IMLebanon

سلسلة الرتب والرواتب: البديل من الضرائب

في ظل الرفض الشعبي للسلّة الضريبية التي أقرّها مجلس النواب منذ يومين والتي من المفروض أن تؤمّن مداخيل أكثر من كلفة السلسلة، طلب عدد من النواب، المُعترضين على السلسلة إقتراح مداخيل أخرى غير ضريبية. لكن الحقيقة المُرّة أن السلسلة ليست المُشكلة بل العجز في الموازنة.

خمسة أعوام مرّت على أول طرح لمشروع سلسلة الرتب والرواتب على عهد حكومة الرئيس ميقاتي. والظاهر أن هذه الفترة لم تكن كافية لبلورة صورة واضحة عن سلسلة الرتب والرواتب وإمكانيات التمويل في ظل تراجع إقتصادي ومالي.

وإذا كان هناك من إمكانية لمغامرات مالية في العام ٢٠١٢ (مع دين عام يوازي ٥٤ مليار دولار أميركي)، إلا أنه اليوم وبعد مرور خمسة أعوام أصبح من شبه المُستحيل القيام بأي مغامرة مالية في ظل دين عام تخطّى الـ ٧٦ مليار دولار أميركي.

نعم المُغامرة صعبة ولكن هذا لا يعني التخلّي عن السلسلة لأن في ذلك ظلم إجتماعي وتفقير واضح للطبقة الوسطى. وفي التفاصيل أن غياب القدّرة الفعّالة على السيطرة على الأسعار جعلت الحدّ الأدنى للأجور الحالي (٦٧٥ ألف ل.ل.) غير كافٍ للعيش بكرامة بل أن ما تحتاجه عائلة مؤلفة من أربعة أشخاص (أب، أم وولدين) هو مليون ومئتي ألف ل.ل شهريًا.

من هنا، فان فرضية عدم إقرار السلسلة هي فرضية غير واقعية من ناحية أنها ستؤدّي إلى ضغط إجتماعي قد يُطيح بالسلم الإجتماعي ككلّ. يبقى إذا خيار إيجاد تمويل مُناسب لهذه السلسلة.

الضرائب ليست خياراً

الضرائب هي حق للدولة على المواطن وهذا منصوص عليه في النظرية الإقتصادية. فدور الدولة في الإقتصاد هو دور مُنظّم ومُشرّع ومُراقب والأهم دور إعادة توزيع الثروات من خلال الضرائب والخدمات. وهنا تكمن المُشكلة أمام الرأي العام اللبناني، إذ أن هذا الأخير يعتقد أن الخدمات التي تُقدّمها الدولة ليست على مستوى الضرائب التي تفرضها.

إقتصاديًا، الضرائب ستؤمّن الأرضية لرفع هيكلي للأسعار وهذا الأمر خطير في ظلّ ركود إقتصادي حيث أن هذا الإرتفاع سيلجم الإستهلاك والإستثمار (عامودي الإقتصاد).

ماليًا، المُشكلة الفعلية لا تكمن في السلسلة التي تبلغ كلفتها ١٢٠٠ مليار ليرة لبنانية (٨٠٠ مليون دولار أميركي) بل بالعجز في الموازنة والذي إذا ما حذفنا السلسلة والضرائب التي ترافقها تبلغ قيمته 5 مليار دولار أميركي (أي زيادة في الدين العام بقيمة ٥ مليار دولار أميركي).

وما يُثبت ما ورد سابقًا هو أن الضرائب على أرباح المصارف من الهندسة المالية التي قام بها مصرف لبنان العام الماضي، تبلغ ٨٥٠ مليون دولار وهو أكثر من كافٍ لتغطية كلفة السلسلة لهذا العام. بالطبع لن يكون هناك ضرائب مُماثلة العام المُقبل إلا إذا كان هناك هندسة مالية أخرى. لذا المطلوب إستدامة لتمويل السلسلة.

إجتماعيًا، الضرائب ستُقلّل من القدرة الشرائية للمواطن اللبناني وهذا الأمر سيطال بالدرجة الأولى كل الأمور الحياتية مثل السكن والنقل والطبابة والمدارس… التي تزيد من الفقر العام بين ٤ إلى ٥٪.

التوازن المالي للدوّلة

في تصريحه، بعد ترحيل الجلسة النيابية المخصصة لاستكمال دراسة الايرادات، قال الرئيس الحريري أنه مع إقرار السلسلة ولكن يجب تثبيت هذا الحق من خلال تثبيت الموارد.

