IMLebanon

مانشيت: ضوء دولي للتأليف.. وواشنطن تتخوف من تنامي القوة السياسية لحزب الله داخل لبنان

 

خطف الأضواء ليل أمس موقف أميركي وآخر أوروبي من الاستحقاق الحكومي اللبناني، وجد فيهما المراقبون ضوءاً أخضر أميركياً وأوروبياً لتأليف الحكومة الجديدة، بعد ضوء أخضر إقليمي يُقال انّ المبادرة الرئاسية انطلقت في ضوئه منذ يومين لتذليل العقد وإنجاز التشكيلة الوزارية الجديدة. فقد نقلت وكالة “رويترز”، عن مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية، قوله إنّ واشنطن “تأمل في أن تبني الحكومة المقبلة في لبنان دولة آمنة مستقرة، وتعمل مع الولايات المتحدة الاميركية في المجالات ذات الاهتمام المشترك”. وأضاف انّ بلاده “لديها مخاوف كبيرة إزاء تنامي القوة السياسية لـ”حزب الله” داخل لبنان”. أمّا الموقف الأوروبي فعبّرت عنه سفيرة الاتحاد الأوروبي كريستينا لاسن، إثر زيارتها رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري مساء أمس، فقالت إنّ “الاتحاد الأوروبي يرحّب بكل الجهود الرامية إلى تشكيل حكومة يمكننا العمل معها في القريب العاجل”، وأملت في أن “تعمل كل مؤسسات الدولة بنحو مناسب في سنة 2019، لمصلحة لبنان والشعب اللبناني”، معتبرة أنّ “هذا الأمر باتَ أساسياً أكثر الآن، نظراً إلى الوضع الإقليمي المتوتر”.

 

وخَيّمت على الاجواء السياسية مناخات ايجابية متزايدة دَلّت الى انّ ولادة الحكومة باتت وشيكة، وانها تنتظر استكمال بعض الترتيبات المتصلة باختيار الوزير السنّي الذي سيمثّل “اللقاء التشاوري”، وطريقة إخراج هذا الامر على مستوى تعاطي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، في اعتبار انّ هذا الوزير سيكون من حصته لكن من دون ان يكون ضمن الفريق الوزاري الرئاسي، والرئيس المكلف سعد الحريري الذي يفترض ان يكون له لقاء مع النواب السنّة الستة في بيت الوسط او في القصر الجمهوري.

 

الّا انّ هذه المناخات الايجابية ظلّ يَنتابها حذر، لأنّ بعض المسؤولين ما زالوا يرددون مقولة “ما تقول فول حتى يصير بالمكيول”. فيما تساءل آخرون عن سبب التأخير في التأليف طالما انّ الجميع يؤكدون انّ العقبات قد زالت او ذُلّلت. وقد نشطت الاتصالات امس على مختلف المستويات الرئاسية والسياسية ،مركّزة على وضع الترتيبات النهائية للحل بموجب مبادرة رئيس الجمهورية، والتي كلّف المدير العام للامن العام، اللواء عباس ابراهيم، تَرجمتها في اتصالاته ولقاءاته المكوكية بين بعبدا و”بيت الوسط” و”اللقاء التشاوري” الذي “عَسكَر” أعضاؤه أمس في منزل النائب عبد الرحيم مراد في تلة الخياط.

 

من المئة متر الاخيرة التي تحدث عنها الحريري من لندن، الى ربع الساعة الأخير التي دخلت فيه البلاد، على ما أعلن اللواء عباس ابراهيم، تقلّصت المسافة الزمينة وعَمّت أجواء التفاؤل قصر بعبدا و”بيت الوسط” بولادة الحكومة وَشيكاً، بعدما سلكت عقدة تمثيل نواب سنّة 8 آذار طريق الحل، كما يبدو.

 

فرئيس الجمهورية والرئيس المكلف والوسيط اللواء ابراهيم و”اللقاء التشاوري السني”، الاطراف الاربعة المعنيّون بالعقدة الحكومية، بَدوا متفائلين أكثر من اي وقت مضى، بتأليف الحكومة في فترة الاعياد. وكذلك، الذين التقوا هذه المرجعيات والقوى أكدوا انّ الامور تسير وفق ما هو مُوحى به. وما عزّز الاعتقاد بأنّ الوسيط اللواء ابراهيم، رجل المهمات الناجحة، ما كان ليقوم بهذه الوساطة لو لم يضمن مسبقاً شروط نجاحها.

