IMLebanon

طاولة الحوار والملك عمرو بن هند

 

الرئيس ميشال عـون الذي رشّح لبنان لدى الأمم المتحدة ليكون مقـرَّاً حضارياً رسمياً لأكاديمية الإنسان للتلاقي والحوار.

 

دعا إلى طاولة حوار لبنانية في لبنان، والحضارة فيه تُحتضـرُ شهيدة الإغتيال، وقـد تحـوّل إلى «أكاديمية» متوحّشة لحـوارٍ وطنيّ يتأجّج مع سقوط «القسطنطينية» شجاراً محموماً حـول أجناس الملائكة وأجناس الشياطين.

 

ما رأيكم، والشيء بمثلهِ يُـذكر، لو تذكّرنا تلك الطاولة الحوارية التي جـرَتْ في العصر الجاهلي، مع أنّ الطبقة السياسية عندنا لا تعرف من آداب الجاهلية إلاّ الغزو، وتجهل ما تتميّـز بـهِ من شر فٍ وعـزّةِ نفس وإغاثةِ ملهوف والجود بالمعروف.

 

هكذا، دعـا ملك «الحيرة» عمرو بـن هنـد قبيلتَيْ: «بكْر وتغلب» إلى طاولة حـوار في القصر، لمعالجة النزاع الناشب بينهما، وكان يرمي إلى إذلالِ عنفوان شاعر تغلب عمرو بـن كلثوم، فدعا أيضاً أمَّـهُ «ليلى» إلى ضيافة «هنـد» أمّ الملك.

 

وفي الطاولة كانت المكيدة: طلبتْ هنـد من ليلى أنْ تناولها الطَبق عن المائدة فصرخت: «وَا ذِلاّه يا لَتغلْب»، وحين سمع عمرو بـن كلثوم صوت أمّـه هذا، تناول سيفاً وضرب بـه رأس الملك.

 

سلمَ رأسُ فخامة الرئيس، سلَم عاليّاً، إنما القصدُ من هذه الرواية هو أنّ أيَّ حوار لا يمكن أنْ يجمع بين متخاصمين تحت ستار إذلال الاَخر.

 

ولعلّ أخطر ما نخشاه من حوار القصر الجمهوري ، في أنْ يعمد أحـدُ الخبثاء إلى التعرّض للنائب جبران باسيل بإساةٍ نابية فيضطرّ فخامة الرئيس إلى استعمال سيف عمرو بـن كلثوم.

 

أيَّ جدوى نرجو من الحوار في القصر إذا كان المتحاورون مَرضى بسوء الفهم الوطني، أوْ إذا كان الحوار مادةً إستهلاكية أوْ إختبارية، كأنْ يحتفظ كـلُّ فريق بموقعه الدفاعي، وهو يتحيّـن الفرصة للإنقضاض على الآخر… «والشرّير ــ على ما جاء في «إرميا» النبي(١) ــ يكلّم صديقه بالسلام ولكنّه ينصب لـهُ الفخاخ سرّاً..».

 

أيَّ رجـاءٍ نتوخّى من طاولة الحوار الوطني ما دام كل فريق مشدوداً من «تحت الطاولة» إلى دولة خارجية يستقوي بها لتعزيز موقعه الداخلي، وتستقوي بـه لتعزيز مصالحها على حساب مصلحة الدولة…؟

 

إذا كان الهدف من الحوار هو تحقيق التوازنات الوطنية المشتركة، فلا يكون حوار وطني، ولا يقوم فيما بين الثنائيات الطائفية في معزل عن سائر الطوائف الأخرى… ألَـمْ يكـنْ هناك مأخذٌ على ميثاق 1943 لأنـه يقوم على توازن ثنائي…؟

 

يقول الإمام موسى الصدر: «أنا كرجل ديـن أقول لكم إذا دعاكم ديـنٌ ما إلى الإنكماش وعـدم الحوار مع الطوائف الأخرى فارفضوه..»

 

بل، أكثر ما لفتني الدكتور محمد طنطاوي شيخ الأزهر في قوله: «المولى في كتابه الكريم يفتح باب الحوار مع إبليس وقـدّم القرآن نماذج لحوار الخالق مع مخلوقاته والأنبياء مع أقوامهم وحوار صحابة الجنّـة مع أهـل النار(٢)..»

 

والمفارقة المؤلمة عندنا، في أننا لا نستطيع أن نتحاور: لا مع الخالق ولا مع المخلوق ولا مع أهـل النار، ومع أننا في جهنّم لا نستطيع أيضاً إن نتحاور حتى مع إبليس.

 

١ – النبي إرميا: (9-8).

٢ – د . محمد طنطاوي: المحرّر نيوز العدد 225 – 2/12/2000.