IMLebanon

إستنفار الماكينات وإنقسام المتحالفين في إنتخابات جبل لبنان

لم يحجب نبأ مقتل أحد المتّهمين الأربعة باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، القيادي في «حزب الله» مصطفى بدرالدين في سوريا، الاهتمامَ بالتحضيرات لجولة الانتخابات البلدية والاختيارية الثانية التي ستشهدها محافظة جبل لبنان غداً الأحد، ولا عن سَماع أصوات طبول المعارك التي اشتدّت حماوتُها في بعض المدنِ والمناطق، بما يشير إلى أنّ التحالفات الحزبية التي يُراد منها تقويض تاريخ بعض القيادات والقامات التي تعمل منذ عشرات السنين في خدمة القواعد الشعبية في جبل لبنان لم تتمكّن من تحقيق أيّ انفكاك أو انفصال بين هذه القيادات والناس.

قبل 48 ساعة من الانتخابات أظهرَت المعطيات الماثلة أنّ التحالفات الحزبية لن تتمكّن من تحقيق «التسونامي» الذي أرادت منه شنَّ «حرب إلغاء»، إذ تبيّن أنّ أطراف هذه التحالفات منقسمة على نفسها حتى ضمن البلدة الواحدة والبلدية الواحدة، بل إنّ بعض محازبيها ذهبوا إلى نسجِ تحالفات خارج الانصياع للقرار الحزبي من فوق.

إغتيال بدر الدين

من جهةٍ ثانية وفي خضمّ الإجراءات الاميركية ضد «حزب الله»، وبعد ساعات على كلمة الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، والتي اعقبَت تحذيرات نواب الحزب الى حاكم مصرف لبنان والمصارف من مغبّة الخضوع لـ«الإملاءات الاميركية»، خطفَ الأضواءَ نعيُ «حزب الله» أمس «القائد الجهادي الكبير» مصطفى بدر الدين الذي سقط في سوريا، في استهداف هو الرابع لقادة الحزب هناك، بعد الحاج عماد مغنية ونجلِه جهاد، وسمير القنطار.

وأوضح الحزب في بيان أنّ المعلومات المستقاة من التحقيق الأوّلي تفيد أنّ انفجاراً كبيراً استهدف أحد مراكزه قرب مطار دمشق الدولي «ما أدّى إلى استشهاد الأخ القائد مصطفى بدر الدين (السيّد ذو الفقار) وإصابة آخرين بجروح». وأشار الى أنّ التحقيق «سيَعمل على تحديد طبيعة الانفجار وأسبابه، وهل هو ناتج عن قصف جوّي أو صاروخي أو مدفعي، وسنعلِن مزيداً من نتائج التحقيق قريباً».

وخلال تشييع بدر الدين والمعروف بأسماء عدة، أوضَح نائب الامين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم أنّ الانفجار حصل قرب مطار دمشق، وفي أحد مراكز الحزب، وكان انفجارًا كبيرًا، وقال: «لقد دأبَ إخواننا على التحقيق في طبيعة هذا الانفجار ومَن سبَّبه، وبسبب وجود احتمالات عدة لم نرغَب أن نستبق التحقيق وأن نعلن بناءً على رؤية سياسية أو رغبة في تظهير بعض الأعداء دون البعض الآخر، ولكن أطَمئنكم الى انّنا خلال ساعات من الآن أقصاها صبيحة الغد (اليوم) سنعلن بالتفصيل ما هو سبب الانفجار ومَن هي الجهة المسؤولة، وسنَبني على الأمر مقتضاه، وقد تلمَّسنا خطوات واضحة تؤشّر إلى الجهة وإلى الأسلوب، لكنّنا نحتاج إلى بعض الاستكمال لنتيقّن مئة في المئة وإنْ شاء الله تعالى سنعلن هذا الأمر على الملأ».

وعلِم أنّ السيّد نصرالله سيتحدّث في احتفال تأبيني لبدر الدين سيُقام في مجمع سيّد الشهداء في الضاحية الجنوبية الجمعة المقبل.

