IMLebanon

“الجمهورية”: جلسة الثقة: مهرجان خطابي طويل.. والقوانين المعطلة تنتظر الحكومة 

تمثل الحكومة أمام المجلس النيابي اليوم، للإستحصال على سِمة الدخول الى ميدان العمل التنفيذي الموعود، الذي تعهّدت به بالاسم الذي أطلقته على نفسها: «حكومة إلى العمل». يأتي ذلك في وقت يشهد لبنان في هذه الفترة مزيداً من الإندفاع الخارجي في اتجاهه، والذي تجلى في سلسلة زيارات لمسؤولين أميركيين، وبعدها رئيس الحكومة الايطالية جوزيبي كونتي، ثم حضور وزير الخارجية الايرانية محمد جواد ظريف، وبعده الأمين العام لجامعة الدول العربية احمد ابو الغيط، وصولاً الى زيارة الموفد الملكي السعودي الدكتور نزار العلولا الذي سيصل الى بيروت اليوم ويلتقي الرؤساء الثلاثة وقوى سياسية لبنانية.
بمعزل عن التساؤلات التي أثيرت في اوساط سياسية مختلفة حول سر تزامن هذه الزيارات مع بعضها البعض، مقرونة بافتراضات أوحت وكأنّ تنافساً عربياً ايرانياً يحصل على ارض لبنان، فقد اكدت اوساط السراي الحكومي لـ«الجمهورية» ان لا رابط بين هذه الزيارات، فأبو الغيط سبق له أن اكد انه سيزور لبنان بعد تشكيل الحكومة، اما بالنسبة الى العلولا فقد سبق واكد اكثر من مرة انه ينتظر تشكيل الحكومة ليقوم بزيارة لبنان لتأكيد وقوف المملكة الى جانب لبنان، ولأنّ لديه اخباراً سارّة للبنان واجراءات سيقوم بها عند زيارته، وإن شاء الله ستسمعون اخباراً جيدة».

السلاح الايراني

وبحسب اوساط السراي فإنّ زيارة وزير الخارجية الايرانية هي زيارة دعم للبنان ولا رابط بينها وبين زيارتي ابو الغيط والعلولا، والرئيس الحريري كان على علم بزيارته قبل ان يتم الاعلان عنها، ورداً على سؤال حول مدى تحمّل لبنان قبول تسليح جيشه منى ايران قالت اوساط السراي: المسألة مرتبطة بإمكانية ان يوافق على هذا الامر كل لبنان وليس فقط الحكومة اللبنانية. نحن نعلم انّ كل شركة تذهب الى ايران تتعرض لعقوبات، وهذه العقوبات يتخوف منها كل العالم، ونحن سنعمل ما هو لمصلحة لبنان.

وكان ظريف قد اكد في عين التينة انّ ايران على استعداد لأن تقدم الدعم للبنان، ولكن بما يتلاءم مع طروف لبنان وبما لا يؤدي الى إحراجه.

واللافت للانتباه في ما تعكسه أوساط السراي عن لقاء الحريري وظريف، اشارتها الى انها اكثر المرّات التي يسمع فيها الحريري كلاماً ايجابياً ومشجّعاً حول قضية نزار زكا من مسؤول ايراني.

الى الثقة

داخلياً، ثقة المجلس النيابي، كما هو واضح، اكثر من مؤمّنة وبأكثرية عالية تزيد على الـ120 صوتاً، لحكومة وعدت أن تقرن التعهدات التي قطعتها على نفسها بعد تأليفها، بأفعال جديّة ومجدية، تقدم من خلالها للناس أداء جديداً، يمحو عثرات الحكومة السابقة وسقطاتها في اكثر من مجال، التي أفقدتها حتى اسمها، فحوّلتها من «حكومة استعادة الثقة» الى حكومة كان من أهم إنجازاتها انها أفقدت ثقة الناس بها، وبكل الطاقم السياسي، بأداء عشوائي، محاصصاتي، صفقاتي، إستولد ضغوطاً كبرى ومزيداً من الازمات، وزاد العبء على مالية الدولة حتى أصابها الشحّ الخطير، وراكَم الملفات الاقتصادية والمعيشية على كل فئات الشعب اللبناني.

عون: صولد

هذه الصورة، بما فيها من أوجاع، تتطلب جهوداً استثنائية وجبّارة، لا بل خارقة، لاحتواء تداعيات سلبيات الزمن الحكومي السابق، وما قبله طبعاً. وعشيّة جلسة الثقة المحسومة للحكومة يبدو أنّ حجر الآمال يكبر بشكل واضح؛ فرئيس الجمهورية العماد ميشال عون قرر أن يلعب «الصولد» على الحصان الحكومي، ويراهن على إنتاجية نوعية لما قرّر ان يسمّيها «حكومة العهد».

