IMLebanon

بأيِّ لبنان تتلاعبون؟

من كلّفكم أنتم… وبإسمنا نحن، نحن الأكثرّية المكبوتة، أن تنأوا بأنفسكم عن لبنان، وتنأوا بلبنان عن لبنان، أنتم أيها المكتوبون على إسم الزعامة والنيابة والوزارة، والمنتحلون زوراً صفة الرئيس.

من كلّفكم باسمنا، أن تشرذموا لبنان التاريخي وتستبيحوا هُوِّيتهُ والإنتماء، وأن تخوضوا به صراعاً محموماً بين الخليفة وأمير المؤمنين.

هل تعلمون بأَيِّ لبنان أنتم تتلاعبون، وتعملون فيه تجريحاً وتشويهاً؟

هو ذلك الضارب في أعماق التاريخ الى ما قبل الآلاف من السنين.

هو جبل الله المقدس كما ورد في العهد القديم…

هو جبل الجنّة كما ورد في «تاريخ» المؤرخ العربي إبن عساكر…

هو أحد الجبال التي بنيت منها الكعبة كما جاء في كتاب «جامع البيان في تفسير القرآن» للإمام أبي جعفر الطبري…

وهو لبنان هنيبعل وأليسار وأوروب وقدموس وقرطاج، ولبنان الرسالة الحضارية والإنسانية كما أعلنه البابا يوحنا بولس الثاني.

من كلّفكم، أن تتلاعبوا بهذا اللبنان التاريخي، وبهذا التاريخ العظيم، وبالذين صنعوا التاريخ الذي صنعكم؟ وكيف تجرأْتم على أن تجعلوا من هذا اللبنان وطناً مثقلاً بالعاهات، مفَّرغاً من تراثه وحضارته ورسالته ورئاسته وسلطاته، ومعزولاً عن محيطه وامتداده الإنساني؟

وكيف تزجُّون به في حمَّى الصراعات والعداوات، وتحرمونه من أدنى استحقاقات الحياة، وترمونه بين المزابل.

عندما قلنا: إنّ من أبرز المواصفات التي يجب أن يتحلى بها مرشحٌ لرئاسة الجمهورية، أن يكتب هو خطاب القسم بقلمه هو وليس بقلمٍ مستعار، فإنما كنّا نعني أن من المعيب ألَّا يُتْقن صناعةَ الحرف مَنْ يرئِس بلداً عمَّم الحرف على العالمين، ومن المعيب أن يتسلم المسؤوليات السياسية والدستورية مَنْ همْ أدنى من مستوى دور لبنان الحضاري والفكري والثقافي.

لو كان المسؤولون وأولياء الأمر، من أهل المعرفة والثقافة والعلم، لكانوا متضلَّعين من التاريخ الوطني، ولَما رموا بهذا التاريخ خارج التاريخ.

ولو كان ممثلو الأمة من غير خريجي معاهد الإقطاع السياسي والميليشياوي لكانوا اعتصموا في المجلس النيابي على غرار ممثلي الأمة الفرنسية عهد الثورة، وأقسموا ألا يخرجوا قبل إنقاذ الدستور، ولكان بينهم «ميرابو» واحد على الأقل يقول لرسول الملك لويس السادس عشر: نحن هنا بإرادة الشعب ولن نخرج إلا على أسنّة الرماح.

كان شريفاً أشرف ريفي، فرحل…

فإذا كان هناك من شرفاء فليشدّوا رحال الإرتحال أياً تكن محاذير الفراغ الدستوري، لأن أخطر ما أصاب لبنان من وبال هو الفراغ من الرجال.