IMLebanon

الحرب كونية بين الإمامة والخلافة بين الجمهورية والدولة!

عدد المسلمين في العالم أكثر بقليل من 1.5 مليار نسمة، ما يعني أن شخصاً من مجموعة أربعة أشخاص في العالم هو مسلم. حوالي 90% من المسلمين هم سنة، وحوالي 10% شيعة، مع ملاحظة أن نسبة الشيعة في الشرق الأوسط أكثر من 10% . عدد السنة هو حوالي 1.3 مليار نسمة في حين إن عدد الشيعة لا يتعدى ال150 /200 مليون.

الخلاف السني-الشيعي موجود منذ فجر الإسلام ويتعلق بمسألة من يخلف الرسول محمد في قيادة الأمة الإسلامية! هذا الخلاف مستمر حتى يومنا هذا. وقد تفجر في عدة حقبات من التاريخ. وقد شهد العالم الإسلامي نشوء إنشقاقات وفرق ومجموعات تعتمد العنف غالباً تحت مسمى الجهاد، كما شهد صراعات دامية بين مجموعاته المذهبية الكبيرة والصغيرة. غير أنه ظلت السلطة المركزية على العموم بيد الغالبية السنية في إطار الخلافة.

الفارق بين الأمس وحتى الأمس غير البعيد واليوم، هو أن صراعات اليوم تتم في عالم معولم، مترابط، متفاعل، متبادل التأثير وبسرعة فائقة بين بلدانه وشعوبه ومجموعاته البشرية…، وفي كل المجالات (المعلوماتية، المعلومات، الإعلام، الأمن، السياسة، الأيديولوجيا، الدين، الإقتصاد، الإجتماع، المال، التداخل السكاني، ووجود المسلمين في أوروبا وأميركا وكافة بلدان العالم…)، وبالتالي، الصراعات داخل العالم الإسلامي وصراعات هذا العالم أو بعضه مع الآخر المختلف، باتت غير محصورة في بقعة جغرافية محددة وباتت نارها قابلة للإنتقال سريعاً إلى كافة أنحاء المعمورة!

أضف إلى ذلك أن العالم الإسلامي، بالإضافة إلى قوته الديمغرافية الضخمة والمتزايدة بإضطتراد، بات يتمتع بإمتلاكه أكبر مخزون للطاقة في العالم ولإمتلاكه قوة إقتصادية ومالية لا يستهان بها، فضلاً عن عناصر قوة أخرى لسنا في وارد عرضها في هذا المقال. مما يجعل أي تطور في العالم الإسلامي «أكان سلبياً أو إيجابياً» أو أي تطور منطلقاً منه، ذات تأثير بالغ على التطورات في كافة بلدان العالم.

من ناحية أخرى، 80% من الشيعة يتبعون المذهب الجعفري الإثني عشري (موجودون خاصة في إيران والعراق ولبنان) ويعتبرون أن الإمام المهدي (الغائب ولكن الحي) هو القائد الوحيد للأمة الإسلامية جمعاء وليس فقط للشيعة، وهو، في واقع حاله، الإمام رقم 12 من ذرية  علي إبن أبي طالب، رابع الخلفاء الراشدين، إبن عم النبي محمد وزوج إبنته فاطمة.

الجمهورية الإسلامية الإيرانية ترتكز على نظرية ولاية الفقيه لحل مسألة الفراغ العملي في «قيادة الأمة» المتأتي من غياب الإمام المهدي المنتظر، وهي تؤكد على ضرورة وجود من ينوب عنه في مرحلة «غيبته الكبرى»، أي الفقيه لأن الله، وفقاً لهذه النظرية، لن يرضى بأن يترك أمة المسلمين دون هداية. لذا، تتركز السلطة بشكل كامل ومطلق في يد الفقيه الذي عليه تسيير أمور الأمة وفقاً للشريعة الإسلامية.

مما يعني أن لا معنى للإعتدال والإصلاح من داخل النظام الإيراني أو أن من الخطأالجسيم، كما يفعل الغرب، التعويل على ثورة خضراء يخوضها بعض أركانه أو على الرئيس روحاني و فريقه وسياسة «الإبتسامة» التي يتميز بها: فهو لين بقدر ما يسمح له به الفقيه وبما يخدم مصلحة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بالمحتوى الذي يعطيه لها الفقيه ذات الولاية.  إن أول من مارس ولاية الفقيه كان الخميني والثاني هو الخمينئي.

  وهنا، لا بد من الملاحظة أن للجمهورية الإسلامية الإيرانية وجه فارسي ووجه إسلامي وأن الوجه الفارسي (بما يمثل من حضارة عريقة وموهبة سياسية وسلطوية موروثة من زمن الأمبراطورية الفارسية) هو في خدمة الوجه الإسلامي وليس العكس!