 

وفي هذا الاطار، عُلم انّ الإفراج عن الحكومة العتيدة، وإن كان ظاهره داخلياً، فإنه يأتي في إطار التطورات الاقليمية الأخيرة، إنطلاقاً من بدء مفاوضات الازمة اليمنية، مع ما يعني ذلك من حوار غير مباشر بين واشنطن والرياض وطهران، مروراً بالانفراج في تركيب السلطة في العراق، توقفا عند “الاعتراف” الأميركي الجديد بالرئيس السوري بشار الاسد بعدما كانت اعتبرته واشنطن قد فَقد الشرعية، الذي أعقبته زيارة الرئيس السوداني عمر البشير لسوريا، وهي زيارة ما كانت لِتتم لولا وجود ضوء أخضر خليجياً ومصرياً واميركياً، وصولاً الى التهديدات الاسرائيلية التي نقلها سفراء الدول الكبرى الى السلطات اللبنانية بعد اكتشاف الانفاق التي تَخطّت الخط الازرق تحت الارض. وقد دفعَ مجموع هذه المعطيات بالمحور الايراني ـ السوري الى تعديل مُحدّد في موقفه، ولاقاه تعديل آخر من المحور الآخر.

 

علاوة عن هذه الاسباب الاقليمية، نُضيف المخاطر المالية والاقتصادية الضاغطة على لبنان، وكان آخرها في الايام الاخيرة “موديز” واليوم “فيتش”، وينتظر قرار مماثل من “ستاندرد آند بورز”.

 

واعتبر كلّ فريق من الاطراف الثلاثة: رئيس الجمهورية والرئيس المكلف و”اللقاء التشاوري”، انهم ربحوا من دون أن يخسروا. فالحريري لم يحتسب النواب السنّة على حصته، واللقاء السني انتزعَ اعترافاً بوجوده كتلة وإن تَمثّلَ بوزير من غير أعضائه، وعون بَدا “بَي الكل”، إذ تنازل عن الوزير السني الذي كان يريده في نطاق حصته ليوَزّر أحد الاسماء التي سيقدمها إليه “اللقاء التشاوري” بالتفاهم مع اللواء ابراهيم.

 

واعتبرت مصادر سياسية انّ “النهاية السعيدة” للملف الحكومي، في حال تمّت، ستكون أمراً ايجابياً من شأنه خلق أجواء ترفع معنويات اللبنانيين. وتُحرّك، ولَو لفترة وجيزة، الحركة الاقتصادية والتجارية والسياحية، علماً انّ أحد الاهداف الاساسية الأخرى لتسريع التأليف هو انه سيكون معيباً أن يستقبل لبنان القمة الاقتصادية في 20 كانون الثاني المقبل من دون وجود حكومة.

 

غير انّ مشكلة البلاد ستبقى كاملة من ناحية أزمة النظام والوفاق الوطني والتوازن الايجابي، إذ انّ هذه الحكومة ستكون، من خلال ما سُرّب عن تكوينها كحصص وأسماء، حكومة تبادل مصالح أكثر ممّا هي “حكومة مصلحة وطنية”. وينتظر أن يكون عملها صعباً، وقد تضاهي صعوبة عملها صعوبة المخاض الذي مرّت فيه قبل أن تولد، لأنّ المواقف السياسية لا تزال هي هي، والتشنجات ايضاً، على رغم من تسويات ربع الساعة الاخيرة التي أملتها ظروف خارجية. وستتجه الانظار، في حال تأليف الحكومة، نحو مؤتمر “سيدر” والقروض والمساعدات الموعودة.

 

تحرّك ابراهيم

وتحضيراً لولادة الحكومة المنتظرة، تحرّك المدير العام للأمن العام على خط “بيت الوسط” وقصر بعبدا و”اللقاء التشاوري”، فزار دارة عضو “اللقاء” النائب عبد الرحيم مراد والتقاه وبقية الأعضاء باستثناء النائب فيصل كرامي الموجود في الخارج ومَثّله عثمان مجذوب. وأكد إبراهيم انّ هذا اللقاء هو بند على طريق تنفيذ مبادرة رئيس الجمهورية، وقال: “إذا بقيت الأجواء إيجابية فأنا أطمئن الى أنّ الحكومة ستتشكّل قريباً”.

 

وأضاف “انّ الجلسة مع “اللقاء” تكللت بالنجاح”، مشيراً الى “اننا أصبحنا في أقل من ربع الساعة الأخير”. وأضاف: “المبادرة مؤلفة من 5 بنود، وسنعرضها على الرئيس الحريري والحكومة ستبصر النور قريباً، فالجميع ضَحّى ولا يوجد خاسر، والمبادرة في حاجة الى وقت لتستكمل، ولا “فيتو” على أحد فـ”اللقاء التشاوري” يختار مَن يمثّله”.

 

من جهته، أكد مراد “انّ كل العقد حُلّت، وسيكون لنا من يمثّلنا في الحكومة، وسيسمع اللبنانيون الخبر اليقين خلال اليومين المقبلين”.

 

مضمون المبادرة

وعلم انّ المبادرة تنص على:

1 ـ أن يقبل عون بتوزير سنّي من 8 آذار من حصته.

2 ـ إعتبار أنّ “اللقاء التشاوري” هو الممثّل عن المقعد السني من 8 آذار ضمن حصة رئيس الجمهورية.

3 ـ موافقة “اللقاء” على تسمية شخصية من خارج أعضائه.

