IMLebanon

هجمات على نصف مليون «عنوان» إلكتروني لبناني

اختراق أمن المعلومات مستمر.. بقرار رسمي!

هجمات على نصف مليون «عنوان» إلكتروني لبناني

ايلي الفرزلي

لأن الدولة ليست دولة، ولأن الاهتراء يأكلها يوماً بعد يوم، بما يصعّب حتى عملية إعادة ترميمها، كانت أفضل طريقة للتعامل مع العدوان الإسرائيلي على قطاع الاتصالات في العام 2013، اعتباره أنه لم يكن. وكما في 2013، كذلك في 2016، العدوان الإسرائيلي مستمر، كما التجاهل الرسمي.

عندما تبين منذ ثلاثة أعوام أن إسرائيل تتجسس على لبنان عبر زرعها معدات تجسس على طول الحدود، تطال كل الترددات والموجات التي تمر في الهواء اللبناني، سواء المتعلقة بالهاتف الخلوي أو الثابت أو الانترنت، قامت الدنيا ولم تقعد. عُيّنت لجنة فنية وأوكلت إليها مهمة «متابعة أخطار الأبراج الإسرائيلية»، وقدمت تقارير عدة، تتعلق بكيفية حماية البلد من التجسس المباشر.

استنفر المجلس النيابي آنذاك. سلسلة جلسات للجنة الاتصالات، أعقبتها جلسة مشتركة للجنتي الاتصالات والشؤون الخارجية في 28 تشرين الثاني 2013، بحضور 27 سفيراً يمثلون دول مجلس الأمن والدول الأعضاء في «اليونيفيل» والاتحاد الأوروبي.

كان الهدف، من تلك الجلسة، بعد عرض الخروق الإسرائيلية التي لم تستثن قوات الطوارئ الدولية والسفارات الأجنبية، «الحصول على مساعدة الدول سواء في المحافل الدولية او بأي طريقة أخرى للحد من هذا العدوان التجسسي على لبنان».

بعد ثلاث سنوات، وإذا كان مفهوماً أن تقدم بعض الدول مصلحة إسرائيل على مصلحة لبنان، يبقى السؤال لماذا لم تتحرك الحكومة اللبنانية، ولماذا لم تنفذ أياً من توصيات لجنة «متابعة أخطار الأبراج الإسرائيلية»؟

كان المطلوب، بحسب اللجنة الفنية، تجهيز 4 مراكز ثابتة تتضمن معدات لـ «إدارة ومراقبة الطيف الترددي»، بكلفة لم تتجاوز 10 ملايين دولار، بالإضافة إلى شراء أنظمة تحليل محتوى المعلومات، بنحو 250 ألف دولار، وعدد من السيارات المتحركة التي تحتوي على أجهزة كشف الترددات (20 مليون دولار بالحد الأقصى).

كل ذلك لم يحصل، برغم أن الكلفة لا تتعدى خسائر أربعة أشهر من قيمة الخسائر التي تمنى بها الدولة جراء وجود شبكة الانترنت غير الشرعية.

لماذا أمن المعلومات ليس أولوية رسمية لبنانية؟

لا أحد يجيب على هذا السؤال. فقط إعلانات وزارية متكررة عن إنجازات تتمثل باكتشاف خروق إسرائيلية، إما مباشرة أو من خلال امتطاء مصالح تجارية لشركات لبنانية، يسهل إغراؤها بالخدمات العابرة للحدود. وهو ما حصل مع «شبكة الباروك»، وما حصل مع الشبكات التي اكتشفت مؤخراً، وتبين أن بعض معداتها من صنع إسرائيلي، كما تتعاقد مع شركات في قبرص، مرتبطة مباشرة بإسرائيل.

لا أحد يؤمن أن إيقاف الخروق بالكامل هو أمر ممكن، فحماية الأمن السيبراني، على سبيل المثال، أمر تُخصِّص له دولٌ كبرى أموالاً طائلة من دون أن تتمكن من القضاء عليه نهائياً (اختراق أدوارد سنودن وجوليان أسانج للمواقع الرسمية الأميركية والعالمية، على سبيل المثال لا الحصر).

