IMLebanon

تشريد» رساميل اللبنانيين لا يخدم «القضية»

طوى لبنان حقبة التساؤلات من خلال إقرار القوانين المالية المطلوبة دولياً لتحاشي اللائحة السوداء. لكن الانخراط في اتفاقية منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية سوف يخلق فرصاً جيدة، كما انه قد يُغلق آفاقا ويقود الى مطبات. المسألة اختيارية من حيث الخطوات التي سيتمّ اتخاذها في الفترة القصيرة المقبلة.

لا شك في أن اتفاقية التبادّل التلقائي للمعلومات الضريبية، سوف تغيّر في مفهوم السرية المصرفية التي يتمتّع بها النظام المصرفي في لبنان. ولا شك أيضا في انها ستدفع الى تغيير في اتجاهات الرساميل والاموال ومحافظ الأسهم والسندات التي يملكها لبنانيون حول العالم.

هذا الموضوع ينبغي أن يحظى بعناية خاصة في الفترة المقبلة، للافادة من ايجابياته، وتخفيف سلبياته. اذ بات من المعروف ان البدء في تطبيق الاتفاقية في 2018 سوف يؤدي الى كشف كل الحسابات المصرفية التي يملكها لبنانيون في البلدان التي تنتمي الى منظمة التعاون الاقتصادي، وهي تشمل الدول الاوروبية وعددا كبيرا من الدول الاخرى المنضوية في اتفاقية التبادل التلقائي للمعلومات الضريبية.

هذا الوضع يثير الرعب لدى فئة من المتمولين اللبنانيين الذين يملكون أموالاً واستثمارات في هذه البلدان، وهم يعرفون ان حساباتهم سيتمّ كشفها امام وزارة المالية اللبنانية بدءا من 2018.

المشكلة هنا لا تكمن فقط في كشف الحسابات من الناحية المعنوية او السياسية، او حتى من ناحية التساؤل من أين لك هذا، لبعض الفئات، لكن الأخطر بالنسبة الى هؤلاء انهم سيتعرّضون لفرض ضريبة ايرادات تساوي 10 في المئة وفق قانون الضرائب اللبناني. هذه الضريبة لن تكون لسنة واحدة، وفق الوضع القائم اليوم، بل قد تمتد لخمس او سبع سنوات الى الوراء.

في شرح مبسّط لهذا الواقع، اذا افترضنا ان مستثمرا لبنانيا يملك عشرة ملايين دولار في أحد المصارف الاوروبية. وقد تبيّن من خلال تبادل المعلومات وكشف حساباته، ان هذا المبلغ كان حوالي 5 ملايين دولار قبل 7 سنوات، وانه حقق ايرادات رفعت المبلغ الى عشرة.

فهذا يعني ان على الرجل ان يدفع حوالي نصف مليون دولار لتسوية وضعه الضريبي في لبنان. في حين انه قبل هذا القانون كان يتهرّب من الضرائب، ولا يُصرّح ولا يدفع أي قرش عن ايراداته.

هذه المعضلة تحتاج الى حل لبناني سريع. لماذا؟ لأن القانون لن يُطبّق قبل 2018، مع مفعول رجعي سنة الى الوراء، بما يعني ان اي لبناني يملك حسابات مصرفية يمكن ان تخضع للضريبة مع مفعول رجعي، سوف يلجأ فورا الى سحب امواله منذ اليوم، وايداعها في بلد لا يخضع لاتفاقية التبادل الضريبي.

وبالتالي، لا مصلحة للسلطات اللبنانية في التمسّك بالقانون الضرائبي الحالي كما هو اليوم، وسيكون من المجدي ان تعمد الى إصدار قانون يعفي الرساميل من المفعول الرجعي، بالاضافة الى مراجعة نسبة الضريبة وشروطها على ايرادات الرساميل.

هذه الخطوة لا تهدف الى إنقاذ الاثرياء من دفع ضرائب تحتاجها الخزينة اللبنانية، بقدر ما تهدف الى تحاشي هروب هذه الرساميل من موقعها الحالي الى مواقع اخرى لن يستفيد منها لبنان بشيء.

الخطوة الثانية التي ينبغي ان توازي الاعفاء من المفعول الرجعي، ترتبط باصدار قانون تعريف المقيم، بهدف خلق مناخ مصرفي منيع يسمح لمستثمرين أجانب وعرب بايداع أموالهم في لبنان والتمتّع بما تبقى من سرية مصرفية تحمي اموالهم.

هذا الوضع قد يشجّع اللبنانيين في الخارج على نقل اموالهم او جزء منها الى الداخل، خصوصا اذا تعزّزت الثقة بالبلد في بداية العهد الجديد، وتمّ انجاز خطوات سياسية واقتصادية تزيد منسوب التفاؤل باستقرار مستقبلي يشجّع على ايداع الرساميل الاضافية في المصارف اللبنانية.

مع خطوات مماثلة سوف يستفيد الاقتصاد اللبناني من القوانين المالية التي أقرّها المجلس النيابي أخيراً، ومن دون هذه الخطوات، سوف يرتفع حجم تسرُّب الرساميل الخائفة من المصارف، وسيتمّ «تشريد» الرساميل اللبنانية المستقرّة في الخارج من دون أن يستفيد من تهجيرها الاقتصاد اللبناني.