4 ـ اجتماع الحريري مع اللقاء في بعبدا بحضور عون، او في السراي الحكومي. لكن المرجّح ان يكون في قصر بعبدا، ما يعني ضمناً قبول الحريري بتمثيلهم واعترافه بوجودهم.

5 ـ تسليم اللواء ابراهيم لائحة بأسماء الشخصيات التي يقترحها “اللقاء التشاوري”، على أن تبقى سرية ولا تكشف إلّا عند اعلان مراسيم الحكومة.

 

إنطلاق المبادرة

وفي معلومات “الجمهورية” من مصادر واكبت مبادرة الحل، انّ المبادرة انطلقت منذ 29 تشرين الاول الماضي غداة الانتكاسة التي تعرّضت لها عملية التأليف بعد تَشبُث “حزب الله” بموقفه توزير سني من “اللقاء التشاوري” وبروز ما عُرف بالعقدة السنية.

 

وانطلقت مهمة اللواء ابراهيم منذ ذلك التاريخ بعيداً من الاضواء بالاتفاق مع رئيس الجمهورية، لكنها اصطدمت بمواقف الاطراف المتشددة، فتركت الامور تأخذ مداها مع كل ما رافقها من سقوف عالية وعناد وتجاذبات وتوتر، الى أن تأكّد الجميع ان لا مخارج سوى العودة اليها والجلوس الى الطاولة، بالاضافة الى أنهم شعروا أنّ وضع البلد على كل المستويات الاقتصادية والمالية والاجتماعية أصبح مهدداً، وزاد في تهديده المخاطر المستجدة في الجنوب. فأُعيد إحياء المبادرة خلال اجتماع بين عون واللواء ابراهيم، الذي تواصَل بعدها مجدداً مع جميع الاطراف، لامِساً تراجعاً وليونة ومواقف استوت.

 

وشكّلت لقاءات عون الاخيرة عاملاً سَرّع في تزخيم المبادرة. وقالت المصادر انّ نقاط المبادرة الخمس كانت موجودة منذ البداية، لكنّ الاعلان عنها اليوم جاء بعدما سلكت إطار التنفيذ.

 

وعلمت “الجمهورية” انّ “حزب الله” دفع خلال نهاية الاسبوع الماضي في اتجاه الحل بنحو لافت، وبعث برسالة الى النواب السنة الستة، الذين تواصل اللواء ابراهيم معهم فرداً فرداً، مفادها انّ الحزب يبارك مساعي الوصول الى مخرج متمنياً عليهم التجاوب.

 

ابراهيم

وقال اللواء ابراهيم لـ”الجمهورية” انه بعدما تواصلَ مع الجميع حوّل الافكار الى مبادرة ترضي كل الاطراف، مؤكدا انه أتمّ المهمة على اكمل وجه و”لم يبق منها سوى ما هو متعلق بالقرار على المستوى السياسي، والذي سيتم قريباً جداً “.

وفي المعلومات انّ اتفاقاً مبدئياً تمّ بين الرؤساء الثلاثة على إصدار مراسيم تأليف الحكومة قبل نهاية هذا الاسبوع.

 

خليل

من جهته، قال وزير المال علي حسن خليل: “إننا أصبحنا في الشوط الأخير من عملية التشكيل الحكومي، والتي نأمل بجدّ هذه المرّة ان تكون خلال الأيام والساعات المقبلة، بما يضفي أجواء إيجابية على المرحلة المقبلة، وخصوصاً في موسم الأعياد. والاسراع في تشكيل الحكومة أصبح حاجة ضرورية لإعادة تشكيل ثقة الناس بالدولة وثقة المؤسسات والمجتمع الدوليّ أيضاً بالدولة وقدرتها على مواجهة التحديات التي نعيشها”.

 

“إنذار” دولي جديد

على الصعيد المالي والاقتصادي، تلقّى الوضع اللبناني تحذيراً اضافياً جديداً. وبعد “موديز”، جاء دَور وكالة التصنيف الائتمانية “فيتش” لتعدّل النظرة المستقبلية للبنان إلى سلبية من مستقرة، مؤكدة على تصنيفه عند B سلبي.

 

تعكس نظرة “فيتش” السلبية للبنان، مزيداً من التدهور في العجز الحكومي وديناميكيات الدين وتشير الى الضغوط المتزايدة على سياسة التمويل في لبنان، بالاضافة الى تراجع نمو الودائع، وزيادة الاعتماد على تدابير مصرف لبنان المركزي غير التقليدية لمواجهة هذه الضغوط.

 

وفيما أكدت “فيتش” أنّ لبنان “ما زال يفتقر إلى خطة ذات مصداقية وقابلة للتنفيذ لخفض عجز الميزانية”، أشارت الى “أنّ المالية العامة اللبنانية ازدادت سوءاً في العام 2018، وارتفعت المخاطر على استدامة الديون المتوسطة الأجل”. وتوقعت “فيتش” أن تصل نسبة الدين العام الى الناتج المحلي الإجمالي إلى 158 ٪ في عام 2020، لتستمرّ في الارتفاع إلى 169 ٪ في عام 2023.