وهذا القول هو قول حق. لكن المُشكلة الأساسية في هذا الأمر أن النشاط الإقتصادي هو الوحيد الذي يضمن تثبيت الموارد. فالضرائب التي تمّ إقرارها في مجلس النواب هي بالدرجة الأولى على النشاط الإقتصادي وبالتالي ما النفع من وضع هذه الضرائب إذا تراجع هذا النشاط؟

النظرية الإقتصادية لا تعتبر توازن الميزانية العامة للدولة (أي عجز الموازنة) المقياس المناسب للسياسة المالية لأنها وليدة عاملين أساسيين هما سياسة الديون للسنين الماضية – مما ينعكس في خدمة الدين العام، ووضع الإقتصاد الحالي في الدورة الإقتصادية.

الانضباط في المالية العامة يمرّ عبر القيود على ميزانية الدولة التي تفرض تمويل النفقات الإجمالية في الميزانية لكل سنة مالية من الضرائب أو من الإصدارات لسندات خزينة. وهذا الواقع يُمكن ترجمته من خلال المعادلة الحسابية التالية:

الإصدارات الجديدة (أو زيادة الدين العام) + الإيرادات الضريبية + إصلاحات = خدمة الدين العام + الإنفاق العام

وهذا يعني أن الدين العام يرتفع إمّا لأن الميزان الأوّلي أقلّ من خدمة الدين العام، أو لأن الفجوة بين سعر الفائدة الحقيقي ومعدل النمو يزيد. وهذان الأمران ينطبقان على لبنان، لذا نرى وتيرة إرتفاع الدين العام سريعة جدًا نسبة إلى حجم الإقتصاد اللبناني (١٠٪ سنويًا)!

لذا فإن زيادة الضرائب ستُقلّل من مُعدّل النمو، وبالتالي فإن العجز سيزيد مما يعني إرتفاع الدين العام حكمًا.

من هذا المُنطلق، نرى أن المُشكلة كلها تكمن في مُستوى الإنفاق للدولة اللبنانية الذي يُعدّ السبب الأول للمشاكل المالية التي تعترض مالية الدولة اللبنانية.

بندان أساسيان للمعالجة

في العام ٢٠١٥، أنفقت الدولة اللبنانية مدخولها على خدمة الدين العام وعلى الأجور وبالتالي كل النفقات الأخرى تحوّلت إلى عجز تترجم بزيادة في الدين العام. المُشكلة أن خدمة الدين العام لا يُمكن المسّ بها ولا يُمكن خفضها بسهولة، لذا يبقى أمامنا البندان الأساسيان اللذان يُشكّلان مدخلا لحلّ مُشكلة الإنفاق: كتلة الأجور ودعم مؤسسة كهرباء لبنان.

تُشير البيانات الى أن كتلة الأجور في القطاع العام تضاعفت بين العامين ٢٠٠٨ و٢٠١٥ وبالتالي فإن نصف مدخول الدولة يذهب إلى الأجور (أرقام العام ٢٠١٥). من هذا المُنطلق يتوجّب على الحكومة وقف التوظيف العشوائي في الحكومة وذلك أقلّه لفترة ثلاثة أعوام.

أمّا في ما يخص دعم مؤسسة كهرباء لبنان، فقد بلغت قيمة التحاويل من العام ٢٠٠٨ وحتى اليوم ١٦ مليار دولار أميركي أي ما يوازي ٤٦٪ من الدين العام. مع العلم أن ٤ مليارات دولار أميركي كانت كفيلة بتأمين كل حاجة لبنان من معامل كهرباء حديثة.

إن مُشكلة الكهرباء يُمكن حلّها بالطرح الذي تقدّمت به القوات اللبنانية والذي ينصّ على تحرير الإنتاج. وهذا الطرح لا يُكلّف الدولة اللبنانية من ناحية أن قطاع المولّدات الخاصة له قدرة إنتاجية توازي قدرة الدولة وبالتالي يُمكن وضع خطّة لا تتعدّى العام لتحرير هذا القطاع كليًا مما يعني توفير ٢٤٠٠ مليار ليرة لبنانية سنويًا.

أيضًا، يتوجّب على الدولة فرض سلطتها المالية على مرفأ بيروت من خلال وضع كتيبة تابعة للجيش اللبناني لمراقبة كل العمليات في المرفأ وهذا بإعتقادنا كفيل بتأمين ما لا يقل عن مليار دولار أميركي سنويًا.

على صعيد التهرّب الضريبي وخصوصًا التهرب من الضريبة على القيمة المُضافة، يتوجب ملاحقة الإستثناءات التي تطال كبار المُكلّفين إضافة إلى التشدّد في جباية هذه الضريبة خصوصًا أن الضريبة على القيمة المُضافة هي المدخول الأول للدولة.

في الختام، إن إقرار السلسلة مع تمويلها لهذا العام من الضرائب على أرباح المصارف من الهندسة المالية هو أمر مقبول على أن يتمّ تمويلها في الأعوام المُقبلة من الإجراءات الآنفة الذكر.