مصادر سوريّة

وفي انتظار جلاء الغموض الذي اكتنَف عملية التفجير، نَقلت وكالة «أكي» الايطالية عن مصادر عسكرية سورية «أنّ عملية اغتيال بدر الدين في سوريا، مطابقة تماماً لعملية اغتيال المسؤول العسكري في الحزب سمير قنطار داخل سوريا في كانون الأول العام الماضي»، ورجّحت «وجود شريحة تعقّب مزروعة داخل مكان إقامته».

وأضافت المصادر أنّ «مِن المُرجّح وفق المعلومات الأوّلية أنّ بدر الدين اغتيلَ بصاروخ (سبايس) موجّه عبر نظام متابعة مواقع جغرافية (جي. بي. اس) يتبع شريحة مزروعة في مكان إقامته بريف دمشق، وهي منظومة صواريخ لا يمكن رصدُها بالرادار، ما يُرجّح وجود عملية اختراق سهّلت الوصول إليه».

ولم تُحدّد المصادر مكان إقامة بدر الدين، مكتفيةً بالإشارة إلى أنّ مكان إقامته «مموّه وضمن منطقة سكنية».

إسرائيل

وفي أوّل تعليق إسرائيلي، قالت صحيفة «معاريف» إنّ اغتيال بدر الدين قرب مطار دمشق «هو ضربة قاسية لقيادة حزب الله العسكرية خصوصاً»، مضيفةً أنّ «بدر الدين كان من الأوائل والمؤسسين للجناح العسكري لحزب الله، وهو بمثابة وزير أمن حزب الله».

وتابعَت :«كما حصَل بعد اغتيال مغنية، يمكن التقدير أنّه في هذه الحالة ايضاً سيتغلّب حزب الله على خسارته وسيعيّن قائدًا عسكريًا آخر من بين صفوف قياداته الرفيعة، وبعد فترةٍ وجيزة سيتعافى من الضربة التي تلقّاها».

من جهته، وصَف رئيس مجلس الأمن الإسرائيلي السابق يعقوب عميدرور مقتلَ بدر الدين بـ»الأمر الجيّد لإسرائيل»، وقال لإذاعة الجيش الإسرائيلي: «إنّ إسرائيل ليست مسؤولة دائماً عن أمور كهذه، ولا نَعلم ما إذا كانت مسؤولةً عنها».

المحكمة

وفيما تلقّى الأمين العام للحزب السيّد حسن نصرالله اتّصالَي تعزية من رئيسَي مجلس النواب نبيه بري والحكومة تمّام سلام، وثالث من وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف، أعلنَت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان أنّها أخَذت علماً بالتقارير التي نشِرت في وسائل الإعلام عن وفاة بدر الدين، لافتةً إلى أنّها لا تستطيع أن تقدّم أيّ تعليق قبل صدور قرار قضائي، مؤكّدةً أنّها «ستظلّ ملتزمة باضطلاعها بولايتها بأعلى معايير العدالة الدولية».

إلى ذلك أكّد المتحدث باسم البيت الأبيض جوش أرنست أنّ المنطقة التي قتِل فيها بدر الدين لم توجد فيها أيّ طائرات تابعة للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة. وقال: «لم تكن هناك طائرات أميركية أو تابعة للتحالف في المنطقة التي قيل إنّه قتِل فيها.» وأضاف أنه لا يمكنه تأكيد مقتل بدر الدين.

فتفت

وشكّك عضو كتلة «المستقبل» النائب أحمد فتفت في أن يكون الشخص الذي شيّعه «حزب الله» أمس هو نفسُه بدر الدين، وقال لـ»الجمهورية»: «في كلّ الحروب السرّية والأمنية أمورٌ كثيرة تُصنَع، وتُطرَح علامات استفهام.

وهذه أوّل نقطة استفهام تأتي بعدما طُرح في بعض وسائل الإعلام إمكانية أن يُستدعى الأمين العام للحزب السيّد حسن نصرالله إلى المحكمة الدولية، فهل ما جرى هو لقطعِ الصِلة من جهة؟ أم لإخفاء مصطفى بدر الدين نهائياً عن التداول؟».