وإذا كان البث الفضائي هو الآخر يصعب ضبطه تماماً، وكذلك محطات التجسس الكبرى الموجودة في إسرائيل وقبرص، فإن حماية شبكات الاتصالات والإنترنت من الاختراق البشري أو التقني «أمر لا يحتاج سوى إلى الإرادة»، بحسب مسؤول تعامل عن قرب مع ملف التنصت الإسرائيلي.

ما سبق لا يبتغي أبداً التشكيك بأهمية اكتشاف شبكات الإنترنت غير الشرعية مؤخراً، لكن الإصرار على الابتعاد عن سبل الوقاية يطرح أكثر من علامة استفهام بحاجة لأن تجيب عليها الحكومة مباشرة.

ويؤكد أكثر من خبير تقني أنه برغم أن الوقاية التامة من الخروق أمر شبه مستحيل، إلا أن أحداً لا ينكر أن بعضاً من الوقاية، يثبت على الأقل أن في لبنان دولة تحمي مصالحها ومصالح أبنائها.. أو هي تحاول ذلك، وهو ما يؤدي إلى أن يحسب كل من يريد أن يعتدي على الاتصالات أمنياً أو تجارياً.. ألف حساب.

الحماية لا تقتصر على المعدات المتخصصة. هو نظام متكامل، يفترض أن يبدأ، كما يؤكد مسؤول في «أوجيرو»، بفرض قيود صارمة على إدخال أي معدات اتصالات غير مرفقة بموافقة الجهات الرسمية المعنية، من أي من المعابر اللبنانية. وقبل ذلك، يقر مصدر في وزارة الاتصالات أن الأولوية تبقى لمحاكمة كل مرتكب مهما علا شأنه، وأي أمر أقل من ذلك، كما حصل في «شبكة الباروك»، هو تشجيع على المزيد من تخطي القانون، الذي يسهل على إسرائيل الاستفادة منه، من خلال شركاتها المنتشرة في الدول المجاورة.

ولعل المفاجأة تكمن في أن المرتكبين لم يرتدعوا كما كان متوقعاً، إنما انتقلوا إلى مرحلة الدفاع عن ارتكاباتهم إعلامياً، ومهاجمة مصالح مشتركي الإنترنت عملياً؛ إذ تواجه وزارة الاتصالات و «أوجيرو» منذ بدء تفكيك الشبكات غير الشرعية في 26 شباط الماضي، هجمات سيبرانية يومية متواصلة تطال السعات الدولية والمواقع اللبنانية، بلغت ذروتها يوم الجمعة الماضي، مع محاولة المهاجمين الدخول إلى نصف مليون عنوان بروتوكول إلكتروني (IP) بشكل متزامن وعلى مدى 10 ساعات، ما أدى إلى استنفار «أوجيرو» لمواجهة هذه الهجمات، حيث لجأت إلى تغيير بروتوكولات الإنترنت بشكل مستمر، وبشكل متناسق مع تغير وجهة الهجمات، ما أدى عملياً إلى تعطل 60 جيغابيت في الثانية.

في «جلسة السفراء» قبل ثلاث سنوات، خرج رئيس لجنة الاتصالات حسن فضل الله للقول إنه «بالقرار والإرادة نستطيع أن نحمي سيادتنا».

لا يبدو أن هذين الشرطين قد تحققا، وهو ما يعني تلقائياً أن السيادة لا تزال مجتزأة بقرار رسمي. لذلك، فإن المطلوب من لجنة الاتصالات، التي تعقد اجتماعاً، اليوم، أن تستكمل ما بدأته بتحميل المسؤولية المباشرة للسلطة التنفيذية، علماً أن رئيس الحكومة وعد بأن تناقش جلسة مجلس الوزراء الأسبوع المقبل قضية «أوجيرو»، كما أعلن الوزير وائل أبو فاعور، وعلى أهمية هذه القضية، إلا أن مناقشتها من دون تحديد كيفية حماية أمن المعلومات، لن تكون سوى سقوط آخر لـ «حكومة النفايات».