IMLebanon

مبروك إجانا موزة»

سألَ ولدٌ أمَّه عن المخزون العجيب الذي تنهَل منه محطّات التلفزيون اللبنانية هذه الكمّيات التي لا تنضَب من مشاهد القتل والسخافة وقِلّة الثقافة، فأجابَته: «ماما، وضعَ الله هذا الشرق في طنجرة ونسيَ أن يطفئ النار تحتها، ومِن عجلتِه نسيَ أيضاً أن يرشّ بعض الوعي فوقَ رؤوسنا»، وهكذا فُرِضَ علينا صباحاً ومساءً أن نأكلَ كومَةً من القذارة بإبرة، فلا نحن نشبع ولا القذارة تنتهي.

طيّب ماما، ولماذا تمنعينَني دوماً من مشاهدة التلفزيون؟ سأل الولد أمَّه، فأجابته: «لأنني أخاف عليك من الموز». أيّ موز تتحدثين عنه؟ أجاب الولد متفاجئاً، أنظري إلى جميع رفاقي، يشاهدون التلفزيون كلّ يوم، وما سمعتُهم أبداً يتحدّثون لا عن موز ولا عن لوز.

يا بُنَيّ، قالت الوالدة، ليس كلّ ما يفعله أصدقاؤك يكون بالضرورة صحيحاً، «دخلك» ماذا كنتَ ستفوّت لو لم تشاهِد التلفزيون سوى بعض نشرات الأخبار وبرامج الحوارات السياسية في الصباح وعند الظهر وفي المساء.

وإذا أنهيتَ فروضك بعد الظهر، فلن تجدَ سوى مسلسلات لبنانية ركيكة أو مسلسلات أجنبية مدبلجة أسخف من بعضها. وفي السهرة، لو بقيتَ صاحياً، فهنالك المواد الدسمة من برامج ترفيه وتسلية وكوميديا واجتماع تحتوي على كلّ القرَف والتخلّف الذي يمكن أن ينتجَه مجتمع لم يعُد يكثرث لثقافته.

نحن يا ماما، قالت الوالدة، إعلامُنا تمادى كثيراً في السياسة حتى بات شريكاً في الخبَر، وانهبلَ في الكوميديا حتى باتت الضحكة على أعماله جريمة، وفهمَ أصول البرامج الاجتماعية بطريقة عوجاء حتى أعطى طعماً مرّاً لكلّ مصيبة من مصائبنا. وماذا عن الموز؟ سأل الولد، لم أفهم علاقتَه بالموضوع.

ولا أنا أيضاً، ردّت الوالدة، ولكن ليلة ظهور الموزة في إحدى البرامج التلفزيونية، انكشفَ الكثير من خبايا الإعلام المرئي الذي زحَط برُمَّته على قشرة موزة أكلناها مرغمين، واتّضحَ لكثيرين مستوى الاستخفاف الذي تتعامل به بعض البرامج مع عقولنا نحن المشاهدين. برامج أرادت إقناعَنا أنّها تخاف على ثقافتنا من موزة، وهي لم تخصّص يوماً مساحة، ولو ضئيلة، لأيّ شكل من أشكال الثقافة.

وأنا لم أعد أتذكّر المرّة الأخيرة التي عرضَت فيها أيّ من المحطات اللبنانية وثائقياً أو فيلماً كلاسيكياً أو برنامجاً تثقيفياً يتعلّم منه الصغير فينا أو الكبير شيئاً جديداً غير أخبار الفنّانين واستراتيجيات السياسيين وهبل الكوميديين.

نظرَ الولد إلى أمّه، وهَزَّ رأسه مبتسماً، وركض خارجاً يبحث عن رفاقه ويصرخ عالياً : «التلفزيون مدرسة، إذا أعددتَه أعددتَ شعباً طيّبَ الأعراق».