إرتفاع معدل العنف الأُسري بنسبة 96.5%
لا يحسَبنّ النِّساء اللًّبنانيات، أن هناك على وجه مجلس النواب الحالي، من يأبه لارتفاع معدل العنف الأُسري بنسبة 96.5% بحسب الإحصاءات الرسمية لقوى الأمن الداخلي. بل ويتحسّب معظم المناهضين للعنف ضد المرأة، إزاء السياسات المُحتمل طرحها في إطار الحلول لما بدا على مرّ السنوات تشريعياً، من تسخيف ولامبالاة وعدم اكتراث بقضايا “نصف المجتمع”. حجم الجرائم التي تحصل مؤخراً بحق النساء فاق المتوقع، بل تحوّل الوطن إلى مرتع لتكريس حجج القاتل، وديار غُربة عن “الإنصاف”.
“اسمها جريمة” وليس “لديه اضطرابات نفسية، أو كان حادثاً، خلافاً، فشة خلق، نوبة غضب، شرفاً، فورة ظاهرة، فورة جنون، هستيريا، عرضاً، غير قصدي…” وغيره من التوصيفات التبريرية التي يتلطى خلفها القاتل للتنصل من أحكام القضاء وثغراته. وللضحايا أسماء “منال عاصي، زينة كنجو، رنا بعينو، منال التيماني، نسرين روحانا، رولا يعقوب،…. وغيرهن” لذا، تداعت مجموعة من النساء إلى إطلاق حملة الكترونية تحمل وسم #إسمها_جريمة، للتأكيد على رفض أي ذرائع مجتمعية ذكورية تبرر قتل النساء بحجج واهية، وفي إطار المطالبة بتطبيق القانون والتعاطي مع الجرائم التي ترتكب ضد النساء كأي جريمة أخرى تستوجب معاقبة الجاني، ولا تسمح له بالفرار من العقاب.
أرقام كارثية!
كثيرة هي الأرقام الرسمية التي توضح حجم الظاهرة، منها الصادرة عن قوى الأمن الداخلي في لبنان والتي تُسجّل عدد شكاوى العنف الأسري في الفترة من 21 شباط 2020، إلى الأول من شهرنا الحالي، والذي بلغ 1468 شكوى (منها 116 بلاغ عنف عن شهر كانون الثاني 2021 وحده) فيما تُشير إلى أن عدد الجرائم في الفترة ذاتها قد وصل إلى 7 جرائم حصدت أرواح عشر “شهيدات عُنفٍ مبرر” وهذه الأرقام لا تعني إلا أن نسبة ارتفاع العنف الأسري ضد النساء والفتيات بين فترة ما قبل كورونا على وشك أن تتخطى في الأرقام الرسمية الـ 100% في الشهر المُقبل… في حين أن هناك من يؤمن أنه قد أوجد للنساء حلاً سحرياً بوضع خط ساخن لدى قوى الأمن الداخلي (1745) وأنه كاف وبمثابة خلاص للضحايا والمعنّفات. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن غالبية الاتصالات التي تتلقّاها مديرية قوى الأمن عبر الرقم الساخن المخصَّص للشكاوى كانت من النساء المُعنَّفات بنسبة 62%، وباقي الشكاوى من أحد معارفهن من أصدقاء أو أفراد عائلة!
ومن جهته نشر موقع “شريكة ولكن” الذي يُعنى بقضايا المرأة، معطيات حصرية حول الجرائم التي ارتكبت ضد النساء وقتلن على أثرها، بناء على رصده المستمر لقضايا النساء والفتيات ومتابعة ما يعانينه، فأكّد رصده لـ 13 جريمة ضد النساء والفتيات في العام 2019 مقابل 27 جريمة ضدهنّ في العام 2020، ما يعني ارتفاع الجرائم بنسبة 107%، ناهيك عن رصده 4 جرائم ضد النساء منذ بداية العام 2021.
نتيجة النظام السلطوي
وتقول الناشطة النسوية نيرمين ظاظا لـ”نداء الوطن” إن “الطابع الحقيقي لهذه المعارك المتنقلة بين لبنان ومختلف البلدان العربية من تونس إلى سوريا وحتى مصر والعراق، تنطوي في جوهرها على تبرير مُجتمعي صارخ للقــتل بذريعة الشرف او غيره، وفي بعض الأحيان نُذهل لحجم محاولات تبرير الذنب وعمليات “ترويض” الرأي العام على تطبيع الأذية حد القتل. ففي أسبوع واحد شهد لبنان 4 جرائم قتل نساء آخرها كانت لامرأة ستينية رُميت تحت الجسر مُكبّلة اليدين في منطقة قصقص ليأتي التبرير بعدها أنها “ماتت موتة ربها”… من دون تفسير لماذا كانت مُكبلة إذاً، كمثل من ينتحر بخمس رصاصات. لقد وصلت التبريرات حد اللامنطق! والضحية كنجو التي قُتلت بكتم النَفَس، وأخرى تعرّضت للإغتصاب ورُميت جثتها في بُستان وأخرى وجدت جثتها المُعنّفة على ضفاف أحد الأنهار!… ناهيك عمن قُتلت برفش زراعي وأخرى بطنجرة “فاصوليا”!!”.
ويعتبر ضومط قزي دريبي في حديث لـ”نداء الوطن” أن “العنف الذي يمارس ضد النساء وكل المهمشين والمهمشات هو نتيجة النظام السلطوي القائم، وللقضاء على العنف عامةً والعنف الممارس بحق النساء خاصةً علينا القضاء على النظام الأخير” وأن “بعض الإصلاحات التي تطال القوانين لحماية المرأة وباقي الفئات المهمشة قد تساهم بتخفيض منسوب العنف الممارس بحقهن لكن لا تعالج أصل المشكلة الذي يكمن بنظام سياسي، إقتصادي وإجتماعي قائم على استغلال فئة لفئة أخرى أكثر ضعفاً عبر التسلط، بالنهاية القوانين وسلوكيات الأفراد هي نتاج نظام معين، لنفككه لنحرر المرأة من قيوده”.
وعلى هذه الخلفية المسكونة بحذر المشرّعين وتحوّطهم من اتخاذ خطوات جذرية تحمي المجتمع من المجرمين، والنساء من الموت، فالمطلوب اليوم قوانين اشمل نطاقاً مما فاضت به “تشريعاتهم” من نتائج سلبية لا حصر لها، ومما حفلت به وسائل الإعلام من مواقفهم، مواقف غالبيتهم الذكورية من آثار تدميرية على مستوى الأسر.