IMLebanon

تفاءلوا خيراً بالقمة العربية

 

ما أن أعلن عن عزم الدول العربية انعقاد المؤتمر الـ31 للقمة العربية بالجزائر حتى راح المحللون السياسيون لقضايا الأمة والمفكرون وقادة الفكر والرأي والقوى والأحزاب كلّ يدلي بدلوه حولها نجاحا أو إخفاقا، خاصة في ظل هذه الظروف والتحديات الإقليمية والدولية وما تحمله من مخاطر، منهم من شكك بانعقادها، ومنهم من رأى عدم جدواها، ومنهم من أمل بالنجاح. أما الخصوم والأعداء الإقليميون والدوليون الطامعون بالهيمنة والسيطرة واحداث الفوضى الهدّامة والفرقة والانقسام بين دولها ومواطنيها، راحوا بإعلامهم الخبيث الى القول إن العرب حاليا جسم لا دورة دموية فيه ومتوقف عن الحركة والتقدم والعطاء، ومبتلي بحروب وصراعات ونزاعات بين شعوبه ودوله، وان الفرصة الآن سانحة للخصوم والأعداء معا للسيطرة والإخضاع.

 

وانعقدت القمة يومي الثلاثاء والأربعاء 1-2 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري. وجاءت على النمط الجزائري وثورته العظيمة ثورة المليون شهيد التي أفضت إلى تحريرها بدحر المحتل الفرنسي وإعلان الاستقلال المظفر وكما يقول المثل العربي: الإناء ينضح بما فيه، وإناء الجزائر المثل والمثال للشعوب والأمم المتطلّعة نحو الحرية والسيادة والاستقلال.

واستمع المؤتمرون إلى كلمات موضوعية ووازنة من قادة الدول العربية، ونقاش مسؤول حول الإصلاح وإيجاد آليات أكثر فاعلية للتعاون العربي المشترك وإصلاح عميق لمنظومة عمله بآليات جديدة ومبتكرة ومنها آليات جامعة الدول العربية. وتبع ذلك بيان ختامي وقرارات اعتبرت ذات بُعد استراتيجي، وعلى ما يبدو من منحى ما دار في المؤتمر، ان القادة العرب أدركوا بإحساس سياسي مسؤول تجاه دولهم وشعوبهم والتحديات العالمية المتضاربة والمتشابكة الحاجة القصوى إلى توحيد الصف والكلمة والموقف، ومواجهة الأخطار المحدّقة بالأمة ودولها العربية وشعبها الحضاري، واستعادة دورها ومكانتها والتفاعل مع العالم الخارجي كتلة عربية واحدة وليس دول فرادى متفرقة، إذ أنه لا يمكن بناء التقدم والتطور والنماء والدفاع عن الوجود على التصرف فرادى وعلى التجزئة وعلى ما تم وجرى وصدر عن القمة بعد الاعداد والتحضير لها مدة سنة من قادة الجزائر ما حملته من تسميات ذات دلالات هامة منها قمة نوفمبر أو تشرين الثاني تيمّنا بشهر انطلاقة حرب التحرير الجزائرية العام 1954/ وقمة لم الشمل وما يرمز إليه هذا المعنى في هذا الزمن العجائبي الذي تتكالب فيه دول كبرى وصغرى على أمة العرب ودولها وشعبها المجيد، وجعل الجوامع العربية والمصالح المشتركة، أولى أولوياتها تتقدم على الخلافات والنزاعات والحروب الأهلية الداخلية والمؤامرات الخارجية السائدة حاليا في عدة دول عربية ماثلة للعيان، ومنها تسمية قمة فلسطين وهي الغاية والهدف والبوصلة ذات التوجه الصحيح والسليم.

لقد أحدثت الجزائر وهي الدولة العربية الحائزة على أعلى مراحل الثقة لدى الشعب العربي والثابتة على الثوابت والمسلمات والأهداف العربية، كما أحدثت القمة المنعقدة في أرجائها عبر بيانها الختامي ومقرراتها الاستراتيجية التالي:

– فلسطين هي القضية المحورية للأمة والتركيز على مركزيتها والدعم المطلق لحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف وحماية مدينة القدس المحتلة وتحريرها.

– التأكيد على التمسّك بمبادرة السلام العربية لعام ٢٠٠٢/ بكافة عناصرها وأولوياتها وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لكافة الأراضي العربية: الجولان السوري ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا اللبنانية. وحماية مدينة القدس المحتلة ومقدساتها الإسلامية والمسيحية بهويتها العربية، وتوحيد الصف الفلسطيني وتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية.

– تعزيز العمل العربي المشترك بمحطاته الأساسية: الأمن القومي العربي، والأمن الغذائي والمائي.

– رفض التدخلات الخارجية بجميع أشكالها في الشؤون الداخلية للدول العربية واعتماد الحلول العربية، ويعتبر هذا من المبادئ الأساسية لأمة العرب.

– القيام بدور جماعي عربي قيادي لحلول سياسية لكل من سوريا وليبيا واليمن وأمن دول الخليج ودعم المسعى العراقي واللبناني وقضايا دول عربية أخرى، أورد ذكرها البيان. ومن القرارات الهامة:

ad

– إطلاق لجنة حكماء تساعد رئيس القمة على تنفيذ القرارات وتقديم توصيات له.

وفي هذا الشأن نرى ونقترح على المعنيين في الجامعة العربية تكليف 50 شخصية عربية من المحللين الرواد المهتمين في الشأن القومي للأمة المساهمة باقتراحات لطرق ووسائل تنفيذ عدد من القرارات منها على سبيل المثال: لم الشمل، الوسائل المطلوبة لوحدة الصف والكلمة، والدفاع العربي المشترك والاجراءات العملية لمنع التدخل الخارجي في شؤون الدول العربية ومواطنيها وإيقاع الفوضى والنزاعات والعنصريات الطائفية والمذهبية ومنع تحقيق مصالح وأطماع دول أجنبية أخرى تحت حجج وادّعاءات واهية ووسائل تعزيز التضامن العربي, ووضع خارطة طريق كل ما يتعلق بالقضية المحورية فلسطين لتنفيذها، وأخيرا حضور الإرادة الوطنية العربية للتنفيذ، فكل قرار لا ينفذ لا تزيد قيمته عن الصفر.

إذا هذا المؤتمر للقمة العربية نراه مميّزا في كل ما صدر عنه من مقررات، ولا تفوتني الإشارة قبل الختام إلى الاجتماع الحضاري المميّز الذي شهده قصر الأونسكو في بيروت حول إحياء وتأييد اتفاق الطائف بمرور 33 عاما على إقراره بدعوة كريمة من سفير المملكة العربية السعودية بلبنان السفير وليد بخاري، والقمة وان كانت شأنا قوميا فالطائف شأن وطني يكملان بعضهما. وهذا كله تفاؤل بالخير، وبالتالي أذكّر نفسي والسادة القرّاء والذين لم يقرأوا أو يتجاهلوا أو يهمشوا ما يقدم كتابة من غيرهم أنني وبتواضع كنت قد كتبت على مدى يومين متتاليين مقالا بعنوان: «استهداف الطائف نحر للوطن اللبناني»، نشرتهما مشكورة جريدة «اللواء» بتاريخ 22/23 أيلول الشهر السابق.