IMLebanon

عون وجعجع: في إنتظار غودو

ما ظهر على «تويتر» بين العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع أقرب إلى «التمريك» منه إلى «التغريد». و«بين المزح والجدّ» بدا أنّ «الحكيم» لا ينتظر بلوغ ما سمّاه «الإتفاق الكامل» بين الرجلين قبل شباط 2016… أما عون فردَّ بإستعجال «القيامة»، أيْ إبرام الإتفاق قبل إنقضاء الصوم وحلول الفصح، أيْ في غضون شهر!

بين توقيت جعجع «السنوي» وتوقيت عون «الشهري»، يبدو أنّ هناك مزيداً من الوقت لإنجاز «إتفاق كامل». وورقة التفاهم الموعودة بين الجانبين، عندما يتمّ التفاهم، وظيفتها التمهيد للإتفاق الكامل.

وهذا يعني أنّ «إكتمال الأفراح» بين الرابية ومعراب لا يكون فقط بالتفاهم على خطوط عريضة سبق أن تفاهما عليها، مع الأحزاب المسيحية الأخرى في بكركي، بل بالتفاهم على: مَن هو الذي يستأهل الوصول إلى بعبدا.

العماد عون يخوض اليوم مع الدكتور جعجع مفاوضات مضنية لإقناعه بالتنازل له رئاسياً، لكنه لا يحصل منه لا على كلمة «نعم»… ولا كلمة «لا». وفي ذلك، يكرِّر عون سيناريو مفاوضاته المضنية، العام الفائت، على خط بيروت- الرياض- باريس مع الرئيس سعد الحريري، إذ بقي، وما زال، في إنتظار كلمة «نعم» لا تأتي.

إذا كان الإتفاق الكامل الذي قصده عون وجعجع، على «تويتر»، يعني التوافق على مرشح رئاسي مشترَك، فهذا يعني أن الرجلين سيشعلان النار طويلاً تحت طبخة البحص. وعندما يتحدث جعجع، عن عام إضافي في عيد عون الثمانين، فمن الطبيعي أن يردَّ عليه «الجنرال» بإستعجال القيامة.

فلا يبدو عون إطلاقاً مستعداً للقبول بمرشح تسوية. وأما جعجع فلا يبدو في وارد أن يقول له «نعم»، على رغم التسريبات المجهولة المصدر عن قبوله المحتمل بخصمه المسيحي، والتي تذكِّر أيضاً بتسريبات رافقت مفاوضات عون- الحريري. لكنّ عون لا ييأس من موافقةٍ تأتيه من جعجع، كما لم ييأس من موافقة الحريري.

وإذا كان تحضير ورقة التفاهم على الثوابت المسيحية إستغرق أشهراً، وما زالت قيد الإنتظار، فإنّ التفاهم على الرئاسة لا يبدو متوقعاً. وليست هناك خسارة لدى عون أو جعجع من هذا التأخير، لكنّ الخسارة فادحة على المسيحيين والرئاسة والبلد.

وفي الأيام الأخيرة، إرتفعت أصوات، بعضها عن حسن نية، تستنكر القول إنّ المسيحيين هم الذين يتسببون بالفراغ الرئاسي، وتصرُّ على القول إن مسألة الرئاسة مرهونة بالقوى الإقليمية والدولية. وقد يكون في ذلك شيء من الحقيقة، ولكن: هل جرّب المسيحيون أن يتفقوا مرة على الرئاسة ويعلنوا مرشحهم بصوت واحد، بغطاء من بكركي وسائر مرجعياتهم الروحية، ليعرفوا إذا كان الآخرون يحترمون قرارهم أم لا؟

في الطوائف الأخرى، التفاهم على مرشح واحد يصبح أمراً إلزامياً للآخرين. وهذا الأمر ينطبق أيضاً على المسيحيين إذا إتفقوا يوماً… والمهم أن يقتنعوا هم أولاً بأنهم «ليسوا نَكِرة»، وأن يتصرّفوا على هذا الأساس، كي يتوقف الآخرون عن «إنكارهم»!

وأما إستمرار المناورات وتقطيع الوقت فيعني أنّ الإنتخابات الرئاسية مؤجّلة أيضاً، وإلى مدى غير معلوم. ويوماً بعد يوم، تفقد رئاسة الجمهورية أهميتها إلى حدِّ دفنها. وقد بدأ الورثة يتنازعون على مرحلة ما الميراث. وفيما لعبة المواعيد على أوجها بين عون وجعجع، منذ أشهر، يتضاءل تدريجاً وزن الرئاسة، الموقع المسيحي الأول.

في بداية الفراغ، كان الكلام منصبّاً على إيجاد المرشح المناسب وإجراء الإنتخابات الرئاسية. وبعد أشهر، تراجع الحديث عن الإنتخابات إلى حدود الصفر، فيما مجلس الوزراء مرتاح إلى إدارته الجماعية للأزمة، بإعتباره «مجلساً فدرالياً» تتمثّل فيه المجموعات الطائفية كلها، ويعوِّض المسيحيين «موقتاً» فراغ الرئاسة الميثاقي.

اليوم، هناك مرحلة ثالثة من الإنهيار، هي: إقرار آلية لإتخاذ القرار داخل المجلس يمكن أن تتجاوز الإعتراضات القليلة. وهذا يعني إضعاف دور المجموعات الطوائفية، أيْ الدور الميثاقي المسيحي «الإستثنائي» في غياب الرئيس، بل تغييب هذا الصوت عند تكوين غالبية أخرى.

كلّ هذا الوقت المهدور لا يعني شيئاً في معراب والرابية، فيما اللعبة بين عون وجعجع تشبه مسرح صموئيل بيكيت العبثي. وقد يكون الأبطال ملّوا الإنتظار أو لا، لكن المؤكد أنّ أحداً من المشاهدين لم يعد قادراً على إنتظار غودو… ولا أن يصدِّق!