IMLebanon

عون و«حرب الإلغاء» مجدداً

لم ينجح رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون هذه المرّة في شنّ «حرب إلغاء» جديدة على مناوئيه المسيحيين، فالظروفُ التي مرّت منذ العام 1988، إلى التحالف الرباعي إلى «القانون الأرثوذكسي» تبدّلت كثيراً.

ولعلّ الخطأ التكتيكي الذي وقع فيه عون هذه المرّة، يتمثّل في إطلاق الحملة على «القوات اللبنانية» بالطريقة نفسِها التي مارسها في القانون الأرثوذكسي، وهي حملة التكفير المعَدّة سلفاً، التي تنطلق فور الانتهاء من الحدث، بحيث تبدو أوركسترا منظّمة، لكلّ عازف فيها دورٌ يؤدّيه.

لم يكن الإخفاق بسبب النشاز الذي ارتكبَه أحد العازفين، بل بسبب استعادة الماضي المبتور في العام 1988 وإسقاطه على جعجع، هذا في حين كان حلفاء عون انفسهم، يشاركون في التمديد، ولا سيّما منهم المسيحيون الذين حيّدهم عون، لعدم وجود مصلحة في فتح جبهات داخلية داخل تحالف 8 آذار، لكنّ هذا التحييد لم يحجب المعنى السياسي لتوقيت هؤلاء المؤيدين للتمديد بضوء أخضر من حزب الله، وفي مقدّمهم النائب سليمان فرنجية، الذي أعلنَ موقفه المؤيّد للتمديد منذ فترة طويلة، وهوالعارف أنّ رئيس مجلس النواب نبيه برّي وحزب الله يؤيّدان التمديد بعد أن أيّده «المستقبل».

لقد بدا بعد استعادة بروفة العام 1988، أنّ عون ما زال يستعمل الأسلوب نفسه في مواجهة جعجع. يذهب إلى حافة الهاوية مدّعياً امتلاكَ الحقّ الحصري في التمثيل المسيحي، ثمّ يوهم الجميع بأنّه في وارد القفز في الهاوية، لكنّه قبل ذلك يدفع بجعجع الى القفز قبله، واضعاً إيّاه في مختبر امتحان الثقة لدى المسيحيين. هذا مع الإشارة الى أنّ الجنرال كان يجد دائماً منفذاً شخصياً، للالتفاف قبل الوصول الى الحائط، تاركاً خلفَه كثيراً من الخسائر.

كان من الواضح أنّ جعجع استعدّ هذه المرّة لعون بطريقة مختلفة. في المرّة السابقة (الارثوذكسي)، ترجم جعجع بحُسن نية زيارة الوزير جبران باسيل لمعراب، حيث قال لهما كلاماً واضحاً، ما لبثا أن استعملاه محرَّفاً حين دقّت ساعة المعركة، فاستفاق جعجع على حملة إعلامية وسياسية نفّذها عون ضده بدعوى إحباطه القانونَ الأرثوذكسي، وكانت تلك الزيارة-الفخّ جزءاً من عدّة الحملة.

أمّا اليوم وعلى الرغم من أنّ جعجع تأخّر في شرح ما قام به للرأي العام في خصوص التمديد للمجلس النيابي، فإنّه استطاع أن يخوض معركة دفاعية هي أقرب الى الهجوم منها الى الدفاع، مستفيداً من أخطاء قاتلة ارتكبَها عون الذي بدأ يركّز هجومه على «القوات» من دون سائر الحلفاء والخصوم، وتحميلها وحدها مسؤولية التمديد، كمن يستخفّ بهذا الرأي العام، خصوصاً أنّ وزراء التيار داخل الحكومة، لم يقوموا بما عليهم لفرضِ إجراء الانتخابات، بما يشبه ترك التمديد الى الجلس النيابي، ونصب فخّ شعبوي لـ»القوات» التي لا بدّ أنّها ستسير به تفادياً للفراغ، وللمؤتمر التأسيسي والمثالثة.

مرّة جديدة يدفع سلوك عون الجميع الى تحدّيات صعبة، تطاول حلفاءَه وخصومه على حدّ سواء. بالنسبة الى برّي وحزب الله، لم يكن من الوارد إجراء الانتخابات، كذلك بالنسبة الى تيار «المستقبل». الخوف من الفتنة كان الهم الإسلامي الاوّل الذي دعا إلى التوافق على التمديد.

أمّا الهمّ المسيحي الذي عبّرت عنه «القوات اللبنانية» والمستقلون وربّما «المرَدة»، فكان خطر الوصول الى الفراغ، الذي سيستتبعه حكماً نسفُ «الطائف» والدخول في «المثالثة»، وهو احتمالٌ خطير، يفضي الى خيارات تبحث في أسُس الكيان اللبناني واستمراره.

يسير عون وحيداً بأجندة واضحة: «أنا أو الفوضى». لقد كانت بروفة التمديد مَثلٌ من أمثلة كثيرة، منذ العام 1988 وحتى اليوم، فهل ستنجح هذه الأجندة مرّةً أخرى في جَرّ المسيحيين إلى المجهول – المعلوم؟