IMLebanon

جسر جوّي بين بعبدا ومعراب

تعاملت «القوات اللبنانية» مع انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية أمس كشريكة فعليّة للعهد الجديد ومنتصرة بكلّ ما للكلمة من معنى. وواكبت الاستحقاق بكلّ تفاصيله، هي التي لعبت دوراً مفصلياً في تسهيل فوز عون، لذلك كانت القيادة الحزبية وبقرار من رئيسها سمير جعجع حريصة على وضع خريطة طريق تسير بها إلى جانب الرئيس العتيد في كلّ الاستحقاقات المقبلة.

تابع الشارع المسيحي بإهتمام حماسة «القوات» لإنتخاب عون رئيساً، وهي وضعت كلّ إمكاناتها وطاقاتها وعلاقاتها في خدمة العهد الجديد بعدما بذلت تضحيات عديدة تكريساً للوحدة المسيحيّة.

ولا شك في أنّ عون يُدرك ما فعلته «القوات» لفوز مشروعه، والمستقبل القريب سيكشف صوابية أو خطأ رؤية «القوات» الاستراتيجيّة ورهانها على عون.

ملامح الدعم القواتي ظهرت بثلاث إشارات مهمة بعضها ميداني وبعضها الآخر سياسي.

الإشارة الأولى ظهرت من خلال «يافطات» قواتية انتشرت على مساحة الوطن مرحِّبة بانتخاب الرئيس: «معاً نحو لبنان القويّ» و»كلّنا للجمهورية القوية» و«قوّتنا بوحدتنا» و«سوا منعمّر لبنان» و«إتحادنا كلنا غيّر الصورة».

هذه الحملة الترويجيّة أراحت أكثر الشارع المسيحي الذي يبرهن يوماً بعد يوم أنه لن يعود إلى الوراء بتاتاً، وخصوصاً أنّ «القوات» تعتبر عون رئيس جمهورية محسوباً عليها ويعبّر عن تطلّعاتها انطلاقاً من موافقته على البنود العشرة لـ»تفاهم معراب».

وقد خاضت «القوات» و»التيار» معارك سياسية وانتخابية عدة حفاظاً فيها على وحدتهما، وهذا مرشّح للإستمرار من خلال وقوف «القوات» إلى جانب الرئيس المنتخب طالما أنه يلتزم ببناء الدولة اللبنانية وتنفيذ اتفاق الطائف.

الإشارة الثانية تمثّلت في متابعة جماعيّة لجعجع وقياديّي ومسؤولي الحزب لجلسة الانتخاب مباشرة من معراب وقد نقلت وسائل الإعلام كافة هذا المشهد تزامناً مع انعقاد الجلسة الانتخابية وتناغماً مع احتفالات «التيار» بل إنّ قياديين ومسؤولين من «التيار» كانوا في معراب خلال حصول العملية الانتخابيّة، وهذا ما يؤكّد مشاركة «القوات» لـ«التيار» هَمّ فوز عون وكان حبسُ الأنفاس مسيطراً على جعجع والمسؤولين القواتيين متمنّين فوز «الجنرال» من الدورة الأولى.

مع ذلك، تحقق الفوز من الدورة الثانية بعدد أصوات مقبول وهذا يعني الكثير لـ»القوات» وله مبرّران: الأوّل أنه يرمز إلى انتصار تحالف الثنائي المسيحي وليس عون وحده فقط، وهذا ما ينسجم مع ما أعلنه جعجع مراراً وتكراراً بـ«أنّ هناك تفاهماً عريضاً مع «التيار الوطني الحر» على شراكة كاملة في السراء والضراء».

والثاني يكشف حجم المعارضة غير الجدّية لعون ويمنح عهده وشريكه جعجع زخماً لإنطلاقة قويّة في إعادة الحياة إلى المؤسسات والاستحقاقات الدستورية، التي تبدأ بتشكيل الحكومة ولا تنتهي بوضع قانون جديد للإنتخابات النيابية.

الإشارة الثالثة، تبدأ منذ اليوم، وتقضي بإنشاء جسر جويّ بين بعبدا ومعراب، لأنّ الرئيس المنتخب سيواجه تحدّيات عديدة: أولاً، السعي إلى تأمين كلّ ما يسهّل لرئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري إلى تشكيل حكومة العهد بسرعة، وسيحتاج عون إلى جهود «القوات» ورئيسها.

ثانياً، ليس خافياً على أحد أنّ الثنائي الشيعي حركة «أمل» و«حزب الله» من المتوقع أن لا يكون ارضاؤهما سهلاً في الاستحقاقات الدستورية التي يُطلب من عون السهر على تنفيذها وهو يحتاج إلى حزبَي «القوات» و«المستقبل» ليكونا صلبين في مواقفهما وقراراتهما ليشكلا عامل توازن، فيدعما الرئيس بمساعيه إلى تحقيق إنجازات للعهد طالما هي تستوفي الشروط الدستورية الميثاقيّة.

ثالثاً، ستشكّل «القوات» الداعم الأكبر لعون في معاركه لتحصيل الحقوق المسيحيّة وتحصينها، وهي ستكون شريكة أصليّة لحزب «الرئيس» أي «التيار الوطني الحر» في كلّ الاستحقاقات الدستورية. لذلك لن يكون مستغرَباً إنشاء مثل هذا الجسر الجوّي بين قصر بعبدا ومعراب للتنسيق والتشاور والبقاء على تواصل دائم لاتخاذ القرارات المصيريّة في دولة تحتاج إلى كثير من الجهد لتقف على قدميها.

رابعاً، أبرز المعارك الآتية التي من المتوقع أن تتطلّب تنسيقاً كبيراً بين «القوات» والرئيس المنتخب ستكون معركة قانون الانتخابات النيابية وخصوصاً أنّ «القوات» و»التيار» غير موافقين على قانون الستين، وسيكافحان حتى النهاية للتوصّل إلى قانون انتخابي جديد وعصري من أجل إنتاج سلطة لبنانية صحيحة التمثيل.

تعتبر «القوات اللبنانية» التطوّرات التي يشهدها لبنان في الأسابيع الأخيرة تاريخيّة بإمتياز، ولا سيما بعد أدائها دوراً أساسياً في إنهاء الشغور الرئاسي، مكرِّسة نفسها ممراً إلزامياً في الاستحقاقات الكبرى، وشريكة للعهد، هدفها الآن إبقاء الرئيس قويّاً لأنّ في ذلك مصلحة مسيحيّة ولبنانية فوق كلّ اعتبار.