IMLebanon

فرنسا قلقة على الرئاسة والإنسحاب القطري لم يؤثر في القضية

ثلاثة ملفّات فرضت نفسَها في الأيام والساعات الأخيرة: ملف العسكريين المخطوفين بعد بروز تطوّرَين: استشهاد علي البزّال، وإعلان قطر وقفَ وساطتها، ما يعني تحمّل الحكومة اللبنانية من الآن وصاعداً كلّ المسؤولية في هذا الملف. جولة مدير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والمبعوث الخاص لوزير الخارجية الفرنسية جان فرنسوا جيرو على المسؤولين اللبنانين في محاولة لتلمُّس إمكان تحقيق خَرق في الجمود الرئاسي، خصوصاً أنّ هذه الجولة كان سبقَها وسَيليها زيارات لوفود خارجية تحصر تركيزَها في الاستحقاق الرئاسي من باب الاستقرار اللبناني. والغارة الإسرائيلية على مواقع عسكرية في سوريا والتي استحوذَت على قراءات ديبلوماسية لتَقصّي خلفياتها وأبعادها وحجمها.

ركّزَ جيرو في لقاءاته على عنوان رئيسي، وهو ملف رئاسة الجمهورية. وجاءت زيارته عقبَ جولة نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف الذي وجّه بدوره رسالتين: الرسالة الأولى تتصل بإحياء «إعلان بعبدا» من أجل تحييد لبنان عن الأزمة السورية، وهو لم يكن مضطرّاً للتذكير بهذا الإعلان لولا الحِرص الروسي على هذا التحييد.

وأهمية هذه الرسالة أنّها جاءت من دولة حليفة لإيران في المنطقة وتدعم النظام السوري. والرسالة الثانية تتعلق بضرورة التوصّل إلى توافُق رئاسي. وهذه الرسالة تتقاطع مع مهمّة المندوب الفرنسي الذي يتحرّك بين بيروت والرياض وطهران وبتنسيق مع واشطن وروسيا، ما يعني أن لا عوائق خارجية أمام التوصّل لانتخابات رئاسية، بل هناك دفعٌ خارجيّ لإخراج الرئاسة من عنق الزجاجة.

فالخِلاف الدولي-الإقليمي الذي يكاد يكون على كلّ شيء وفي كلّ الملفات لا يشمل لبنان، حيث يتقاطع الجميع على ضرورة الحفاظ على الاستقرار اللبناني الذي معبَره إنهاء الفراغ الرئاسي والتوافق السياسي والدعم المطلق للجيش اللبناني، وبالتالي خارطة الطريق للمرحلة المقبلة أصبحَت مبدئياً واضحة المعالم: إنتخابات رئاسية يليها تأليف حكومة سريعاً بمواصفات الحكومة الحالية والعودة إلى هيئة الحوار الوطني كمساحة تواصُل بين القوى السياسية.

واللافت أنّ هذا الحراك الدولي تحت العنوان الرئاسي يحصل عشية الجلسة الانتخابية الرئاسية غداً والتي يُستبعَد أن تشهد خرقاً، لأنّ الأمور لم تنضج بعد، ولكنّها بالتأكيد أصبحت على السكّة الصحيحة، وهذا ما يفسّر المبادرة التي أطلقَها الرئيس سعد الحريري، كما يفسّر ملاقاة أمين عام «حزب الله» السيّد حسن نصرالله لهذه المبادرة، ويفسّر أيضاً القلق العوني بعد تلمّسِه وجود تقاطع دولي-إقليمي على تسوية رئاسية في لبنان.

سلام

وبعد لقاء جيرو مع الرئيس تمّام سلام في حضور السفير الفرنسي في لبنان باتريس باولي، قال: «في إطار المهمة التي أقودها اليوم (أمس) وغداً (اليوم) في بيروت، جئتُ لزيارة رئيس الحكومة لأكرّر له دعمَ فرنسا، ونقلت له رسالة التعزية بعد مقتل ستّة جنود لبنانيين والإعدام المروّع لأحد عناصر القوى الأمنية المحتجَزين».

وأضاف: «إنّ الفراغ الرئاسي الذي يدخل شهرَه السابع ويربك العمل العام الصحيح يقلِق فرنسا والعديدَ من شركائها. وفي مواجهة هذا المأزق فإنّ فرنسا تتحرّك بتجرّد ونزاهة وتضع نفسَها وطاقتها في خدمة لبنان لأنّه يجب أن نكون واضحين بأنّ الانتخاب الرئاسي اللبناني مسألة وطنية لبنانية، وفرنسا ليس لديها مرشّحون أو فيتو، وهي تدعم الدولة اللبنانية وعمل المؤسسات».

