IMLebanon

إرباك إسرائيلي على أبواب «المترو»

 

 

مع اقتراب عملية 7 تشرين الأول من أسبوعها الثالث، يبدو المسار أكثر وضوحاً في غزة: الحرب مستمرة، لكن احتمال قيام إسرائيل باجتياح يحول غزة إلى هيروشيما لم يعد واقعياً. وعلى الأرجح، لن ينفجر أي من الجبهات المعنية بغزة، من جنوب لبنان إلى العراق واليمن.

حقّقت إدارة الرئيس جو بايدن هدفها الحقيقي في غزة، أي خدمة إسرائيل من دون إحراق الأصابع وإدخال الشرق الأوسط في مغامرة قد تخدم الروس خصوصاً، لأنّها تُبعد واشنطن وحلفاءها الغربيين عن مسرح العمليات الأكثر حساسية في أوكرانيا، وتغرقهم في وحول العنف الشرق أوسطي.

الأميركيون موجودون اليوم ميدانياً في قيادة المعارك في إسرائيل، من خلال نخبة على رأسها الجنرال جيمس غلين، الرئيس السابق لوحدة العمليات الخاصة داخل قوات «المارينز»، التي تولّت مواجهة «داعش» في العراق.

 

وفي الواقع، يقدّم العسكريون الأميركيون نصيحة إلى نظرائهم في إسرائيل، للاتعاظ مما تعرّضوا له في العراق، ولتجنّب الأخطاء المرتكبة هناك. وفي عبارة أكثر وضوحاً، كما أورد موقع «أكسيوس» الأميركي، هم يريدون من الجيش الإسرائيلي أن يدخل إلى غزة وفق نموذج «الموصل 2016»، حيث جرى الدخول خلال ساعات قليلة، ومن دون خسائر تُذكر، لا وفق نموذج «الفلوجة 2004»، حيث كانت الأكلاف باهظة جداً.

 

يريد الأميركيون أيضاً إتاحة المجال للإفراج عن الرهائن حاملي الجنسيات الأميركية والأوروبية، ولإخراج أكثر من 500 فلسطيني – أميركي هم اليوم عالقون في القطاع، ويتحمّل بايدن مسؤولية الحفاظ على أرواحهم.

 

لكن المهمّ هو أنّ الإدارة الأميركية، ومن موقع الحليف الأوثق لإسرائيل، وفيما أغدقت عليها أضخم الأسلحة التي تسمح بتطمينها، تمنعها حتى إشعار آخر من الانطلاق بالمغامرة التي كانت على وشك تنفيذها بعد عملية 7 تشرين الأول، أي الانقضاض الأعمى على غزة وتدميرها على ما فيها ومَن فيها، وأياً يكن حجم الكارثة والعواقب.

 

 

يبدي الأميركيون قلقاً شديداً في 3 مسائل ستفرزها عملية التدمير، كما كان يتصورها العقل العسكري واليميني المتطرّف في إسرائيل:

 

1- القلق الشديد من حجم الضحايا المدنيين الذي لا يمكن تصوره من الفلسطينيين في غزة وخارجها، ومن الإسرائيليين في غلاف غزة وخارجها، ومن الأميركيين والغربيين عموماً، لأنّ تداعيات العملية البرية ستشمل مناطق أخرى من إسرائيل، خارج غزة، كما سيعمّ العنف سائر أنحاء العالم الغربي.