بري: الخطأ ممنوع

ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، يرفع شعارا كبيرا: «الحكومة امام اختبار ان تقرن الاقول بالافعال، الوقت وقت العمل، ولا مجال لتضييع الوقت»، ومن هنا فإنّ بري، وكما أبلغ «الجمهورية»، فإنه لطالما كان يشكل الرافعة للعمل الحكومي في الاتجاه الذي يخدم مصالح الدولة ومصالح الناس، وسيواكب هذا المسار باستنفار مجلسي في التشريع الذي يكمل عمل الحكومة. وهو مع الحكومة الجديدة ما زال متموضعاً في المكان نفسه، كداعم للحكومة، لكن كدعم مشروط بالعمل الصائب والمنتج. كان يقال في الماضي ان أصابت الحكومة فلها أجران وإن أخطات فلها أجر واحد، لكن اليوم اختلف الأمر، المطلوب من الحكومة ان تقوم بالعمل الصائب، في بلد بلغ وضعه الاقتصادي حد الخطر الشديد. وبالتالي ما عاد يحتمل اي خطأ، او تقصير. ومن هنا ممنوع على الحكومة ان تخطىء او تقصّر، نحن وإن كنّا متمثّلين فيها سنتعامل معها «على القطعة»، فإن أصابت فذلك امر جيد ونقول لها: أحسنت. وإن أخطأت سنمارس حقنا الطبيعي كمجلس نيابي في المحاسبة والمساءلة، ومن هنا جاء القرار بعقد جلسات شهرية من هذا النوع».

الحريري: عمل حثيث

أمّا رئيس الحكومة سعد الحريري، فيبدو انه اكثر المتفائلين، واوساطه تؤكد لـ«الجمهورية» انه قرر أن يعمل بوتيرة فعّالة وفاعلة، ويتخطى اي مطبات قد تعترض سبيل حكومته، او تعيق ما هي بصدده لمعالجة الازمة الراهنة، أيّاً كانت هذه المطبات، ومهما كلّفه ذلك، وألزم نفسه بالذهاب الى إصلاحات واتخاذ خطوات وقرارات وإجراءات حتى ولو كانت غير شعبية. فالمهم بالنسبة اليه أن تقوم الدولة وتنهض، وتتلمّس طريق خروجها من أزماتها المتفاقمة، وصولاً الى تحقيق الانجاز الذي وعد قبل يومين من دبي، بتحويل لبنان الى بلد يشبه تلك الامارة المتقدمة في دولة الامارات العربية المتحدة.

أكثر من 60 خطيباً

على وقع هذه الروحيّة تذهب الحكومة الى جلسة الثقة، وفي انتظارها صفّ طويل من النواب زاد عددهم عن نصف عدد مجلس النواب، اي ما يزيد عن الستين نائباً سجّلوا أسماءهم لارتقاء منبر الهيئة العامة للمجلس لمناقشة البيان الوزاري لـ«حكومة إلى العمل».

علماً انّ معلومات «الجمهورية» تؤكد بذل الرئيس الحريري المساعي الحثيثة في الساعات الماضية لتقليص عدد المتكلمين وصرف الوقت على ما صار يشبه مهرجاناً خطابياً، خصوصا انّ النواب الجدد يعتبرون هذه الجلسة فرصة ثمينة للاطلالة على جمهورهم بعد الانتخابات من على منبر مجلس النواب، في جلسة منقولة وقائعها مباشرة عبر الاعلام المرئي والمسموع.

وبحسب مصادر مجلسية فإنّ كثرة عدد المتكلمين في الجلسة وبقاءه عند هذا الحد المرتفع يصعّب إمكانية انتهاء الجلسة غداً، كما هو محدد في الدعوة التي وجّهها بري لعقد الجلسة على مدى يومين بجلسات نهارية ومسائية، ما يعني انّ الجلسة ستتمدّد حكماً الى يوم ثالث، أي بعد غد الجمعة، على اعتبار انّ يوم غد الخميس عطلة رسمية لمناسبة ذكرى اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وربما حتى يوم السبت المقبل اذا بقي جدول الخطباء على حاله من دون تخفيض وتراجع طالبي الكلام عن أدوارهم.

معارضة خجولة

وكما هو واضح انّ الغالبية الساحقة من النواب المتكلمين ستعزف على وتر تشجيع الحكومة وتحميسها وتحفيزها لتكون بعملها المقبل أهلاً للثقة التي سيمنحونها لها، في مقابل بضعة أصوات قد لا تزيد عن عدد اصابع اليد الواحدة، ستغرّد خارج السرب، وكأنها تصرخ في واد، لتؤكد من خلال ذلك انّ في المجلس النيابي نبضاً للمعارضة، حتى ولو كان خجولاً.

بيان وزاري مستعمل!

وبمعزل عن «رهان عون»، و«رافعة بري» و«تفاؤل الحريري»، وعن جدار الدعم الذي بنته القوى السياسية حول الحكومة، فإنّ كل ذلك ليس كافياً لأن تكون الثقة التي ستمنح لها، ثقة مقنعة، او بمعنى أدق ثقة تستحقها الحكومة.

