IMLebanon

معركة حلب نموذجاً للحروب الكونية المقبلة

كسر النظام العالمي الجديد الحدود بين الدول، حيث أسقط مفهوم الدولة، وأنهى زمن الحروب التقليدية، من خلال إزالة الحواجز بين الدول، وتسهيل الهجرات وضرب القوميات، وسحق الهويات الوطنية.

استطاع هذا النظام رسم الخريطة الجيوسياسية للعالم من خلال إعطاء الحرب الكونية مفهوماً محلياً جغرافياً ذا بعد سياسي ـ هيمني عالمي، هذا النموذج الذي يتجلّى في المعارك الدائرة في مدينة حلب بين قوى محلية وإقليمية وعالمية.

تشكّل معركة حلب انعطافة كبيرة في مسار الحرب السورية خصوصاً والدولية عموماً. فهذا النوع من النزاع سيكون نموذجاً للحروب المقبلة، في ظلّ نظام عالمي انطلق عملانياً بعد سقوط المنظومة الشيوعية عام 1990.

فحلب بموقعها الاستراتيجي، تحمل في معركتها أبعاداً محلية وإقليمية ودولية. فلهذه المدينة أهمية رمزية كبيرة، فهي ثاني أكبر المدن السورية، وأكبر المراكز الإقتصادية في البلاد، وذات أهمية ثقافية وسياسية عالمية، كونها أقدم مدن العالم.

لقد مرّ على الحرب السورية أكثر من خمس سنوات، هُجّر فيها الملايين وشُرّد، وحصدت آلاف الضحايا في ساحات المعركة، ودُمّر فيها أكثر من مدينة بكاملها. فعلى رغم ضراوة المعارك الدائرة فيها، فإنّ لمدينة حلب اهتمام محلّي وإقليمي ودولي جعل من معركتها نموذجاً للحروب الكونية المقبلة.

تحمل المدينة في معركتها أبعاداً سياسية تخوّلها أن تُسمّى حرباً كونية، ويمكن تمثّلها بالآتي:

– في البعد المحلي، تعتبر المدينة المعقل الأساسي لفصائل المعارضة المسلحة، التي يصفها الغرب بـ«المعتدلة»، على حدّ قول وزير الخارجية الفرنسي: «إنّ المعارضة التي تتعرض للهجمات في حلب، ليست داعش وإنّما معارضة معتدلة».

فحلب هي الممرّ الآمن للدعم اللوجستي والمادي والعسكري لهذه القوى على الحدود الشمالية مع تركيا. بينما النظام السوري يعتبرها حرباً ضدّ القوى الدولية والإقليمية الداعمة للمعارضة، ففي الانتصار سيعيد فرض واقع جديد ليس في حلب وحدها، بل في سوريا والمنطقة على حدّ سواء.

– في البعد الإقليمي تشكّل حلب بالنسبة إلى تركيا الأردوغانية ورقة ضغط استراتيجية لا تقلّ أهمية عن الورقة الكردية. على خطّ متّصل تستفيد السعودية في انتصار المعارضة بموقف قوي، يخوّلها الضغط على إيران في النزاع الدائر في اليمن والبحرين. في المقابل فإنّ إيران التي تلعب دوراً برّياً مهماً في هذه المعركة، تجد نفسها معنيّة بتحقيق الإنتصار للحفاظ على هلالها الشيعي في المنطقة.

– في البعد الدولي إنّ القوى الدولية تلعب في حلب لعبة تثبيت النفوذ. فالولايات المتحدة والغرب يدعمان القوى المعارضة التي تعمل على قلب النظام في سوريا وضرب القوة الممانعة لها. وفي المقابل يلجأ الروسي إلى استعمال أحدث أسلحته علّه يثبّت نفوذه في المنطقة من جهة، ومن جهة ثانية أيضاً يبلغ رسالة للعالم مفادها أن على القوة الدولية أن تعيد هيكليتها من جديد، وتدخل روسيا الإتحادية في اتخاذ القرار.

إذاً، لن يقتصر سقوط حلب المحتمل على يد النظام على المنطقة فقط، بل سيمتد إلى خارجها، وفقاً لصحيفة «الغارديان» البريطانية. فهي تعتقد أنّ على الغرب أن يستعد لموجة جديدة من اللجوء أعنف من سابقتها. كما عليه أن يكون مهيّئاً لكي يعي أنّ استئناف الجهود الديبلوماسية، قد صار أمراً أكثر تعقيداً من ذي قبل في ظلّ وضوح النيات الروسية.

وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف استبعد، في مقابلة مع صحيفة «كوموسولكايا برافادا»، خطر اندلاع حرب عالمية ثالثة مع الغرب، معتبراً أنّ دول العالم ما زالت تتذكر جيداً فظائع الحرب العالمية الثانية. لأنّ الحرب الكونية التقليدية والنزاع بين الدول بطريقة تدميرية مباشرة قد انتهيا، في ظلّ النظام العالمي الجديد وتبدّلات موازين القوى على الساحة العالمية.

لقد استُبدلت بحروب محلية تطاول مناطق ذات مواقع استراتيجية أو غنية بالمواد الأولية. إنّ معركة حلب، لم تعد تقتصر على مَن سيحكم سوريا بمقدار ما أصبحت تنظر إلى مَن سيقود المنطقة على حدّ تقرير صادر عن الكونغرس الأميركي. فالتدخّل الروسي والخوف الأميركي والاهتمام الإقليمي، لم يتوقّف فقط على بسط النفوذ.

بل يبدو أنّه مرتبط أيضاً باكتشاف الطاقة النفطية في هذه المنطقة. هذا ما سيكبّد المنطقة مزيداً من فاتورة العنف والتوتر التدميري التي لن تنتهي إلّا من خلال الوصول إلى حلّ يرضي هذه القوى، لأنّ الغلبة تبدو بعيدة المنال في ظلّ التعقيدات البارزة في ساحات القتال.