 

2- الخسائر الهائلة التي يُقدَّر أنّها ستقع في صفوف العسكريين الإسرائيليين الذين سيتولون تنفيذ عملية الاجتياح. فالأنفاق التي جهّزتها «حماس» بإتقان ستكون العنصر الأساسي في المعركة. وفي اللغة العسكرية، تُطلَق على هذه المعركة تسمية «حرب الميترو» لأنّ جزءاً كبيراً من مجرياتها يدور في الدهاليز، على عمق أمتار عدة تحت الأرض. وقد أظهرت «حماس»، من خلال الشريط الذي أذاعه الناطق باسم كتائب القسام «أبو عبيدة» أخيراً، نماذج من ردّها المحتمل، إذ يخرج مقاتلوها من مخابئهم المموهة ليفاجئوا العدو من حيث لا يتوقع. وسيضطر الإسرائيليون إلى استخدام صواريخ ذات قدرات زلزالية بالغة الخطورة لمواجهة الأنفاق، وتكاليف استخدامها كارثية بكل المقاييس.

 

 

3- ستكون للاجتياح البري أضرار سياسية هائلة في كل اتجاه. وسيخسر الأميركيون غالبية حلفائهم العرب والمسلمين، لأنّ أحداً منهم لن يتحمّل هذا الحجم الهائل من الخسائر بين المدنيين الفلسطينيين. وستتراجع مسارات التطبيع العربي مع إسرائيل، بعدما اجتازت أشواطاً بعيدة.

 

والصورة التي تتبلور في غزة، يوماً بعد يوم، عنوانها «الاستنزاف» وتنفيذ الخطوات الصغيرة. وقد بدأ الإعلام الأميركي يتحدث عن 3 أشهر من الحرب في غزة، عوضاً عن ضربة عسكرية صاعقة تقضي على «حماس» وتؤدي إلى ترحيل قسم كبير من الغزيين إلى سيناء عبر بوابة رفح، ضمن فترة زمنية لا تتجاوز الشهر الواحد، كما كان التهديد الإسرائيلي في صيغته الأولى.

 

أبلغ الأميركيون إسرائيل أنّ فتح باب جهنم في غزة سيدفع الشرق الأوسط بأسره، ودول الغرب عموماً، إلى نار جهنم. ومشاهد شلالات الدم التي تستثير الرأي العام العالمي ستؤدي إلى توقف العملية العسكرية قبل أن تحقق أهدافها. وهذه ستكون انتكاسة لإسرائيل كما للولايات المتحدة.

 

والمَخرج، بالنسبة إلى واشنطن، هو استمرار الجيش الإسرائيلي في ممارسة الضغط ضمن حدود معقولة في غزة، ما يؤدي إلى إنهاك «حماس». وتحت هذه الوطأة، يتمّ التفاوض على تسوية سياسية تراعي مصالح الجميع.

 

 

لقد رضخ بنيامين نتنياهو للطلب الأميركي. ولكن، من الواضح أنّ العسكر في إسرائيل ليسوا مرتاحين إلى ما يجري، لأنّ الطرح الأميركي، في نظرهم، سيحرم إسرائيل من تصحيح المعادلة التي انكسرت في 7 تشرين الأول لمصلحة «حماس»، ومعها انكسرت هيبة «الجيش الذي لا يُقهر». وهذا الأمر، في اعتقادهم، يستتبع نتائج شديدة الخطورة في مراحل مقبلة من الصراع.

 

ولذلك، يضغط الجيش للمضي في خطته الأساسية الرامية إلى اقتحام غزة واقتلاع «حماس»، أياً كان الثمن. وفي رأي كبار الضباط أنّ الفرصة المتاحة اليوم لتحقيق هذا الهدف لا يجوز تفويتها.

 

وسط هذه المعمعة، الأرجح أنّ الجيش الإسرائيلي سينطلق في تنفيذ الضربات والاقتحامات وعمليات التوغل التي بدأها قبل يومين، لكن الاجتياح الأعمى للقطاع، بهدف تحويله ركاماً على رؤوس سكانه، لم يعد أمراً وارداً في أي شكل، لأنّ أحداً في العالم لن يسمح به.

 

واستطراداً، لا حروب إسرائيلية مجنونة على أي جبهة أخرى، وتحديداً مع لبنان، مهما تصاعدت التهديدات، بل ضربات مدروسة الحجم والسقف، حفاظاً على التوازن وماء الوجه.