IMLebanon

شريكنا “العدو الغاشم”

 

لا تخوين ولا إدانة بل نظرة اشمئزاز وريبة. فعلياً، هو اتفاق بنكهة التنازل يحوّلونه زوراً إنجازاً وطنياً. إحتراماً لعقول الناس يجب ألا يسمُّوه انتصاراً فرضته إرادة فخامته الصلبة والمسيّرات الرادعة. أرادوا الترسيم وحقّقوه. لم يستشيروا إلا نفسهم وكواليس علاقاتهم الدولية، ولم يعرضوه على برلمان أو شعب للاستفتاء. ليس سراً على الإطلاق أن أسبابه إقليمية متعلقة بمصالح إيران، ومحلية قوامها حاجة “المنظومة” إلى تعويم نفسها بعد تسبّبها بالإنهيار.

 

حصل ما حصل، قد يكون الاتفاق في مصلحة لبنان إذا أديرت موارد استخراج الغاز بما يمليه القانون والأصول، وقد يتحوّل نقمة لو طبّقت عليه معايير أهل السلطة العامرة بتسخير النفوذ ومقدّرات الدولة للمحاصصة والفساد… وبناء أحدث “الفيلّات”.

 

الشكوك مشروعة. ولا يُلام اللبنانيون على الثقة المعدومة بـ”منظومة الترسيم”، خصوصاً أن التفاوض بدأ من “خط النهاية” وأن خسارتنا البحرية المحقّقة من “التهريبة” أقل بقليل من خُمس مساحة لبنان.

 

حبل التضليل قصير. هذا الترسيم ليس اتفاقاً تقنياً يشبه ما جرى لسنوات بين الوفدين العسكريين في الناقورة، ولا صيغة غير رسمية تشبه “تفاهم نيسان”. حتى المبتدئون بالقانون الدولي يعتبرون أن ما يسري على “اتفاق هوكشتاين” ينطبق على المعاهدات. هناك تواقيع دولتين على مستوى أرفع مسؤول في السلطة التنفيذية، وتوثيقٌ لدى الأمم المتحدة، وضمانةُ واشنطن الموازية لكل التعهّدات. فهل توَقَّع أي عاقل عناقاً حاراً وفتحاً لبوابات الحدود وتسريحاً للقوة الدولية العاملة في جنوب لبنان؟.

 

لإنكار خطوة “التطبيع البحري” والانفصال بين الواقع والخطاب جذورٌ ضاربة في تاريخ المنطقة ومنطق الممانعة. أمس تخلّينا رسمياً عن الحقوق التي يضمنها الخط 29، ولا يُذكِّرنا اعتبار المنظومة هذا الترسيم انتصاراً كبيراً إلا بـ”أحمد سعيد” الذي كان طوال حرب “الأيام الستة” (حزيران 1967) يعلن من “صوت العرب” إسقاط الطائرات الإسرائيلية بالمئات فيما مطارات مصر حُطمت كلها خلال الساعات الأولى للحرب. كانت هزيمة نكراء سميناها “نكسة” بعدما “أدهشنا العالم بتراجعنا” في سيناء والجولان.

 

ومن “لاءات الخرطوم” إلى “جبهة الصمود والتصدي” وصولاً إلى يومنا الحاضر، حلَّ الكلام الصدئ مكان الحقيقة، وازدهر الخطاب الخشبي المعادي للامبريالية متوسّلاً قمع الحريات وتثبيت أنظمة الاستبداد. العراق “الجاهز لتدمير نصف إسرائيل” بـ”الكيماوي المزدوج” انتهى قائد بعْثِه في حفرة بعدما احتل جارته الكويت. و”قلب العروبة النابض” الذي تمرَّس بتخوين كل العرب بحجة تحرير فلسطين أرسل نصف مواطنيه الى القبور أو النزوح، وهلمَّ جرّاً… أما إيران التي ورثت هذا الخطاب وتُفاخر بالسيطرة على أربع عواصم عربية فتتلقى الضربات في محيط مطار دمشق بينما يباهي قادتها العسكريون بقدرتهم على إبادة “الكيان الصهيوني” في سبع دقائق.

 

الانتصار الذي تدّعيه “الممانعة” في لبنان لا يختلف بشيء عما سبق من ادعاءات. وقَّعت بقلم أداتها ميشال عون معترفة خطياً بدولة إسرائيل، فيما موجبات الايديولوجيا والهيمنة الداخلية توجب الإصرار على القول إننا وقَّعنا مع “فلسطين المحتلة” ولم نعترف بـ”العدو الغاشم” الذي يشاركنا أرباح حقل قانا… بعدما أهديناه كاريش.