إلى المودعين حقوقهم، وإن على المدى المتوسط والبعيد».

 

وردت «جمعية المودعين» على بيان جمعية المصارف، فذكّرتها «انّ الجهة التي اودع المودعون اموالهم لديها هي المصارف ولم يودعوها لدى مصرف لبنان او الدولة اللبنانية، مع علمنا علم اليقين انّ عملية النصب والاحتيال الممنهج التي حصلت كانت عن سابق تصور وتصميم بين ثلاثي لصوص الودائع المكونة من المصارف والمركزي والدولة عبر الاستدانة بالعملات الاجنبية، وكانت المصارف تعلم ان الدولة لا تنتج الدولار ولكن جشع اصحاب المصارف بعمليات «الربا» الفاحش من الفوائد أعمى أبصارهم وقامروا بجنى عمر اللبنانيين».

 

وحذرت الجمعية المصارف من «محاولة تغيير اتجاه البوصلة، وتُعيد التذكير ان اموالنا لديكم ونريدها منكم كما هي وانتم من عليكم مقارعة المركزي والدولة وليس المودعون».

 

الشامي يرد

 

ورد المكتب الاعلامي للشامي ببيان اعتبر فيه ان بيان جمعية المصارف «أقل ما يقال فيه إنه مجاف للحقيقة، ويمثل عملية هروب إلى الأمام في محاولة مفضوحة تدعي حماية المودعين». وقال: «اننا نتفهّم قلق مساهمي المصارف على ثرواتهم الخاصة نتيجة لخطة النهوض الاقتصادي والمالي، وهو لأمر طبيعي ومتوقع، إلا أن الخطير وغير المسؤول يتجلى في محاولة مكشوفة لربط مصير أموالهم بالمودعين، وهي محاولة للالتفاف على خطة متكاملة العناصر كانت محط تقييم وتقدير من قبل دول ومؤسسات دولية مستعدة لتقديم المساعدة للبنان». وتوجه الى إلى المودعين قائلاً: «لقد تعرضتم لضرر كبير نتيجة سياسات خاطئة، لذا أنتم على رأس أولوياتنا، فلا تدعوا أحدا يستثمر في حقوقكم المشروعة ويتكلم باسمكم وكأنه الحريص عليكم. لا تسمحوا بأن يُكبّلوكم بأغلال مصالحهم كي لا يغرقوكم معهم».

 

الامن الغذائي

 

من جهة ثانية تبنّت الجمعية العمومية للأمم المتحدة بالاجماع أمس مشروع قرار حول الأمن الغذائي بمبادرة من لبنان تحت عنوان «حالة انعدام الأمن الغذائي على الصعيد العالمي».

 

وأشار بيان لوزارة الخارجية الى أنّ «لبنان عَمل على وضع مشروع القرار إلى جانب مجموعة من الدول الصديقة، ومنها: البرازيل ومصر وفرنسا وألمانيا واليونان وإيطاليا وماليزيا والمكسيك وباكستان وقطر وجنوب إفريقيا وتونس والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأميركية. وبعد مفاوضات دقيقة وصعبة، تم التوصل إلى مشروع قرار جامع، يحتوي على لغة متوازنة، عملية وغير مُسَيسة. وتكمن أهمية القرار الذي يعالج أهم أزمة تعصف بعالمنا اليوم، بحصوله على اجماع الجمعية العامة، من دون اللجوء إلى التصويت».

 

وعبرت مندوبة لبنان لدى الأمم المتحدة امال مدللي عن الموقف اللبناني أمام الجمعية العمومية، قائلة: «هذه الوثيقة هي مشروع قرار يمثّل تطلعنا إلى عدم رؤية أي طفل أو أي إنسان يعاني الجوع في كل أنحاء العالم».

 

وذكر البيان أن وزير الخارجية الدكتور عبدالله بو حبيب، الذي كان قد شارك الأسبوع الفائت في الاجتماع الوزاري حول الأمن الغذائي في نيويورك، دعا جميع الدول إلى دعم مشروع القرار «بغية إرسال رسالة قوية للعالم مفادها أن المجتمع الدولي متّحد في مواجهة انعدام الأمن الغذائي ومحاربة الجوع حول العالم».