IMLebanon

صحّ النّوم

 

إستفاق أخيراً الرّئيس نجيب ميقاتي، على ضرورة إعادة إحياء إتّفاق الهدنة لعام 1949، وتطبيقه، وإعادة الوضع في الجنوب، إلى ما قبل العام 1967. كما طالب بإعادة مزارع شبعا التي كانت تحت السّيادة اللّبنانيّة، قبل احتلالها، والعودة إلى خطّ الإنسحاب الأسبق، بموجب إتّفاق الهدنة.

 

من حقّنا أن نفرح. هذه هي المرّة الأولى التي تخرج فيها الحكومة، بموقف وطني، يخدم مصلحة لبنان، بعيداً عن المزايدات، ولعبة المصالح السّياسيّة. إتّفاق الهدنة، هو قاعدة كلّ الحقوق الوطنيّة، في وجه المجتمع الدّولي والإقليمي. وإضافة تعبير «إعادة الوضع في الجنوب، إلى ما قبل عام 1967»، إنّما يعني باختصار، إخراج لبنان من لعبة الأمم، ووقف استخدامه كما كان يطالب السّفير غسان تويني، كساحة صراعات، وحروب للآخرين.

 

لكن، وقبل كل شيء، هو تحديد قانوني واضح، لحدود لبنان مع إسرائيل، المعترف بها دوليّاً. هذا التّعريف مسند إلى الشّرعيّة الدّوليّة، حيث أنّ حدود لبنان المعترف بها دوليّاً، مرسّخة في صكوك الأمم المتّحدة، وقبلها في صكوك عصبة الأمم، منذ عام 1923. وقد تمّ التّوافق على هذه الحدود بين لبنان وإسرائيل، عند الإتّفاق المتبادل على اتّفاقيّة الهدنة عام 1949. وتمّ تحصين اتّفاق الهدنة بقرار من مجلس الأمن في حينه، اعتمد وفقاً للمادّة 40 من الفصل السّابع من الميثاق.

 

هذا يعني أنّنا لسنا بحاجة لإعادة ترسيم الحدود البرّيّة. بل المطلوب تكليف خبراء من الجانبين، في إطار الهيئة العسكريّة المشتركة، التي ينصّ عليها اتّفاق الهدنة، لتأكيد هذه الحدود فنيّاً. فإذا وقع أيّ تباين بهذا الصّدد، فإنّ من واجب مجلس الأمن، وفقاً للمادّة 36 من ميثاق الأمم المتّحدة، إحالة المسألة إلى محكمة العدل الدّوليّة. كما يمكن التّوافق على إقامة هيئة تحكيم دوليّة، كما حصل بين مصر وإسرائيل بشأن طابا.

 

كلّ قرارات الأمم المتّحدة بشأن لبنان، تشير صراحة أو ضمناً، إلى اتّفاق الهدنة. ما زال مراقبو الهدنة عاملين ضمن قوّات الطّوارئ في جنوب لبنان. وتمّت المفاوضات حول خطّ ترسيم الحدود البحريّة، في إطار اللّجنة العسكريّة المشتركة.

 

ومن المؤسف أنّ السّياسيّين لم يستمعوا إلى صوت ضبّاط الجيش اللّبناني الذين نبّهوا إلى ضرورة اعتماد خطّ الترسيم بدءاً من النّقطة التي حدّدت في اتّفاق الهدنة، أي في إطار تحديد الحدود المعترف بها دوليّاً.

 

إنّ الأخذ بالخطّ الأزرق كإطار تفاوضي لترسيم الحدود البحرّيّة، كان انتهاكاً لحقوق لبنان القانونيّة. فالخطّ الأزرق خطّ أمنيّ، وليس خطّ حدود.

 

كما أنّ الإشارة إلى تفاهم نيسان لعام 1996 كإطار تفاوضي آخر، كان سياسيّاً أكّد أنّ التّفاوض، كان يجري مع قوى الأمر الواقع. تفاهم نيسان تمّ بعد مجزرة قانا عام 1996، وبمفاوضات أميركيّة- إسرائيليّة- أمميّة، مع قوى الأمر الواقع في الجنوب.

 

لقد نبّهنا مراراً، إلى أنّ هذه الإتّفاق هي حصانة لبنان الضّعيف أمام جبروت القوّة. كان الأمر يحتاج إلى رجال دولة ينطقون به. لكن، ربّما أنّ تاريخ الإتّفاق الذي يعود إلى عام 1949، أبعده عن ذاكرة السّياسيّين ومعظمهم من جيل الحرب الأهليّة، الذين جرفتهم لعبة الحرب، فتناسوا أسبابها وكيفيّة انزلاق لبنان إليها. ما زالت تأخذنا حالة الظّلم القائمة على تراب فلسطين، فنحوّل وطننا، إلى حالة ظلم أخرى. لا يجب أن يستمرّ الصّراع بين حقّ السّيادة الطّبيعي للبنانيّين، في وطنهم، وحقوق الإنسان العادلة للفلسطينيّين. سيادة لبنان واستقلاله وحرّيته، دعامة قويّة لقضيّة فلسطين. لبنان قبل عام 1967، كان النّبض الخافق في العالم، للحقوق المشروعة للشّعب الفلسطيني.

 

من حق أهلنا في الجنوب، أن ينعموا أيضاً بالسّلام والطمأنينة. كبارهم يذكرون ولا شك، واقع الجنوب قبل عام 1967. أنا من الذين شهدوا في حينه، حالة السّلام التي كانوا ينعمون بها، فرأيت بأم العيّن، حركة الحياة الطبيعيّة على جانبي الحدود، عندما رافقت والدي وكان قاضياً في بنت جبيل وتبنين، في رحلة على الطّريق الحدودي ما بين بنت جبيل والنّاقورة. وقد هبّ أهلنا في الجنوب، في النّصف الثّاني من سبعينيّات القرن الماضي، إلى مواجهة مع أخوتنا الفلسطينيّين، تعمّدت بالدّماء، بعد تحوّل قراهم إلى ساحات حرب يسودها التّدمير والخراب. قد يكون الواقع اليوم مختلفاً، لكنّنا نثق أنّ أهل الجنوب، ما زالوا تواقين إلى السّلام، وإلى الحياة الطبيعيّة.