IMLebanon

عدم التمكّن من الإنجاب… ليس نهاية العالم

مرَّ على زواج «ريما» و«زياد» سنتان، وريما لم تحمل بعد. يلاحقهما الأقارب والأصدقاء بكلمات: «نِئشَعلكُن…» و«ألله يِرزقكُن وَلد» و«شدّوا همّتكُن»… في كلّ المناسبات، بينما هما يدركان جيّداً أنّ الألسنة باتت تتناقل أخبارَهما وتتساءل عن سبب عدم إنجابهما بعد. وحماةُ ريما تسأل على الدوام: «لماذا لم تحمل ريما بعد؟»، و»هل هي عاقر؟»، بينما تقلق أمُّها من هذا الواقع.

لازال الإنجاب المكمّلَ الأساسيّ للزواج، لا بل أحد أبرزِ أسبابه في الشرق. فبينما تتوجّه شريحة ضخمة في أوروبا إلى الزواج غيرَ راغبةٍ بالإنجاب، أو ينجِب آخرون دون زواج، ما زال الزواج في مجتمعنا يَعني الاتجاه إلى تأسيس عائلة.

المفاعيل النفسية

يؤكّد الاختصاصي في عِلم النفس العيادي الدكتور نبيل خوري لـ»الجمهورية»: «بما أنّ فكرة الإنجاب هي أساس الزواج، يبقى الزواج في حال عدم التمكّن من الإنجاب ناقصاً، وتبقى رغبة الأمومة التي يسمّيها علم النفس غريزةَ الأمومة غيرَ مشفاة الغليل عند المرأة. وفيما لا تُسمّى رغبة الأب بالإنجاب بـ»غريزة الأبوّة»، إلّا أنّ رغبة الرجل بالأبوّة توازي رغبة المرأة».

ويشير خوري إلى أنّ «أسباب عدم الإنجاب قد تكون من المرأة أو من الرَجل، وعدم تمكّنِ أحدِهما من الإنجاب أو كليهما يَدفعهما إلى عيشِ حالٍ مِن الإحباط».

ويضيف: «الإحباط قد يوصلهما إلى الاكتئاب، الرتابة، الروتين، والنفور من الشريك/ة، خصوصاً إذا ما عرف أن العلّة في الآخر». هذه العوامل لا تساعد كثيراً على التقريب بينهما، كما أنّ الضغط العائلي يزيد حال التشنّج بينهما.

أضِف إلى ذلك، المفاعيل النفسية المترتّبة على الزوجة جرّاء علاقاتها الاجتماعية. كلّما أنجَبت إحدى صديقاتها أو قريباتها، وذهبَت لتهنئتها شعرَت بالإحراج واستيقظت فيها الغيرة. والأسوأ عندما تحاول هذه الأمّ إخفاءَ الطفل عن المحرومة من الأطفال، خوفاً من الحسَد ومن أن تصيبها وطفلَها «بالعين».

المفاعيل النفسية لعدم الإنجاب تنعكس على أداء الزوجين في المنزل وعلى حياتهما والمهامّ التي يضطلعان بها. وتزداد وطأة اليأس في حياتهما بعد فشلِ التقنيات الطبّية الحديثة في مساعدتهما، والمحاولة، وتكرار المحاولة وزيارة الأطبّاء، دون تحقيق النتيجة المرجوّة. فمع كلّ محاولة يولد أملٌ جديد في داخلهما، سرعان ما يتبدّد بعد فشلِها. هذا الواقع يضفي أجواء سلبية في حياة الثنائي ويؤثّر على مستقبلهما معاً.

هل يؤدّي إلى الطلاق؟

تناولت دراسة دانماركية تأثيرَ مشكلة عدمِ الحمل على سير حياة الثنائي واتّفاقه، فتبيّنَ أنّ 47500 امرأة وخلال 12 عاماً، أكّد لهنّ الأطبّاء بعد الزواج عجزَهنّ عن الإنجاب، وأنّ 26 في المئة منهنّ تعرّضَ زواجهنّ للانفصال في السنوات الخمس الأولى لتلقّيهنّ النبأ. وكشفَت الدراسة أنّ احتمال انفصال الثنائي الذي يواجه مشاكلَ في الإنجاب أعلى بنسبة 3 مرّات من الأزواج القادرين على الإنجاب.