وأكّد أنّ «على اللبنانيين أن يحزموا أمرَهم ويختاروا رئيسَ دولتهم دون تدخّل خارجي، وأن يتفاهموا فيما بينهم حول إسم المرشّح، ويجب أن يكون هناك اتّفاق»، وأشار إلى أنّ «فرنسا تقترح أن تسهّل الوصول الى اتفاق إذا كان لبنان يرغب بذلك».

وسلام الذي يقوم بأوّل زيارة له الى فرنسا غداً، قالَ في حديث لـ»فرانس برس» إنّ «الانتخابات الرئاسية «تتأثّر تقليدياً بالخارج، ونحن نعتمد على أصدقائنا لدعمِنا في هذا الوضع. ولطالما أظهرَت فرنسا اهتماماً بالموضوع، وتحرّكت مع دوَل أخرى لمساعدتنا على حَلّه».

وشمَلت جولة جيرو أمس يرافقه باولي كلّ من رئيس مجلس النواب نبيه برّي، رئيس كتلة «المستقبل» الرئيس فؤاد السنيورة، الرئيس نجيب ميقاتي، رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط، وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، والبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، وذلك على أن يستكملَها اليوم، ومن المتوقّع أن يلتقي وفداً من قوى الرابع عشر من آذار.

وليلاً أفاد المكتب الإعلامي للرئيس سعد الحريري عن تلقّيه اتّصالاً من الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، ويؤشّر هذا الاتصال إلى حِرص هولاند على وضع الحريري في صورة لقاءات جيرو، ويدلّل على مدى الاهتمام الفرنسي بهذه الزيارة والتعويل عليها لتحقيق خَرق رئاسي.

المخطوفون

ومع إعلان قطر وقفَ وساطتها في ملف العسكريين المخطوفين التي لم تكن قد حقّقت فيها أيّ اختراق لاعتبارات مختلفة، قد يكون من بينها رفض تكريس الانطباع بأنّها على تواصل مع مجموعات إرهابية، وبعد أن كانت أحجمَت تركيا أساساً عن الدخول على هذا الخط، أصبحَت مسؤولية هذا الملف بعهدة الدولة اللبنانية وحدَها التي يُنتظر أن تبادر لإزالة الغموض وتبديد الالتباس في هذه القضيّة.

ما بعد المبادرة القطرية

وبعد ساعات على إعلان وزارة الخارجية القطرية عن عدم إمكانية استمرارها في جهود الوساطة لإطلاق سراح العسكريين اللبنانيين الذين تمّ اختطافهم في جرود عرسال «نتيجة قيام الخاطفين بقتل أحد الجنود المختطفين»، لم تتلمّس الساحة السياسية والأمنية أيّة ردّات فعل في حجم الاعتذار عن الوساطة لا على المستوى الرسمي ولا على مستوى أهالي العسكريين.

وقالت مصادر مطّلعة لـ«الجمهورية» إنّ الموقف القطري لم يكن مفاجئاً للعديد من المراجع المعنية، ولا سيّما الوزارية والأمنية، فقد كان ذلك متوقّعاً، خصوصاً في الفترة الأخيرة حيث لم يتمكّن الوسيط القطري – السوري الجنسية ضمانَ أيّ من تعهّدات الخاطفين ولا سيّما وقْف قتلِ العسكريين والتهديدات التي شلّت البلد في أكثر من منطقة ووقْف السعي إلى الفتنة المذهبية بين المناطق اللبنانية.

وأضافت هذه المصادر أنّ الوساطة كانت متوقّفة منذ أكثر من ثلاثة اسابيع على الأقلّ، عندما غادر الوسيط بيروت متوجّهاً إلى الدوحة من دون أيّة خطوة تعبّر عن جدّية الخاطفين المستخفّين بالموقف اللبناني، والذين استمرّوا في عمليات الغَدر بالعسكريين اللبنانيين رغم مطالبتِهم الجيشَ والقوى الأمنية اللبنانية بحماية النازحين السوريين ومخيّماتهم في ظلّ الاستمرار في استغلال مراكز تجمُّعِهم، وخصوصاً في محيط عرسال، للقيام بنَصبِ الكمائن ضدّ وحدات الجيش، وآخرُها استشهاد ستّة عسكريين قرب أحد هذه المخيّمات للّاجئين في عرسال.