هذا ما تؤكد عليه اوساط المراجع السياسية والرسمية، التي ترتسم في أجواء بعضها علامات تقييم متدنية للبيان الوزاري، بحيث وصل هذا التقييم بمرجع سياسي الى التساؤل: «ماذا يمكن ان تتأمل من بيان مستعمل في الحكومة السابقة، هو في الأصل «صَفصفة كلام»، ومع ذلك لا تلك الحكومة طبّقته، ولا هو يشكّل خريطة الانقاذ الذي تعد فيه هذه الحكومة»؟

ورشة سريعة

واذا كان المجلس النيابي يتحضّر بعد جلسة الثقة للدخول في دورة انعقاد استثنائية متوافق على فتحها بين الرؤساء الثلاثة، وذلك عبر مرسوم ينتظر ان يصدر بالتفاهم بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، بما يمهّد لدخول المجلس في ورشة تشريعية ورقابية على حد ما يقول الرئيس بري، فإنّ حكومة ما بعد الثقة، بحسب ما تؤكد مصادر وزارية بارزة لـ«الجمهورية»، هي أمام ورشة عمل سريعة ومستعجلة، واستهلاليتها تبدأ بالانجاز السريع لمشروع موازنة العام 2019 بشقّيها: فتح دورة استثنائية لمجلس النواب لعقد جلسة تشريعية لإقرار جدول اعمال يتصدره اقتراح بالاجازة بالصرف على القاعدة الاثني عشرية لتسيير عمل الدولة، وضبط الواردات والنفقات حتى صدور قانون الموازنة.

الاختبار الصعب

اما الإختبار الذي ينتظر الحكومة، فبحسب المصادر، هو الأمر الصعب الذي يوجب على الحكومة إثبات مصداقيتها امام الناس وتوجّهها نحو تحويل البلد الى دولة قانون تطبّقه وتخضع لأحكامه، وهنا تكمن الوصفة العلاجية للامراض التي يعانيها البلد، وفي مقدمها الفساد الذي ينخر عظام الدولة وكل مفاصلها المؤسساتية والادارية.

واذا كانت الورشة المنتظرة من قبل الحكومة قد تعرّضت، لِما يصفها مرجع مسؤول بـ«انتكاسة مسبقة»، أحدثها إلغاء وزارتي الفساد والتخطيط، وهو أمر يلقي ظلالاً من الشك حول مصداقية العمل الحكومي، الّا انّ هذه المصداقية، بحسب مصادر قانونية لـ«الجمهورية» قد تكون فارغة مع المخالفة الدستورية المستمرة منذ ما يقارب العشرين سنة، فالدستور نَص في مادته الـ«65» – «البند 2» على انّ من واجبات مجلس الوزراء «السهر على تنفيذ القوانين»، ومع ذلك يتم عمداً، تعطيل تنفيذ ما يزيد على الاربعين قانوناً، ويمتنع اهل السلطة عن اصدار المراسيم التطبيقية لهذه القوانين.

جابر

والواضح انّ هذه القوانين حيوية في مجملها، وعلى ما يقول النائب ياسين جابر لـ«الجمهورية» انه لا بد من ورشة تطبيقية للقوانين المعطلة، وبعضها يعود الى العام 2002، ومن شأن تطبيقها ان يساعد على تحسين الوضع الاقتصادي ويعطي الامل بأنه سيكون أمامنا دولة قانون. ومن شأن ذلك ايضاً أن يوجّه رسالة الى كل العالم بأنّ هناك تغييراً جذرياً في المسار التعطيلي، واننا نسير فعلاً نحو الاصلاح البنيوي الذي يتطلبه البلد، علما انّ البلد لا يحتاج الى تشريعات جديدة في معظم الامور لتحقيق هذا الهدف، ذلك انّ القوانين الضرورية لإجراء هذا الاصلاح معظمها موجود منذ سنوات طويلة.

ويعدّد جابر نماذج من القوانين المعطلة مثل القانون المتعلق بالكهرباء، حيث يعدّ هذا الملف اكبر مسبّبات عجز الخزينة ولب الفساد. وكذلك قانون الاتصالات، وقانون ادارة قطاع الطيران المدني، وقوانين متعلقة بالصحة، وسلامة الغذاء، وحماية المستهلك، وسلامة المياه، وأضيف الى هذه القوانين اخيراً قانون تكنولوجيا المعلومات. وقال: «عندما شكّل الرئيس بري لجنة نيابية وأولاني رئاستها لمتابعة هذا الموضوع، قمنا بما يتوجّب علينا، وتابعنا هذا الامر مع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، ووصل بنا الأمر الى حَد أن نستأجر خبراء لإعداد المراسيم التطبيقية لبعض القوانين، ومع ذلك لم يتغيّر شيء».