IMLebanon

من بوتفليقه وغيره إلى بشَّار: «إلى العرب دُرْ»

مرّة أُخرى وليست أخيرة نتمنى لو أن الرئيس بشَّار الأسد يتخذ خطوة تتلخص بعبارة: «إلى العرب دُرْ».

نقول ذلك وأمامنا بضع حقائق من شأن التأمل فيها من جانب الرئيس بشَّار أن يضع جانباً كتاب أربع سنوات عاصفة ويبدأ التسطير في كتاب إعادة النظر إنطلاقاً من الإقتناع بأن الذين وقفوا معه دفعوا به إلى مشارف التعقيد وليس الحل للأزمة، وأنهم في ممارساتهم السياسية والحربية كانوا يخططون لكي يبقى لكل منهم، بل وتحديداً لكل منهما (روسيا بوتين بعد إيران خامنئي)، مواطئ أقدام ثابتة في سوريا.

ونحن عندما نرى كيف أن روسيا تتصرف بالنيابة عن النظام وتعلن، على سبيل المثال، وزارة الدفاع الروسية في بيان صدر في موسكو يوم السبت الماضي (8/5/2016) إنه «بهدف الحؤول دون تدهور الوضع وبمبادرة من الجانب الروسي تمّ تمديد نظام التهدئة في محافظة اللاذقية وفي مدينة حلب لمدة 72 ساعة»، فهذا يعني أن وزارة الدفاع السورية غير مخوَّلة بمثل هذه الأمور، أو بكلام آخر إن وزارة الدفاع الروسية باتت هي المرجعية. هي تقرر مواصلة حربها في سوريا وهي التي تمدد الهدنة كما هي مَن يلغيها أو يخترقها. وعندما تفعل ذلك روسيا ولا تراعي وزارة دفاعها أي مشاعر يمكن أن تصيب السوري في كبريائه فهذا تأكيد لحقيقة أن الرئيس بوتين مستثمر في سوريا وليس صديقاً يقوم بمؤازرة صديق أو حليف. وهو في هذا الذي يفعله يروِّج لظاهرة الإستثمار الحربي وبذلك لا يعود الإستثمار حكراً على مشاريع إقتصادية أو صناعية أو عقارية، وإنما هناك الإستثمار الحربي الذي من مقوماته الحرب في أوطان الغير والنيابة عن سلطات هذه الأوطان، وهذه روسيا على سبيل المثال، تقوم بإصدار بيانات عسكرية تعلن فيها إستمرار الصولات والجولات جواً وبراً كما تعلن فكْ الارتباط بهدنة هي عملياً وعلى نحو ما تؤكد تطورات الأحداث السورية، إستراحة للطيارين الروس الذين يقصفون من الأجواء السورية مواقع على الأراضي السورية، كما أنها إستراحة للقوات الخاصة الروسية على تلك الأراضي والتي يُشار إلى أفرادها بصفة «مستشارين» مع أنهم مقاتلون في أرض لا تخصهم وضد أهداف بشرية وعمرانية لا علاقة لبلادهم بها.

وما هو أكثر إيلاماً من أن وزارة الدفاع الروسية هي مَن تقرر الهدنة وهي من ترتأي تمديدها أو إنهاءها، وليست وزارة الدفاع السورية، أن الرئيس بوتين أوكل إلى فرقة موسيقية روسية بقيادة عازف مقرَّب منه يدعى فاليري غيرغييف إحياء حفلة موسيقية في تدمر وهو تصرُّف لا يقل إساءة في حق العنفوان السوري عن توكيل الروسي نفسه للإعلان عن تمديد هدنة أو إلغائها بعد القبول بها. ثم إن العزف الروسي على أطلال تدمر لن يبعث مشاعر الفرح في نفوس السوريين الذين يختزنون الألم والعتب والغضب ولا ترتاح نفوسهم بعد رؤية صديق نظامهم، الرئيس بوتين، يمارس الدور الذي يؤديه متجاوزاً قوانين التعامل مع قضايا الشعوب وليس مصالح الأنظمة، ومن دون التبصر في مفاعيل هذا الدور وتداعياته والذي يندرج على ما يبدو في سياق المثل الشعبي الروسي «يوجد القانون حيث توجد القوة». كما أن الدور البوتيني القيصري متأثر وربما مسحور بالرؤية الهتلرية التي سبق للفوهرر أن لخَّصها بعبارة «إن السِلْم لا يقوى على الظهور ما لم تأخذ بيده الحرب، وإن كل سعي سلمي لا يؤتي ثماره ما لم تدعمه القوة». لكن بالنسبة إلى الحالة السورية لا يتطلب الأمر تدخلاً عدوانياً ولا شغفاً بالإجتياح على نحو ما فعله أدولف هتلر مع دول أوروبية وصولاً إلى روسيا ودفع ثمنه رصاصة في رأسه، وإنما يتطلب الأخذ بما أوجزه المهاتما غاندي، الذي لم يستعمل رصاصة واحدة في نضاله، بالقول «إن القوة لا تتأتى إلاَّ عن طريق الحق الذي يحميه القانون…».