وأضاف: «أمّا بالنسبة الى المحكمة فهي مستمرّة، ولكن من الواضح أنّ جميع المتّهمين الأساسيين يتمّ الإعلان تدريجاً عن مقتلهم في سوريا، ولا أدري ما إذا كان ذلك يحصل فعلاً أم أنّه التفافٌ على المحكمة لكي تصبح في النهاية أمام عدمِ وجود متّهمين».

وقال: «ندرك أنّ الحزب لا يعترف بالمحكمة، لكنّه يدرك أنّ عملها مستمرّ ولا يُعرف متى يقع أحد المطلوبين في يد القضاء الدولي كما حصَل في يوغوسلافيا بعد 15 عاماً، فالحزب يتّخذ احتياطاته لكي يجعل القرار الدولي وكأنّه لم يكن. وفي كلّ حال، عدالة السماء لا تقصّر إذا قصّرَت عدالة الأرض».

وتوقّف فتفت عند «خطورة» هجوم الحزب على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة والمصارف، لافتاً إلى «أنّها المرّة الاولى التي يمس فيها أحد بالعمود الاقتصادي والمالي للدولة اللبنانية، وهذا خطير جداً، ففي كلّ دول العالم الدولة تحمي المصارف، أمّا في لبنان فالمصارف تحمي الدولة وتموّلها، وبالتالي كأنّ المقصود بهذا الهجوم تدمير كلّ ما تبقّى من أسُس الدولة اللبنانية وإمكاناتها الاقتصادية والمالية، ولا أعرف ما إذا كان هجومهم المركّز على المصارف هو مجرّد هجوم إعلامي سياسي ام أنّه تهديدي أيضاً؟ لقد اعتَدنا دائماً أن تخفي هجمات الحزب تهديداً ما».

رئاسة

مِن جهة ثانية، تصَدّر الاستحقاق الرئاسي مجدداً المشهد السياسي من خلال موقفين: فرنسي، عبَّر عنه الرئيس فرنسوا هولاند في رسالة الى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، وإيطالي أكّده الرئيس الايطالي سيرجيو ماتاريللا خلال زيارته الى لبنان أمس.

فقد دعا هولاند في رسالة شُكرٍ تلقّاها الراعي منه في 27 نيسان الفائت، بعد لقائهما الأخير في بيروت، إلى «انتخاب رئيس للجمهورية سريعاً بغية تفعيل عمل المؤسسات مجدداً. وأكّد «أنّ فرنسا ستتابع بذلَ الجهود الى جانب الأفرقاء المعنيين لمساعدة اللبنانيين على إيجاد حلّ للأزمة السياسية والمؤسساتية في أسرع ما يمكن، وأنّها ستتابع حضَّ الأسرة الدولية على العمل في هذا الاتّجاه».

إيطاليا

من جهته، الرئيس الإيطالي الذي التقى رئيس مجلس النواب نبيه برّي ورئيس الحكومة تمّام سلام والبطريرك الراعي في مطرانية بيروت للموارنة وتفقّد قوات بلاده في «اليونيفيل»، أبدى اقتناعه بأنّ اللبنانيين «يستطيعون أن يجدوا الحلّ لانتخاب رئيس للجمهورية»، متمنياً أن يعود قريباً إلى بيروت «لألقيَ التحية على الرئيس الجديد المنتخَب». ووعد بأنّ «إيطاليا ستزيد مساعداتها للبنان هذه السَنة، وأنّها ستبذل جهوداً داخل الاتحاد الأوروبي لوضع خطة شاملة لمواجهة موضوع النزوح تعتمدها أوروبا مجتمعةً».

حركة وفود دولية

وفي هذه الأجواء ستشهد بيروت في الثلث الأخير من الشهر الجاري سلسلة زيارات لوفود أميركية وأوروبية وأرجنتينية، وعلمت «الجمهورية» أنّ مَن سيتقدّمها هو مساعد وزير الخزانة الاميركية لشؤون تمويل الإرهاب دانيال غلايزر الذي سيصل في 23 منه تزامناً مع زيارة تقوم بها بعثة اميركية متخصّصة بشؤون الطاقة والنفط يتقدّمها مساعد وزير الطاقة للبحث في تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة الخاصة بلبنان.