ولفتَت المصادر الى أنّ الوسيط القطري جمّدَ حركتَه في الأيام الأخيرة ولم يزُر بيروت إلّا بعد قتلِ الدركي علي البزّال رغم كلّ الضمانات التي قالت بتجميد العملية أكثر من مرّة، وخصوصاً في الأيام العشرة الأخيرة التي سبقَت الإعلان عن قتلِه رمياً بالرصاص.

وعليه، فقد لفتَ فقدان أيّة معلومات رسمية عن اتصالات مع الدوحة للوقوف على خلفيّات القرار القطري، رغم أنّ معلومات تسرّبَت وتحدّثت عن اتصالات فردية خجولة سعياً إلى استشكاف الحقيقة الكامنة وراء الخطوة من دون أن يتوفّر أيّ جواب.

شروط هيئة العلماء المسلمين

وفي المقابل تحرّكَت هيئة العلماء المسلمين في اتّجاه دار الفتوى بعد أيّام قليلة على تحميلهم مِن قِبَل قادة المسلحين مصيرَ النِسوة المعتقلات لدى الجانب اللبناني، وبعد ساعات على المبادرة التي أطلقَتها الهيئة تحت عنوان «مبادرة الكرامة والسلامة» من أجل تسوية أوضاع العسكريين المخطوفين والإفراج عنهم.

وبعد اللقاء تحدّث الشيخ سالم الرافعي الذي نقل عن مفتي الجمهورية ضرورة حلّ هذا الملف سريعاً، وطلبَ وضع هذه المبادرة بعهدة رئيس الحكومة الذي يرأس خليّة الأزمة. وتحدّث عن شرطين لقبول مهمة الوساطة: أوّلهما تكليف رسمي من الحكومة للهيئة، وثانيهما القبول بمبدأ المقايضة.

الأهالي

وإزاء هذه التطوّرات التي شكّلت انعطافةً في مسار ملفّ المخطوفين وأدخلته في مرحلة جديدة، زارَ وفدٌ من نقابة الفنّانين المحترفين ونقابة الممثلين أهالي العسكريين المخطوفين في ساحة رياض الصلح، متضامناً معهم ومقدّماً التعازي.

«جبهة النصرة»

وليلاً، عاودَت «جبهة النصرة» تهديداتها، فقالت «إنّ قرارات خليّة الأزمة التي تزعم أنّ هدفها إنقاذ حياة العسكريين بدأت تأخذ منحى قد يودي بحياتهم بسبب هيبة الدولة المزعومة». وفي سياق آخر أعلنَت أنّ «الطيران اللبناني قصفَ مساء أمس منزلَ عائلة محمد حسين الحجيري أبو هيثم، ما أدّى إلى استشهاد الأب وأحد أطفاله وإصابة الأم وبقية الأطفال».

وخلافاً لما أوردته «النصرة» أفادت معلومات أن الطيران السوري هو الذي ألقى براميل متفجرة على منطقة عجرم في خراج بلدة عرسال حيث أصيب منزل مواطن من آل الحجيري ونجله بإصابات بالغة.

المفتي دريان

وفي الوقت الذي نبّهت فيه الهيئة الى ضرورة الإسراع في حلّ هذا الملف لِمَا يشكّله من تهديد جدّي للسِلم الاهلي والعيش المشترك. كشفَت مصادر رافقت اللقاء واطّلعَت على جوانب منه لـ«الجمهورية» أنّ المفتي دريان عطّلَ سيناريو للهيئة حاولت من خلاله فرضَ رأيها على اللقاء عندما عمّمَت فورَ انتهائه بياناً معدّاً سَلفاً تحدّثت في بندِه الأوّل عن «ضرورة معالجة ملفّ العسكريين بأسرع وقت من خلال الإفراج عن النساء والأطفال مقابل وقف التهديدات بقتل العسكريين المختطفين كبادرة حُسن نيّة من الطرفين لاستئناف المفاوضات رأفةً بالعسكريين وذويهم ولبنان».

وقالت المصادر إنّه عندما تبَلّغَ المفتي دريان بأمر البيان المكتوب سَلفاً طلبَ بوقفِ تعميمه ونشره واستدعى الوفد مرّةََ أخرى إلى بهو دار الفتوى وتمّ وضع بيان آخر ألغى فيه إلزامية ما اقترحَه البيان في بندِه الأوّل، وأصَرّ على وضع المبادرة التي وضعتها الهيئة في هذا الموضوع في عهدة رئيس الحكومة باعتباره رئيساً لخلية الأزمة.

