IMLebanon

 تقاطُع دولي داعم للإستقرار

في وقتٍ سيطرَ الجمود على الملفات الداخلية، قفزت إلى الواجهة المواقف الدولية المتصلة بالشأن اللبناني. وفيما زار وليّ العهد السعودي وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف باريس حاصداً مزيداً من الدعم الفرنسي لعمليات بلاده في اليمن، واستمرار الرياض في خطواتها التصاعدية ضدّ «حزب الله» ونيّتها إبلاغ مجلس الأمن بقرارها القاضي بتصنيفه إرهابياً، بَرز رهانٌ لبنانيّ على دور فرنسي يُقنِع الرياض بالعودة عن قرارها تجميد الهبة، فيما نفَت واشنطن على لسان وزير الدفاع آشتون كارتر «أن تكون السعودية قد سلّمت لبنان إلى «حزب الله»، وأنّ وقف الهبات مرتبط بالقلق على أمنها بسبب تصاعد دور إيران في المنطقة». وقد أكّد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في رسالة وجّهها إلى وزارة الخارجية اللبنانية، أنّ «إعادة السلام في سوريا ستساهم في العودة الطوعية للنازحين».

ينطلق الأسبوع المقبل على وقع استمرار الملفات الخلافية الداخلية والخارجية التي تُغرق السياسة اللبنانية الهشّة، ويبدو أنّ القوى السياسية عاجزة عن إيجاد حلول بلا إيحاءات خارجية. فالنزاع السعودي – الإيراني يشتدّ، فيما يغيب الوسيط الدولي القادر على جمعِ هاتين القوّتين الإقليميتين، خصوصاً أنّ واشنطن مشغولة بانتخاباتها الرئاسية، وباتت موسكو جزءاً أساسياً من الحرب السورية.

وفي غضون هذه المعطيات الإقليمية، يعود الخلاف اللبناني القديم – الجديد على السياسة الخارجية ودور لبنان في المنطقة، حيث يَظهر جليّاً أنّ المشكلة أكبر من الأشخاص، بعد المواقف من تصنيف «حزب الله» إرهابياً.

ويصل الخلاف إلى عمق الإشكالية اللبنانية وأزمة الهوية منذ نشوء دولة لبنان الكبير عام 1920 وصولاً إلى الحرب الأهلية ونهايتها بتوقيع اتّفاق «الطائف» عام 1989 وما نعيشه اليوم من تقلّبات ومحاولة كلّ فريق لبناني الانتصارَ في لعبة شدّ الحبال الداخلية والإقليمية مستنداً إلى تحالفاته الخارجية.

وأمام كلّ هذا الواقع المأزوم خارجياً والمجبول بالنفايات الداخلية، تتّكل الطبقة السياسية على حلّ خارجي وكأنّها «تنتظر آتٍ لن يأتي في القريب العاجل»، لأنّه وحسب معرفة السياسيين الذين يقصدون الخارج ويجتمعون مع المسؤولين الأجانب، فإنّ «الدوَل الكبرى لا تفكّر في مشاكلنا، بل تدعو اللبنانيين إلى حلّها».

قمّة إندونيسيا

وفي ملفّ متّصل بالأزمة الديبلوماسية اللبنانية وطريقةِ التعاطي على المنابر العربية والإقليمية، بَرز تكليف رئيس الحكومة تمّام سلام، وزيرَ البيئة محمّد المشنوق لتمثيله في القمّة الإسلامية الاستثنائية الخامسة في شأن فلسطين يومَي الأحد والإثنين المقبلين في العاصمة الإندونيسية جاكارتا.

وطرَح هذا التكليف تساؤلاتٍ عدّة في الأوساط السياسيّة، خصوصاً أنّه سيَحضر هذا المؤتمر مسؤولون كبار في دوَل إسلاميّة، فيما كان منتظراً تكليفُ وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل تمثيلَ لبنان في هذا المؤتمر.

وسألت بعض الأوساط «عمّا إذا كان سلام تجنَّبَ تكليفَ باسيل خوفاً من تكرار ما حصَل في اجتماع وزراء الخارجية العرب، والمؤتمر الإسلامي، وأنّ اختيار المشنوق أتى نتيجة قربِه من سلام وتناغُمِه مع مواقفه».

وفي هذا الإطار، أوضَحت مصادر السراي لـ«الجمهورية» أنّ «الدعوة وُجّهت إلى سلام من الدولة الإندونيسية ومنظّمي القمّة، وفي هذه الحالة يستطيع سلام أن يكلّف من يشاء من الوزراء في حال كانت الدعوة موجّهة إليه، وليس حصراً وزير الخارجية، وهذه الأمور تحصل باستمرار وفي مؤتمرات عدّة». ونفَت أن «يكون استبعاد باسيل قد حصل بسبب الموقف السياسي أو الخلاف الذي وقعَ بعد مواقفه الأخيرة في اجتماع وزراء الخارجية العرب والمؤتمر الإسلامي».