ولكن الرئيس بوتين الحليف الصديق للرئيس بشَّار يرى على ما يُؤكّد تعامُله مع الموضوع السوري أن ما يقوله غاندي من شأنه في حال أخذ به الرئيس بشَّار إنقاذ نفسه وإنقاذ شعبه فيما هو يتطلع إلى إحتواء بلد بالكامل والمقايضة عليه إقليمياً ودولياً وبذلك يتم رفْع العقوبات عنه ويستطيع معالجة الأوضاع الإقتصادية المعيشية المتفاقمة في روسيا وكيف أنه إستناداً إلى تقرير تابع للديوان الرئاسي فإن 39 في المئة من الروس يعانون صعوبات في شراء المواد الغذائية الضرورية وهي نسبة زادت عام 2015 عن العام 2014، كما أنها أعادت إلى ذاكرة الروس الوضع الذي كانوا عليه قبل سبع سنوات عندما إضطر 48 بالمئة من الروس لترشيد بالغ القساوة في إنفاقهم. وهذا يعني أنه كلما توغل الرئيس بوتين في التوجهات الحربية من أوكرانيا إلى سوريا مروراً بتكثيف التعاون العسكري مع إيران كلما أتى ذلك على حساب أحوال النّاس بما في ذلك أحوال السوريين الذين لم يغادروا هجرة أو تهجيراً بلدهم، والذي يفيد تقرير أُممي بأن ثلاثة من كل  أربعة أشخاص في سوريا  صاروا يعانون الفقر. ونجد أنفسنا هنا وقد إستعرب بوتين  وتسوْرن إلى درجة خوض حرب على أرض غيره ومن دون مراعاة أصحاب هذه الأرض نستحضر له وللرئيس بشَّار المرتضي تدخله الحربي على النحو الحاصل والمرادف لتدخل الحليف الإيراني، قوليْن يستحقان التأمل للرئيسيْن الروسي والسوري ولحليفهما الإيراني وهما قول الشاعر العربي الفارس عنترة بن شداد: «الحرب أولها شكوى وأوسطها نجوى وآخرها بلوى»، إلى جانب قول سيّد الثوار السلميين في العالم المهاتما غاندي الذي سبق الإشارة إليه وهو «إن القوة لا تتأتى إلاَّ عن طريق الحق الذي يحميه القانون..»، خلافاً للمثل الروسي القائل «يوجد القانون حيث توجد القوة» وهو مَثَل يحتاج من جانب الرئيس بشَّار لكي يُعيد ترتيب الأوراق إلى تعديل جذري له. والخطوة الأُولى في هذا التعديل هي ما بدأنا به هذه المقالة بعبارة «إلى العرب دُرْ»، ذلك أن تجربة غير العرب، روسيا بعد إيران، حققت إنجازاً ملحوظاً… إنما على الصعيد السلبي حيث أن أوضاع سوريا إلى المزيد من التفاقم بما في ذلك وضْع سيّد النظام. ولن يُخفّف من أثقال ما هو محتمَل الحدوث التطمين الذي أبلغه علي أكبر ولايتي المستشار الأعلى للمرشد علي خامنئي للرئيس بشَّار لدى زيارته في دمشق يوم السبت الماضي (7 أيار 2016) متمثلاً هذا التطمين بتأكيد ولايتي «إن إيران قيادة وشعباً ستبقى دائماً إلى جانب سوريا وستواصل تقديم كل الدعم الممكن لتعزيز صمودها لأنها تدرك أن ما تتعرض له من حرب إرهابية شرسة لا يستهدف سوريا فقط بل شعوب المنطقة برمتها…».

ومثل هكذا تطمين يضيف المزيد من التأكيد بأن رهان الرئيس بشَّار على الصديق الإيراني البعيد ليس أجدى من العودة إلى الصف العربي الذي لم يقصِّر مشرقاً ومغرباً، وخليجياً بالذات، في حق سوريا إبناً بعد أب. والتاريخ شاهد على ذلك.

أما كيف تكون هذه العودة إلى الفضاء العربي، فإن ردنا على ذلك هو أن طريق الجزائر سالكة، وأن ما يمكن أن يبلوره الرئيس عبد العزيز بوتفليقه في مبادرة لا بدّ سيلقى قبولاً متدرجاً وخروجاً على مراحل من النفق.

وفي إعتقادنا أن الرئيس بوتفليقه عندما أوفد وزير الشؤون المغاربية والإتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية عبد القادر مساهل إلى سوريا وإلتقى الرئيس بشَّار يوم الإثنين 25 نيسان 2016 كان يرمي خيراً بالرئيس بشَّار ويشجعه على ما أوردناه في سياق هذه المقالة. فزيارة المبعوث الجزائري ليست عادية وإنما هي خطوة إستثنائية جاءت في وقت تزايُد العزلة السورية البشَّارية عن محيطها العربي، وتقديم النُصح إلى الرئيس بشَّار بأن يبدأ الإستدارة المتأنية نحو بني قومه. ول

عل مسارعة المستشار ولايتي لزيارة دمشق بعد أسبوعين آتياً من زيارة بيروت والتحادث مع السيّد حسن نصر الله الأمين العام لـ «حزب الله»، إنما هي لقطع الطريق على الخطوة الجزائرية وبحيث يبقى الرئيس بشَّار محلقاً في الفضاء الإيراني.

أعان الله سوريا على هذا التلاعب بمصيرها وأقدارها.