IMLebanon

خلف كواليس لقاء دو ميستورا وعبد اللهيان 

في خضمّ التظاهرات والإعتصامات التي ازدَحمت بها شوارع بيروت من بوّابة «أزمة النفايات» التي احتلّت الشاشات اللبنانية وأفردت لها معظم صفحات الجرائد والتحليل السياسي، مرّ اللقاء الذي جمَع مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا ستيفان دو ميستورا في بيروت مع مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والأفريقية حسين أمير عبد اللهيان على هامش الحدث الأكبر من دون أن يأخذ حقّه من التداول وقراءة أبعاده.

وبينما انتشرَ مراسلو الشاشات المحلية بين المتظاهرين والمعتصمين والمضربين عن الطعام أمام مكاتب وزارة البيئة، حضَرت العدسات بشكل خجول لالتقاط صوَر دو ميستورا وهو يعبر الى داخل مبنى السفارة الايرانية التي خرَج منها الى مطار بيروت لينتقل إلى بروكسل حيث يُواصل مشاوراته مع المسؤولين في الاتحاد الأوروبي حول الازمة السورية.

وقبل الدخول في كواليس اللقاء وأبرَز خطوطه العريضة، لا بدّ من التوقّف عند نقطة قد تبدو شكلية إلّا أنها تحمل معنى سياسياً يُوازي المضمون أهميّة، وهي سرّ انعقاد لقاء دو ميستورا وعبد اللهيان في بيروت وخلفيّاته، وأسباب عدم انعقاده في دمشق مكان إقامة دو ميستورا الطبيعي كمبعوث للأمم المتحدة الى سوريا، خصوصاً أنّ عبد اللهيان كان وصل الى دمشق والتقى الرئيس بشار الاسد والمسؤولين الكبار بُعَيد لقائه دو ميستورا بساعات محدودة؟ فهل أنّ دو ميستورا غير مرغوب به في العاصمة السورية؟

عن هذا السؤال يجيب مصدر على صِلة بالقيادة السورية: «الحكومة السورية منزعجة من تصريحات دو ميستورا الأخيرة، تصريحات بدأت تُفقده صفة الحيادية، الشرط الأساس لإنجاح مهمّته كمبعوث خاص للأمين العام للأمم المتحدة الى سوريا. وقد أبلغت القيادة السورية إلى دو ميستورا هذا الإنزعاج بشكل واضح وصريح».

هذا الامتعاض السوري دفَع دو ميستورا الى محاولة امتصاصه عبر إرساله نائبه رمزي عز الدين رمزي الى دمشق قبَيل اللقاء بعبد اللهيان في بيروت، كما تكشف مصادر خاصة، وذلك لتقديم شروحات وتوضيحات لتفاصيل وتصريحات كثيرة وَتّرت الاجواء مع القيادة السورية، فضلاً عن جسّ النبض قبل تبلور التحضيرات اللازمة لزيارته شخصياً الى سوريا ولقائه وزير الخارجية وليد المعلم.

وعن اللقاء بين نائب دو ميستورا والمسؤولين السوريين، يكشف مصدر ديبلوماسي سوري لـ«الجمهورية» أنه «حصل بالفعل، والحكومة السورية طالبت دو ميستورا ببعض التوضيحات سواء لجهة تصريحاته الاخيرة وهامش عمله كمبعوث للأمم المتحدة أو لجهة آليات تنفيذ قرار مجلس الأمن الأخير.

إلّا أنها لم تحصل على الايضاحات اللازمة، وبالتالي لم تُحدّد موعداً لزيارته الى دمشق». علماً أنّ مجلس الأمن الدولي أيّد بالإجماع مبادرة دو ميستورا بتشكيل أربع مجموعات عمل مع ممثلي الحكومة والمعارضة السوريتين لتنفيذ بيان جنيف.

كما اعتمد في 17 آب المنصرم بياناً رئاسياً في نهاية جلسة خُصّصت لسوريا، وقد عُدّ البيان حينها أول وثيقة للمجلس في شأن التسوية السورية، يوافق عليها بالإجماع من دون مواجهة الفيتو سواء من روسيا او الصين.

لكنّ أحد ديبلوماسيّيها الرفيعين كشف لـ«الجمهورية» أنّ موقف فنزويلا التي تحفّظت على بنود كثيرة في بيان مجلس الأمن الذي جاء من 16 نقطة، هو الموقف الاقرب الى موقف الحكومة السورية.

يذكر أنّ مندوب فنزويلا الدائم لدى الأمم المتحدة رافاييل راميريز كان قد قال: «إنّ هذا البيان يشكّل سابقة خطيرة جداً بدعمه عملية انتقالية تنتهك «حق السوريين في تحديد المصير»، معلناً أنّ بلاده لا توافق على بعض بنود البيان، لكنّه أكد مجدداً مساندتها جهود دو ميستورا.

وقال راميريز بعد تبنّي مجلس الأمن البيان: «على هذا المجلس أن يتوخى عدم التحيّز والموضوعية في معالجة الأزمة السورية، وانّ تجاهل شرعية حكومة الرئيس بشار الأسد هو انتهاك لسيادة هذا البلد».

اذاً، لم يعقد لقاء دو ميستورا وعبد اللهيان في بيروت من سبيل الصدفة بل إنّ امتعاضاً سورياً من تصريحات دو ميستورا فضلاً عن تفضيل الاخير عدم الصدام مع القيادة السورية دفعه للقاء عبد اللهيان في بيروت مكتفياً بإرسال نائبه الى دمشق لتحضير اللقاء المنتظر مع المعلّم.

امّا أبعد من الاسباب الآنفة الذكر، فإنّ لاجتماع بيروت دلالات أخرى كما يرى مصدر مطّلع عن كثب على حركة دو ميستورا، ومنها:

– إنّ «حزب الله» لم يعد جزءاً من الحرب السورية وحسب، بل هو حتماً جزء من الدفع نحو الحلّ. وينطلق المصدر من «هدنة الزبداني» التي شارك في تفاصيلها الحزب عبر مندوب ايران الذي حضر جلسات مطوّلة مع المعارضة السورية في تركيا.

– قضية اللاجئين السوريين التي يتحمّل لبنان الجزء الأكبر منها باستضافته أكثر من مليون ونصف مليون سوري. ويرى المصدر أنّ طلب «جبهة النصرة» انتقال 12000 نازح ونازحة في جرود عرسال إلى قريتي فليطة والمعرّة في القلمون السورية، وهما القريتان اللتان يسيطر عليهما الجيش السوري و»حزب الله»، لإطلاق بقية العسكريين هو جزء من الحلّ المعني به دو ميستورا.

وعليه، يبدو أنّ دو ميستورا سيزور بيروت مجدّداً وقد يذهب الى محيط السفارة الإيرانية ليلتقي في ضاحيتها مسؤولين من «حزب الله»، وهو كان قد اجتمع بنائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم بعدما عجز عن لقاء السيّد حسن نصرالله.