IMLebanon

ما أُخذ بالتشليح يُستعاد بالتدريج

 

كان يفترض بالممانعة النيابية التي هُزمت في معركة التمديد لجوزاف عون أن تحفظ بقايا ماء وجهها، فتعترف بنكسة 15 كانون الأول، بدل الإدّعاء أنّ الرئيس بري كان مايسترو «صفقة» أنقذت المؤسسة العسكرية من التخريب في لحظة حرجة.

 

 

والممانعة عموماً ليست مخطئة في تقديرها أنّ السفارات ضغطت على السيد ميقاتي والحاكم بأمر مجلس النواب. وينال جائزة السذاجة الفائقة كلُّ مَن يعتقد أنّ أكثرية اللبنانيين غير راغبة في تدخّل صارم وفوري من الدول الصديقة، عربية وغربية، يضع حداً لعربدة أهل «المنظومة» الذين استمرأوا التعطيل وتطويع القوانين، ثم أرادوا استتباع قيادة الجيش بعدما فَجَروا «تمسُّكاً» بالدستور.

 

 

 

والمسألة ليست وَلْدنة «ردّ رجْل» على استقواء «المنظومة» الدائم بقوة خارجية غاشمة لتأمين الهيمنة على المؤسسات وتنصيب «أعوان» غير سياديين في مواقع التعبير عن السيادة والاستقلال، بل ردّ فعلي طبيعي وواقعي. فتصوَّروا لو أنّ جاك شيراك وجورج بوش الابن لم يواكبا إرادة الشعب اللبناني بالقرار الأممي 1559 ثم خروج الجيش السوري، فلربّما بقي جيش الأسد هاضماً مفاعيل اغتيال رفيق الحريري ومتذرّعاً بتظاهرة «شكراً سوريا» في 8 آذار المدعومة بغابة السلاح غير الشرعي. ثم فلنتخيّل أنّ المجتمع الدولي لم يتحرك في 2006 لوقف «حرب تموز» وإصدار القرار 1701، فلربما دخلنا في متاهة تدميرية أشدّ هولاً ممّا شهدناه. ثم لنفترض أنّ القوى الدولية تتخلى اليوم عن جهودها لمنع امتداد آلة الحرب الإسرائيلية الى لبنان، فقد نتورط في معمعة لا يعلم خطورتها إلا العابثون بمصير اللبنانيين ولبنان.

 

والواقع أن المواطنين الأسوياء ممتنون للضغط الخارجي دفاعاً عن المؤسسة العسكرية. وهم ما كانوا سابقاً في حاجة الى الخارج وعدالته الدولية، ولا ينشدونهما اليوم، لولا أنّ «المنظومة» عَطّلت المؤسسات الدستورية وجرَّعت القضاء كأس المنع و»القبع»، وصولاً الى سرقة ودائع الناس ومستقبلهم بلا رادع أو وازع.

 

يمكن أن يقال للممانعة المشارِكة في «لطْميّة» جبران باسيل بعد التمديد: الى اللقاء في جولات مقبلة. وإذ نستذكر مقولة «المارد الأسمر» (جمال عبد الناصر): «ما أُخذ بالقوة لا يُستردّ إلا بالقوة»، فإننا بعد فشلها المتكرر المُريع، نعدِّلها لنقول إنّ ما أُخذ بالتشبيح والتشليح بفعل الطائفية والزبائنية والارتهان للمحور الشهير، يجب أن يُسترد بالسلم والقانون وبالتدريج، وأنّ اللبنانيين الذين ثاروا على المنظومة في 17 تشرين مستخدمين الهتاف وقرع الطبول في مواجهة تكسير العظام وفقء العيون لن يملّوا من السعي الديموقراطي لوقف الاستباحة عند كل منعطف صغير وكبير.

 

أسقطت المعارضة في جلسة «التمديد» مقولة «صفر أو عشرين» والتي طالما زايدت: «سلِّموا البلد لـ»حزب الله» كي نرى ما هو فاعلٌ فيه». ذلك أنّ تقاطع المعارضة السيادية مع نواب آخرين، وتحمُّل مرارة جرّها الى فخ التشريع في مجلس واجبه الوحيد انتخاب رئيس للجمهورية، هما جزء من العمل السياسي الاحترافي، الذي يقدّم الأولويات على البهوَرات، والذي يدرك أنّ المعركة مع «المنظومة» لا تُربح بـ»طوفان سيادي» انتحاري، بل بالنقاط، والمثابرة على الإيمان بأن حق اللبنانيين في الحرية ودولة آمنة محايدة ذات سيادة، هو حق غير قابل للتصرف، ولا يختلف نوعاً عن حق الفلسطينيين في طرد الاحتلال وتقرير المصير.