رسالة بان كي مون

وفيما يستمرّ لبنان بتحمّلِ تردّدات الأزمة السوريّة، وخصوصاً في ملفّ النازحين، واستبعاد وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس وقفَ المساعدات الخليجية للبنان من أجل مواجهة هذه الأزمة الوجودية، بَرزت أمس رسالة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى وزارة الخارجية اللبنانية، والتي أكّد فيها أنّ «إعادة إرساء السلام في سوريا ستُتيح للأمم المتحدة أن تساهم في خلقِ الظروف التي تَسمح بأن تتمّ العودة الطوعية للنازحين بأمانٍ وكرامة. وفي تلك الحالة، فإنّ العودة تمثّل بالنسبة إلى معظم اللاجئين الحلَّ الأمثل»، مشيراً إلى أنّ «وضعَ النازحين يستلزم حمايةً دولية».

جونز

وفي هذه الأثناء، برَز حِرص أميركي وبريطاني على أمن لبنان واستقراره، وتأكيدُهما الاستمرارَ في دعم الجيش اللبناني في أداء مهمّاته الأمنية. وأمس، زار القائم بأعمال السفارة الأميركية السفير ريتشارد جونز، كلّاً من رئيس مجلس النواب نبيه برّي ورئيس الحكومة تمّام سلام، والرئيس سعد الحريري، وعرضَ معهم للتطوّرات الراهنة.

وفي السياق، قالت مصادر واسعة الاطّلاع لـ»الجمهورية» إنّ جونز جالَ على القيادات السياسية والحزبية في إطار تقويم جلسة 2 آذار الانتخابية، مستقصياً الظروفَ التي رافقَتها وتلك المتوقّعة بعدها، خصوصاً بعدما سجّلت مشاركة أكبرِ عددٍ من النواب، وهو ما عدّته بلادُه مؤشّراً إيجابياً.

وأوضَحت المصادر أنّ جونز يسعى إلى تشجيع اللبنانيين على ولوج الاستحقاق في أفضل الظروف، وإنضاج طبخة داخلية تُترجم التوافقَ الداخلي على وصول رئيس للجمهورية لإعادة تنظيم العلاقات بين المؤسسات الدستورية.

وعبَّر جونز في جولته عن ارتياحه للوضع القائم على الحدود الجنوبية، وتقديره لدور الأمم المتحدة عقبَ الجولة الميدانية التي قام بها برفقة قائد «اليونيفيل» على الخط الأزرق، مرحّباً بحجم التنسيق القائم بين الجيش و«اليونيفيل»، مطمئنّاً من قيادة القوات الدولية إلى حجم الاستقرار الذي تعيشه المنطقة في ظلّ التزام مختلف الأطراف قواعد الاشتباك ومقتضيات القرار 1701 والقرارات ذات الصلة بالوضع في الجنوب.

كارتر

لكنّ اللافتَ تَمثّلَ في صدور موقف أميركي مهمّ، هو الأوّل من نوعه، بعد وقفِ الهبات السعودية، إذ رفضَ وزير الدفاع آشتون كارتر خلال جلسة نقاش نظّمتها شركة «مايكروسوفت»، «فرضيّة أن تكون السعودية قد سلّمت لبنان إلى «حزب الله» بسبب قرارها حَجبَ المساعدات عن الجيش وأجهزة الأمن».

وأشار إلى أنّ «قرار السعودية وقفَ مساعداتها لبيروت مرتبط بقلق المملكة على أمنها بسبب تصاعد دور إيران والمليشيات الموالية لها في المنطقة. وللسعودية باعٌ طويل في الاهتمام بأمن لبنان، وهي مستمرّة في ذلك».

واعتبَر كارتر أنّ «واشنطن تحتاج إلى أصدقائها لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية»، وهو أمرٌ يُهيمن على السياسة الخارجية للسعودية، إضافةً إلى قلقها على أمنها من إيران والمليشيات المتحالفة معها».

الحريري وجنبلاط

وارتباطاً بالوضع الإقليمي، لا يزال ملفّ رئاسة الجمهورية معلّقاً، وسط الدعوات المتكرّرة من قوى «14 آذار» والمراجع الروحيّة، للنواب، للنزول إلى الجلسة وانتخاب رئيس للجمهورية. وفي هذه الأجواء، جالَ الرئيس سعد الحريري في البقاع الأوسط، معلِناً تمسّكه بإجراء الانتخابات البلدية، مؤكداً أنّ «انتخابات الرئاسة هي المفتاح لخلاص لبنان من كلّ الأزمات».

وليلاً التقى الحريري رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط، في حضور وزير الصحة العامة وائل ابو فاعور والسيّد نادر الحريري ومستشاره الدكتور غطاس خوري.