مصدر عسكري

إلى ذلك، أكّد مصدر عسكري رفيع لـ«الجمهورية» أنّ «التنسيق بين الجيش وقوى الامن الداخلي، وبين فرع المعلومات ومخابرات الجيش، على أعلى المستويات»، لافتاً إلى وجود «محاولات من قِبل بعض المغرضين لإيجاد شقاق بين هاتين المؤسستين وباقي مؤسسات الدولة الأمنية». ودعا هؤلاء إلى «العَزف على غير هذا الوتر».

وأشارَ المصدر العسكري الى أنّ «ملفّ التفاوض هو مع الحكومة، وهي تكلّف من تراه مناسباً، ولا صحّة للكلام عن انّ المؤسسات العسكرية تخَلّت عن أبنائها لأنّها لم تدخل مباشرةً في التفاوض»، لافتاً إلى أنّ «مدير المخابرات العميد إدمون فاضل يشارك في اجتماعات خليّة الأزمة، كما أنّ الجيش يقوم بكلّ المداهمات والتوقيفات ويمتلك أوراقَ قوّة يضعها في يد الحكومة لتفاوضَ من موقع قوّة، فكلّ هذا يدلّ على أنّنا نقوم بالمستحيل لتحرير أبنائنا».

وفي سياق آخر لفتَ المصدر الى أنّ «الجيش استكملَ إغلاق باقي المعابر في جرود عرسال، وحصرَ المرور بمعبرَي المصيدة ووادي حميد للأهالي الذين يملكون أراضيَ زراعية هناك فقط، من أجل ضبط الممرّات الجبلية ومنع تسلّل الإرهابيين»، مؤكّداً أنّ «طرُق عرسال مفتوحة باتّجاه البقاع».

وأشار المصدر الى أنّ «الجيش بذلَ كلّ مجهوده لمنع حصول فتنة في البقاع بعد استشهاد البزّال، خصوصاً أنّ النفوس كانت محقونة، لكنّها هدأت بعدما قامت مخابرات الجيش بالاتصال بالمرجعيات السياسية والدينية هناك، لأنّ الإنجرار الى الفتنة ممنوع. لذلك نفعل كلّ ما بوسعنا لتخريب مخطّطات الإرهابيين».

إسرائيل وسوريا

وفي وقتٍ جدّدت إسرائيل تأكيدَها أنّها مصمّمة على منع «نقل أسلحة» من سوريا الى «حزب الله»، ممتنعةً في الوقت نفسه عن تأكيد أو نفي شنّ غارات داخل سوريا، اتّهمت السلطات السورية اسرائيل بشنّ غارتين أمس الأوّل على منطقتين قرب العاصمة دمشق، مندّدةً بما اعتبرَته «دعماً مباشراً» إسرائيلياً للمعارضة والإسلاميين المتطرّفين.

ومن جهته، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إنّ الغارات استهدفَت موقعَين عسكريَين حيث توجَد مخازن للأسلحة. وأكّدَت وسائل الإعلام الإسرائيلية أنّ إسرائيل تقف وراء الغارتين اللتين استهدفَتا قوافلَ أو مخزونات أسلحة «متطوّرة» كانت في طريقها إلى حزب الله.

وقالت مصادر ديبلوماسية عربية لـ«الجمهورية» إنّ الضربة الإسرائيلية لن تغيّر في قواعد الاشتباك القائمة، وإنّ إسرائيل تقصّدَت عدمَ تأكيد أو نفي الضربة لاستبعاد احتمالات الردّ عليها، ورأت أنّه منذ اندلاع الأزمة السورية لم تسجّل إسرائيل دخولاً مباشراً في المستنقع السوري، إنّما ضرباتها كانت محدودة لدى امتلاكها المعلومات بوجود سلاح يهدّد أمنَها.

واعتبرَت المصادر أنّ سوريا تحوّلت إلى فيتنام المنطقة وتشهَد حرب استنزاف طويلة لكلّ القوى الإقليمية، وأنّه في الوقت الذي تضع تركيا الشروطَ للدخول في الوَحل السوري شرط التعهّد الأميركي بإقامة منطقة عازلة وإسقاط الرئيس السوري، تضع طهران كلّ ثقلِها لحماية النظام من السقوط العسكري أو أيّ تسوية سياسية على حسابه.