ومن تجليات هذه الحقيقة إسم الدولة الإيرإنية: فهي الجمهورية الإسلامية الإيرانية (أو الجمهورية الإسلامية في إيران) وليس الجمهورية الإيرانية الإسلامية. فهي إسلامية ومن ثم إيرنية! في البداية، ثمة جمهورية إسلامية في إيران، ومن ثم تتوسع إلى العالم كله مروراً بثلاثة دوائر: دائرة أولى تحتوي على البلدان ذات الوجود الشيعي الوازن، دائرة ثانية تحتوي على البلدان ذات الغالبية المسلمة، ودائرة ثالثة تحتوي على باقي البلدان!

فلهذه التسمية دلالتها من حيث التأكيد على جهادية الجمهورية الإسلامية الإيرانية، المتبلورة بإعتمادها سياسة تصدير الثورة. وقد كونت لهذا الهدف الأداة اللازمة لتحقيقه عملياً، أعني فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الذي يقوده قاسم سليماني.

الغرب، على وجه العموم، يقارب التعاطي مع إيران الإسلامية بتغليب وجهها الفارسي البراغماتي على وجهها الإسلامي الأيديولوجي الذي يجعل منها كياناً إسلامياً جهادياً بإمتياز! ما يجعل سياسة الغرب تجاهها خاطئة مئة بالمئة!

أما في التاريخ الحديث، فقد تأسست الجمهورية الإسلامية الإيرانية عبر الثورة الإسلامية التي قادها الخميني وأطاحت بالشاه في شباط 1979. في المرحلة ذاتها، دعمت أميركا الجهاديين السلفيين في حربهم ضد الإتحاد السوفياتي في أفغانستان في إطار الحرب الباردة والحروب بالإنابة، مستغلة الإسلام في حربه مع الشيوعية. كما شاركت السعودية وباكستان والصين في دعم الجهاديين. فكان من تداعياته لاحقاً ولادة القاعدة بقيادة أوساما بن لادن، وبالتالي، في آب 2014، نشوء الدولة الإسلامية أو الخلافة الإسلامية مع قائد توج نفسه خليفة: أبو بكر البغدادي.

المشهد اليوم هو كالتالي: زلزال في الشرق الأوسط قد يطيح مجدداً بأنظمة وشعوب ودول!

ولكن، بغض النظر عن جزئيات المشهد وتفاصيله، وهي كثيرة ومتداخلة ومعقدة، فالتناقض الرئيسي الذي يحكم سيرورة التناقضات الأخرى وبالتالي مسار الأوضاع في الشرق الأوسط ومصيره، هو بين الإمامة الشيعية (ولاية الفقيه والجهادية الشيعية) والخلافة السنية على طريقة القاعدة الداعشية (أي السلفية الجهادية الأقصى تطرفاً وليس السلفية التبشيرية أو السلفية السياسية)، وهو عملياً بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والدولة الإسلامية. والفرق بين الجمهورية والدولة أن الأولى تجاهد من إيران لتتمدد إلى العالم في حين أن الثانية تجاهد من العراق وسوريا لتتمدد إلى العالم!

وهنا لا بد من إبداء بعض الملاحظات:

أولاً، ثمة علاقة جدلية بين الجمهورية والدولة بحيث أن وجود كل منها في ساحات الصراع يبرر وجود الأخرى وتصاعد حدة صراعهما يجذر قواعدهما الإجتماعية وبيئاتهما الحاضنة.

ثانياً، تطور الصراع فيما بينهما يحرج الإعتدال السني والشيعي ويضعفهما لحساب الجهاديين الجذريين.

ثالثاً، غير صحيح القول أن الحرب بين الجمهورية والدولة يضعفهما لصالح المعتدلين المسلمين أو لصالح الغرب أو روسيا أو أي كيان غير مسلم! بل العكس صحيح! فثمة قدرة فائقة لديهما بالتنافس والتحارب، وفي الوقت عينه، محاربة الإستكبار أو الصليبيين أو الآخر المختلف!

رابعاً، من الخطأ الجسيم مواجهة الدولة بالجمهورية، ولو «بالتنسيق غير العلني أو عبر تقاطع المواقف والأفعال» معها، لأن هذا الأمر يقوي الدولة ولا يضعفها، كما يضعف الإعتدال السني والشيعي دولاً وشعوباً، فضلاً أنه يخلف الغرب مع حلفائه.

خامساً، الصحيح الصحيح هو إستراتيجية لمواجهة الجمهورية والدولة بالتوازي وفي آن معاً (دون أن تعني بالضرورة كلمة مواجهة الحرب العسكرية).

سادساً، التراخي الدولي في مواجهة جدية للجمهورية والدولة معاً سوف يؤول بالضرورة، عاجلاً أو آجلاً، إلى حرب كونية بينهما وعلى الآخرين.

وهل من يسمع ويهتدي؟؟!!