IMLebanon

هل تُلغي زيارة بايدن الاجتياح البرّي؟

 

زيارة الرئيس الأميركي بايدن إلى إسرائيل ضرورية لأن جيشها وشعبها وقيادتها السياسية عن بِكرَة أبيها في حاجة إليها، نفسيّاً أوّلاً، وفي المعنويّات العسكرية ثانياً، وفي الأصداء العالَمية لهيبة إسرائيل كدولة استثنائيةِ القوّة ثالثاً. وقعَت إسرائيل في شَرّ أعمالها السابقة واللاحقة،وكانت عملية «حماس» الميدانية إبداعاً وطنياً ينطلق من صفر إمكانات ويتحوّل إلى كُرة نار لن تهدأ قبل أن يَشفي الإسرائيلي كمواطن وكعسكري وكقياديّ غليلَه بعمل عسكري ، عسكري تحديداً، وكبير جدّاً ذلك أن إسرائيل السياسية عوّدَت شعبها على الثأر، واعتمدَت عليه كدواء لها في كل موقعة.

الثأر .. حسَب الدفاترِ الإسرائيلية وكتُبها يتركز اليوم على احتلال غزة وتهجير أهلها كأقل ثمن يمكن أن تقبل به إسرائيل بعد ضربة «حماس». وزيارة بايدن العاجلة حُمّلَت معنَيَين الأول هو أنها زيارة ستكون بمثابة إشارة الانطلاق في المشروع وتفجير الصواريخ الاسرائيلية غزةَ رأساً على عقب وترحيل الفلسطينيين إلى مصر، والمعنى الثاني معاكسٌ تماماً لهذا التحليل وهو أن حضور بايدن إلى أرض إسرائيل سيكون تعويضاً لها عن اجتياح غزة لِما لحضوره ووزنه وأهميّته العالمية من تأثير في الصورة، أقَلّه، التي ستحمل إشارات عدّة لبلدان عدة من الشرق الأوسط، فضلاً عن روسيا والصين وإيران …

أغلب الظن أن زيارة بايدن ستكون ضماداً معنويّاً كبيراً لإسرائيل تمهيداً لإنزالها عن شجرة هدفها المُعلَن هدم غزّة واجتياحها . إذ لا يستطيع رئيس أميركي مهما كان جنونه ضخماً في حب إسرائيل والصهيونية وتأييدهما علناً أن يعطي إشارة المضيّ في فتح قبر غزّة ، فبصرف النظر إذا كان ذلك ممكناً وهو ليس ممكناً (ولا بمعيار من المعايير الانسانية واللوجستية والعدوانية نظراً لتدعيات مُحتَمَلة قد تُفَجّر أرض إسرائيل كلّها) فإن التاريخ سيقف سيفاً مسْلَطاً فوق رأس بايدن واسمه زمنا طويلاً إذا سمح بها أو تواطأ عليها أو غضّ النّظَر ، وسيُعْتَبَر كأنه هو الذي ارتكبها لا نتنياهو ..المتهالِك في موقعِه الحكومي والقلِق في مرتبةِ حزبه والمتهَم في عيون جمهوره بفساد عظيم. بايدن، إذا جرى اجتياح غزة بعد زيارته إسرائيل سيكون وضعُه في انتخابات رئاسة الولايات المتحدة الأميركية كالمُعلّق على صليب غزّة وستكون خسارتُه واردة أكثر بكثير مما هي واردة في الحسابات الحالية بأشواط، لأنه سيحمل في عنقه الإتهام بجرائم حرب، وهذا وحده كافٍ لكتابة سطور النهاية!

لم تخلُط حرب غزة الأوراق ، بل رتّبَتْها تماماً، ولم تَعُد هناك صفحات تتطاول على صفحات أو مشاريع تتسابق مع مشاريع. ومِنْ معاهدة ابراهام التي سوّقوا لها لنبذ فلسطين، والاندفاع في التطبيع، إلى غيرها من الأفكار الإسرائيلية التي تروَّج عربياً على أنها أميركية، لن يعود إلى النور إلّا حل الدولتين، فهو الحل الوحيد الذي قَبِلَه الفلسطينيون بأكثريتهم ووافق عليه العرب بأكثريتهم ورضيَ به المجتمع الدولي -الأميركي بأكثريّته، ومن الطبيعي في الحالات غير الطبيعية التي يعيشها الشرق الأوسط اليوم هو استعادة ما يمكن أن يكون ملتقى آراء واقتناعات. فقد سار ياسر عرفات في «أوسلو»١٩٩٣ …وحل الدولتين، ولو أن في إسرائيل قيادات تعمل لتاريخ السلام لأعطت عرفات دولته الذي قاتل في الشرق والغرب من أجل إقناع غير المقتنعين بها، وساعدتْه لتساعدَ نفسها في إيجاد دولتين، لكنّ قيادات إسرائيل تعيش على الغطرسة والتصلّب، وبعضهم يزايد على بعضهم في التطرّف واليمينية، فمن أين يدخل السلام. لا بدّ من دخول السلام بالقوة على عقل الشعب الإسرائيلي، وذلك عبر أكثر من هزيمة تلحق به كعملية «طوفان الأقصى» وقبلها هزيمَتَي لبنان «٢٠٠٠- ٢٠٠٦» فهذا هو المعبَر الإجباري الوحيد إلى تخلّي المستوطن اليهودي الصهيوني عن سكَنِه مُدلّلاً مُكلّلاً في الأبراج العاجية جبروتاً واحتلالاً وهيمنة!

ويقال أن التحذير الأكثر خطورة وتحدياً الذي وصلَ إلى إسرائيل عبر قناة دولية هو أن اجتياح غزّة ما إن يبدأ ، إذا بدأ، حتى تكون المطارات العسكرية الإسرائيلية كلها عرضة لسقوط الصواريخ الثقيلة من أنفاقٍ ضخمة للمقاوَمة على الحدود بين لبنان وسوريا…وليبحث الطيران الإسرائيلي من الآن عن مهابط له قبل أن يحلّق ..في القصف!