ومن الأرجنتين ستصل وزيرة خارجيتها سوسانا مالكورا في زيارة تستمر يومين، على ان تليَها زيارة لوفد بلجيكي، يسبق وصول وزير خارجية فرنسا جان مارك ايرولت في 25 الجاري تحضيراً لاجتماع مجموعة الدعم الدولية للبنان.

ملفّ الإنترنت

إلى ذلك، فتحَت الموافقة التي أعطاها وزير الاتصالات بطرس حرب للمدّعي العام المالي القاضي الدكتور علي ابراهيم لملاحقة موظفي مؤسسة «أوجيرو» الكبار الآفاقَ في ملف الإنترنت غير الشرعي، على فصول جديدة من التحقيقات الجارية بحثاً عن مصير عشرات ملايين الدولارات المهدورة، بالإضافة الى صرفِ النفوذ في تسويق معدّات في السوق المحلية تدخل فيها صناعات إسرائيلية تكنولوجية وتقنية متطوّرة جداً، بالإضافة إلى استمرار البحث عن الوسائل والقنوات التي اعتُمدت في إدخال معدّات بطريقة غير شرعية وبمستندات مزوّرة.

وادّعى ابراهيم أمس على المدير العام لـ»أوجيرو» عبد المنعم يوسف ومدير المعلوماتية فيها توفيق شبارو والمدير العام غابي سميرة بجرم الإهمال في القيام بالوظيفة، وأحالَ الملف على قاضي التحقيق الأوّل في بيروت غسان عويدات.

حمود

وقال المدّعي العام التمييزي القاضي سمير حمود لـ»الجمهورية» إنّ «الإجراءات القضائية بدأت تسلك مسارات أكثر دقّة واختصاصاً في الملفات، وإنّ قاضي التحقيق الأوّل في بيروت غسان عويدات سيتسلّم التحقيقات التي أجراها قاضي التحقيق في جبل لبنان رامي عبدالله قبل استدعاء شبارو وسميرة بالتهَم التي وجّهتها النيابة العامة المالية بالاستناد الى مضمون التحقيقات السابقة لعبدالله، والذين مثلوا أمامه بصفتهم شهوداً وليس كمدَّعى عليهم».

ولفتَ حمّود إلى «أنّ التحقيقات لدى المباحث الجنائية المركزية مستمرّة على مسار آخر يتّصل بتحديد مصدر المعدّات التي دخلت إلى لبنان بوثائق مزوّرة لا تتحدّث صراحةً عن نوعيتها ومصدرها ووجهةِ استعمالها تمهيداً لتحديد الجهات التي تغاضَت عنها أو ساهمت في إدخالها على رغم معرفتها بوجهة استخدامها وكونها تمّت بطريقة غير شرعية ومخالفة للقوانين».

وحول مصير يوسف وموعد عودته إلى بيروت، قال حمّود: «ننتظر المهَل التي تمّ تحديدها في التقارير الطبّية التي كشفَها وزير الوصاية على المؤسسة ليكون في بيروت، وعدا عن ذلك ليس هناك أيّ معلومات خاصة يمكن الإدلاء بها وسيتّخذ القرار المناسب في ضوء ما ستُظهره التحقيقات ومضمون ملفّ الإحالة الجديدة للنيابة العامة الماليّة وما تحتويه من اتّهامات، بالإضافة إلى سلوك يوسف نفسه وما يمكن أن يقوم به».

إبراهيم في واشنطن

على صعيد آخر، واصَل المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم زيارته لواشنطن وعَقد لقاءات مع رؤساء الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، كما كانت له لقاءات في وزارة الخارجية مع مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط آن باترسون ومبعوث الرئيس الاميركي باراك أوباما لشؤون المفقودين ومستشار أوباما روب مالي، وتناولَ البحث الملفّات الأمنية في لبنان والمنطقة.