IMLebanon

الديموقراطية في كندا والطائفية في لبنان..!

 

– مونتريال

السياسة في كندا لها مفهوم ولون ونكهة تختلف كثيراً عما نعرفه من ممارسات سياسية في لبنان, وبلدان الشرق الأوسط, بل وكل العالم الثالث الأكثر تخلفاً!

المدرسة البريطانية ما زالت هي الطاغية على تركيبة الدولة الكندية, ومؤسساتها الدستورية, حيث ما زالت هذه الدولة الكبرى تخضع للتاج البريطاني, ومازالت الحكومة الكندية تحمل لقب «حكومة صاحبة الجلالة», والهيئة التشريعية تتألف من مجلس النواب ومجلس العموم ومجلس الشيوخ, (مجلس اللوردات في بريطانيا), والنظام السياسي الديموقراطي يقوم على قاعدة الأكثرية تحكم والأقلية تُعارض, وثمة حزبان رئيسيان, الأحرار والمحافظين, يتناوبان على السلطة بعد كل إنتخابات نيابية, حيث يتولى رئيس الحزب الفائز بالأكثرية السلطة التنفيذية ورئاسة الحكومة.

تقتصر «نجومية» الإنتخابات على رئيسي الحزبين الرئيسيين, وبشكل أقل بكثير بالنسبة للأحزاب الصغيرة الأخرى, بما فيها حزب الخضر, ويتم تشكيل اللوائح الإنتخابية على أسس حزبية, حيث يتولى كل حزب إختيار مرشحيه من الناشطين في الحقول الإجتماعية والإقتصادية والأكاديمية المختلفة, وتتولى الهيئات الحزبية تنظيم الحملات الدعائية واللقاءات الشعبية, وكل ما يتصل بالنشاطات الإنتخابية.

الناخب في كندا لا يهمه من البرامج الإنتخابية للأحزاب المتسابقة في الإستحقاق الإنتخابي إلاّ ما تحتويه من تقديمات وخدمات جديدة أو إضافية, خاصة في قطاع الصحة أولاً, ثم في مجال التعليم, وتأتي المسائل الأخرى في الإهتمامات الأدنى, مع تعليق أهمية خاصة على أيجاد فرص عمل للشباب, والحفاظ على نسبة معينة من النمو سنوياً.

لا السياسة الخارجية, ولا التنافسات الإتنية, ولا الإعتبارات المناطقية, ولا حتى العلاقات الشخصية, تلعب دوراً حاسماً في تحديد خيارات الناخب الكندي, لأن ما يهمه أولاً وأخيراً, ضمانه الصحي, وتأمين تعليم أولاده, والراتب التقاعدي وضمان الشيخوخة, وما عدا ذلك, لا يعني المواطن الكندي لا من قريب ولا من بعيد, حتى المسائل الدفاعية بقيت في أدنى الإهتمامات الرسمية والشعبية, إلى أن برزت التهديدات الكورية الشمالية النووية للجارة الأميركية الكبيرة, فتبين للكنديين, حكاماً ومحكومين, أن بلادهم ستكون في خطر داهم, في حال تطورت المواجهة بين واشنطن وبيونغ يانغ, وتم إستعمال الصواريخ العابرة للقارات.

اللبنانيون في كندا لم يتخلصوا من «سوسة» السياسة في موطنهم الجديد, فأنضم العديد منهم إلى أحد الحزبين الرئيسيين، وخاضوا الإنتخابات على لوائحهم, حيث يوجد في البرلمان الحالي اربعة أعضاء من أصل لبناني, هم : زياد أبو لطيف من حزب المحافظين المعارض, وكل من: فيصل الخوري وإيفا ناصيف ومروان طبارة من حزب الأحرار الحاكم, فضلاً عن عشرات الأعضاء في مجالس المقاطعات الكندية وبلديات المدن الرئيسية.

وفي دولة فيدرالية, مترامية الأطراف (حوالى ١٠ ملايين كلم مربع), تبقى الكفاءة، وعمادها الإختصاص والخبرة والسمعة الحسنة, هي مقياس الإختيار الحزبي والنجاح في العمل السياسي, هلى عكس ما نحن نعانيه في لبنان, من شرور الإستزلام والمحسوبية والتبعية الشخصية والمهينة, في الممارسات السياسية, وفي شق الطريق نحو السلطة التي تحولت إلى مرتع للفساد والفاسدين, بسبب غياب المعايير العلمية والأخلاقية في إختيار مرشحي الأحزاب والتيارات السياسية المختلفة . تحتل المرأة مكانة لائقة في التركيبة السياسية, حيث تحتل النساء ربع المقاعد في البرلمان, ونصف المقاعد الوزارية تقريباً ( ١٦ وزيرة من أصل ٣٤ أعضاء الحكومة الحالية), ومع ذلك ثمة أصوات نسائية تنادي بالمناصفة مع الذكور, لأن المجتمع الكندي يتكون من نسب متقاربة في العدد بين الأناث والذكور!

ولكن يبقى أروع ما في الديموقراطية الكندية, هو هذا القبول المريح والعملي للآخر القادم من أطراف العالم, وإفساح المجال له للإنخراط في مجتمعه الجديد, وإعطائه الفرصة لممارسة حقوقه بالمواطنة كاملة, في الخدمة العامة, حيث يشكل الأتنيات القادمة من بلدان أفريقية وآسيوية فقيرة نسبة محترمة في المجالس التشريعية والبلدية, كما يتولى عدد من الهنود والأفارقة مناصب وزارية, وتضم حكومة جوستان ترودو الحالية وزيرة من أصول أفغانية!

الواقع أن التجربة الكندية الناجحة تستحق أن تكون عبرة للبنانيين العاجزين, حتى الآن عن مغادرة دولة الطوائف, والشروع ببناء الدولة الديموقراطية الحديثة, التي لا تعترف بغير الكفاءة والولاء للوطن, في معايير العمل الوطني والسياسي!

فهل من يسمع ويعمل قبل فوات الآوان؟