في هذا الإطار، يؤكّد الدكتور نبيل خوري أنّ «المحاولات المتكرّرة للإنجاب هي التي تَحول دون الطلاق، فيعيش الإنسان على الأمل ويعِد نفسَه بمستقبل تنجح فيه محاولاتُ الارتزاق بطفل، فيؤكّد لنفسه بعد كلّ خيبة: إنْ لم تنجَح هذه المحاولة قد تنجح محاولة أخرى، فلنستمرّ بالمحاولة.

وإنْ لم تنجح تدخّلات هذا الطبيب فلنجَرّب طبيباً آخر، وبعده طبيب آخر وآخر…». ويلفت خوري إلى أنّ «هذه الدائرة المفرغة من التجارب تؤجّل البحثَ في عملية الطلاق، على رغم مراودته بالَ الزوجين».

فوق كلّ التجارب

لا يخفى على أحد أنّ مواجهة صعوبة الإنجاب سويّاً تزيد عدداً كبيراً من الأزواج تعلّقاً ببعضهما، فيتحدّيان واقعَهما يداً بيَد، ويتقبّلانه، ما يُخفّف من اليأس. كما قد يراهنان على التطوّر الطبّي ويدركان أنّه إنْ لم يحالفهما الحظ فهذه ليست النهاية.

قبل أن يُحدث التطوّر الطبّي ثورةً في مجال تسهيل الإنجاب من خلال علاجات «أطفال الأنابيب»، خسرَ أزواجٌ كثُر فرصة الإنجاب. وتعجّ القرى بقصص أكثر من ثنائي لم يُرزقوا بأطفال، إلّا أنّ قدسية الزواج التي نعرفها صَقلت ارتباطَهما فلم ينفصل كثيرون بسبب فشلِهم في إنجاب ثمرةِ الحبّ الزوجي.

وحتّى اليوم، وفي ظلّ تصدّعِ متانةِ الزواج في المجتمع المعاصر إلّا أنّ كثيرين لازالوا يرفضون فكرة الانفصال بسبب عدمِ التمكّن من الإنجاب، ويتقبّلون «مشيئة الله».

وهذا ما يؤكّد عليه الدكتور خوري: «حتماً لا ننصَح بالطلاق لأنّ مشيئة الرب يجب أن تُحترم». وها هو طارق (32 عاماً) متزوّج منذ 5 سنوات ولم يُرزق بطفل بعد. يتحدّث لـ»الجمهورية» عن مدى تعرّضِه وزوجته للضغوطات من قبَل العائلة والأصدقاء على شكل أسئلة واستفسارات وقلق من حالهما.

ويوضح: «في كلّ مرّة تفتح أمّي هذا الموضوع لتسألني عن سبب تأخّرِنا في الإنجاب أجيبها بهدوء، بأنّني اخترتُ زوجتي لتكونَ رفيقة دربي وذلك لأنني أحبّها، أمّا مسألة الإنجاب فثانوية بالنسبة لنا وهي رهن مشيئة الله».

النصائح

حالُ طارق لا تشبّه حال كثيرين من الذين يسيطر التوتّر والقلق على حياتهم جرّاء عدم الإنجاب، ويخشون من إمضاء الحياة دون أولاد أو من أن يتركهم شريكهم ليرتبط بمن هو قادر على منحِه الأولاد، في حال ثبتَ له أنّ المشكلة منهم.

فغالباً ما يسكن التوتّر كيان الثنائي خلال خضوعه للعلاج الطبّي بهدف الإنجاب، وبينما يوصيهما الطبيب بعدم التفكير بحالهما، إلّا أنّهما لا يفكّران سوى بعقمهما، ويزيد فشلُ التجارب الطبّية من حدّة توتّرهما.

في هذا السياق، ينصَح الدكتور نبيل خوري كلَّ ثنائي يصارع من أجل الحَمل، باللجوء إلى المساندة النفسية المواكبة للمعالجة الطبّية. ويشجّع خوري الزوجين على التريّث وانتظار الأفضل واعتماد كلّ الوسائل التي تدعم عدم توسيع الشرخ بينهما.

ويساعد الحوار مع الشريك وتبادل المشاعر والتحدّث عن أمور غير العقم على إضفاء جوّ هادئ في العلاقة. فإذا مررتم بهذه التجربة حاوِلوا أن لا تعزّزوا قلقَكم وأن لا تغذّوا التوتّر والتعصيب في نفوسكم من شتّى المواقف والأشياء. وتذكّروا أنّ ممارسة النشاطات المشتركة مع الشريك وخصوصاً الرياضية منها تُخفّض من حدّة التوتّر والتشنّج.