وفي الوقت الذي استبقى الحريري زوّاره إلى مائدة العشاء، قالت مصادر مطّلعة لـ»الجمهورية» إنّ اللقاء تمّت بَرمجته قبل أيّام قليلة، وتحديداً بعد عودة أبو فاعور من زيارته إلى السعودية ولقائه، موفداً من جنبلاط، عدداً من القيادات، وأبرزُها رئيس المخابرات السعودية خالد الحميدان وناقشَ معه تطوّرات العلاقات بين لبنان والمملكة والظروفَ التي أملت على الرياض اتّخاذ الإجراءات التي باشَرتها على أكثر من مستوى سعودي وخليجي، والتوجّه الى حشد المواقف الإقليمية من قراراتها في شأن لبنان بعد تجميد الهبة السعودية للجيش اللبناني من الأسلحة الفرنسية.

وقالت المصادر إنّ ابو فاعور عرضَ لنتائج زيارته، معبّراً عن تخوّفه من نتائج القرار السعودي وانعكاساته السلبية على الوضع في لبنان.

وأجرى المجتمعون جردةً شاملة للتطورات التي تمرّ بها البلاد وصولاً إلى ملف النفايات، بعدما عبّر الحريري عن النية في مساعدة الحكومة في توفير التوافق على المطامر، وخصوصاً أنّ جنبلاط ما زال يَرفض التوسّع في الخطة نحو إقليم الخروب والشوف. كما تناول البحث المساعي الجارية لتوفير الظروف التي يمكن أن تؤدي إلى جلسة كاملة النصاب لانتخاب رئيس الجمهورية.

مكاري

وفي إطار استكمال كلّ مرشّح محاولاتِه حشدَ أكبر قدرٍ مِن تأييد القوى السياسية على رغم معرفته بأنّ إجراء الانتخابات الرئاسية يحتاج إلى قرار إقليمي كبير، زار رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية رئيسَ الحزب «الديموقراطي اللبناني» النائب طلال إرسلان في دارته في خلدة، وبَحث معه في الأوضاع العامة والملفّ الرئاسي.

من جهته، استبعدَ نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري حدوثَ أيّ تطوّر في ملفّ الرئاسة. وقال لـ«الجمهورية»: «الخَرقُ غير وارد الآن، وما يُمكننا فعله هو حلّ أزمة النفايات التي نتمنّى أن تنتهي سريعاً، فيما الاتصالات السياسية والترشيحات لم توصِل إلى أيّ نتيجة حتى الساعة».

وأكّد مكاري وجوبَ «أن تستمرّ الحكومة في عملها وتحلَّ أزمة النفايات، لأنّ رحيلها لن يؤدّي إلى حلّ الأزمة السياسية»، لافتاً إلى أنّ «العلاقة بين تيار «المستقبل» وحزب «القوات اللبنانية» كما يقول الطرَفان جيّدة، وفي ملفّ الترشيحات الرئاسية فقد تركَ كلّ طرفٍ لحليفه حرّية الاختيار والتصويت تحت سقف اللعبة الديموقراطية». وشدّد على أنّ «الخلاف مع الدكتور سمير جعجع هو على تقويم بعض الأمور، ليس أكثر».

لحّام

وتزامناً مع الحركة السياسية التي لم تصل إلى نتيجة، يستمرّ ضغط الفاتيكان والكنائس الشرقية من أجل انتخاب رئيس الجمهورية، وإنقاذ الموقع المسيحي الأوّل في الشرق من الفراغ. وفي هذا السياق، سألَ بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والإسكندرية وأورشليم للروم الملكيين الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحّام: «هل عدم انتخاب رئيس للجمهورية قرار وطني؟ وهل إنّ الفراغ الرئاسي واقعٌ مستمرّ».

وقال لحّام لـ«الجمهورية»: «يَبدو أنّ اللبنانيّين لم يتّفقوا، وقد طبّقوا العروبة السلبية، لأنّ المثَل الذي يُضرَب في العرب أنّهم «يتّفقون على أن لا يتّفقوا»، داعياً البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي إلى «جمعِ القيادات المارونية مجدّداً في بكركي وعدمِ السماح لهم بالخروج قبل الاتّفاق على الرئيس المقبل، وكلّ كنائس الشرق معه في هذه الخطوة».

ورأى أنّ «الصراع السنّي- الشيعي في لبنان والمنطقة يؤثّر على الرئاسة، لكنّ هناك عملاً يجب أن نفعله داخل البيت المسيحي، فالمصالحة التي تمَّت بين العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع ممتازة، لكن علينا أن نستكملها لتشملَ كلّ العائلة المسيحية».

وأكّد لحّام أنّ «الدوَل العربية والعالم الإسلامي متشوّقان لعودة الرئيس المسيحي إلى لبنان، لأنه دليلُ تنوّع، خصوصاً أنّ المسيحيين يشكّلون قيمةً مضافة، وكانوا روّاد النهضة والتطوّر، لذلك على مسيحيّي لبنان مساعدة أنفسِهم قبل طلبِ المساعدة من الفاتيكان والدول العربية والغربية، لأنّ إبنَ البلد هو الأحرَص على وطنه».