IMLebanon

شهادات للتاريخ

 

كتب الزميل الكبير الاستاذ عبدالرحمن الراشد في صحيفة «الشرق الأوسط» السعودية يقول إنّه جرى اتصال بين رجل أعمال يهودي أميركي قريب من الحكومة الاسرائيلية بالرئيس الراحل حافظ الأسد وعرض عليه التوسّط بينه وبين إسرائيل من أجل اتفاق السلام الذي يعني استرجاع الجولان بالنسبة الى سوريا… فكان جواب الأسد: قولوا للحكومة إنّه لا يأتينا إلاّ ومعه خريطة الانسحاب.

 

ثم جاءه في تسعينات القرن العشرين الماضي عرض ثان مفاده أنّ الاسرائيليين مستعدون للانسحاب من الجولان مع بعض التعديلات هنا وهناك لمصلحة الطرفين… فرفض الأسد «خلاف العشرة أمتار».

 

ذكرني هذا المقال بحديث جرى بيني وبين الصحافي الشهير الاستاذ أنيس منصور الذي زوجته يهودية أميركية وكان من أقرب المقربين الى الرئيس أنور السادات، وأرسله السادات قبل ذهابه الى القدس ليشرف على الزيارة التاريخية.

 

ولأنّ الشيء بالشيء يذكر فلقد كنا في ضيافة الأمير عبدالعزيز بن فهد في المملكة وأمضينا شهراً كاملاً بين جدة والرياض، فكان هناك متسع من الوقت لبحث الشؤون المختلفة.

 

وأذكر أنه روى لي خلفيات زيارة القدس الشهيرة التي قام بها السادات، وأسهب في شرح العرقلة التي تمارسها إسرائيل حيث بات مقتنعاً بأنها لا تريد السلام وليس فيها قائد أو زعيم إلاّ يخاف السلام.

 

وإلى ذلك، يقول الاستاذ عبدالرحمن الراشد في هذا السياق إنّ الرئيس الراحل أنور السادات استطاع أن يتجاوز محاولات تفشيله… فالرئيس المصري الراحل أنور السادات كافح كل محاولات التثبيط المصرية والاسرئيلية التي سعت لوقفه، حتى انه في مفاوضات «كامب ديڤيد» جاءه الرئيس الاميركي الاسبق جيمي كارتر، معتذراً عن تصرفات الجانب الاسرائيلي الذي قرر في الساعات الأخيرة أن يضيف شرطاً يحد من عدد الدبابات المصرية على الارض المصرية سيناء، بعد استعادتها، وقد فاجأه السادات بالقول «موافق» فوراً من دون أن يساومه على العدد، قال: «أنا عارف هم يخططون لإفشال الاتفاق والإحتفاظ بسيناء»، وبعد ثلاثة عقود كانت إسرائيل هي التي تطالب مصر بإدخال الاسلحة الثقيلة الى سيناء لحفظ الامن ضد الجماعات الارهابية، فأدخلت مصر في عام 2011 في المنطقة المنزوعة السلاح ثلاثة آلاف وخمسمائة جندي ومروحيات هجومية وثمانين مدرعة وأربعين دبابة…

 

 

وهذا يذكرني بأريك اولو الصحافي في «لوموند» والديبلوماسي الفرنسي من أصل يهودي الذي جاء قبل وفاة الرئيس حافظ الأسد بشهرين الى سوريا وقال له: لا يجوز من أجل عشرة أمتار في بحيرة طبريا، وهي أصلاً أمتار متحركة مرتبطة بمنسوب غزارة المطر أو ندرة الأمطار… لا يجوز من أجلها ألاّ يتم السلام مع إسرائيل… وأضاف اولو: اليوم لا يوجد زعيم في إسرائيل من قماشة غولدا مائير واسحاق رابين ومناحيم بيغن… لذلك يأمل من الأسد أن يمشي بالمقترح حول بحيرة طبريا… فلم يوافق الأسد مصراً على استرداد آخر ذرة تراب وآخر نقطة مياه من أرض ومياه سوريا.

 

ونعود الى الاستاذ الراشد الذي يسفّه نظرية المؤامرة التي تزعم ان هناك صفقة أبرمت لبيع الجولان «فهذا خارج المعقول ومن تخاريف نظرية المؤامرة».

 

نكتب هذه الوقائع كلها لنقول إنه لا يجوز تشويه سمعة الرئيس حافظ الأسد بطل حرب تشرين الذي كان علمانياً حقيقياً، وكما قال لي سنة 1973 كان همّه الوحيد تحرير الاراضي العربية وقيام دولة فلسطينية على أرض فلسطين عاصمتها القدس.

 

ولولا التدخل الاميركي عسكرياً لمصلحة إسرائيل لتحقق حلم الأسد في استرجاع الاراضي… ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن… فالهم الاميركي محصور في تحقيق مصلحة اليهود.

 

عوني الكعكي