IMLebanon

أخطاء قاتلة في ملف التفاوض

منذ اللحظات الأولى لاختطاف العسكريين في معركة عرسال، كان الارتباك الرسمي سيّد الموقف، ولم تنجح كلّ محاولات إنتاج استراتيجية تفاوض واقعية لاستردادهم من «جبهة النصرة» و«داعش».

لم يكن الاجتماع الاول للحكومة بعد الاختطاف منسجماً مع خطورة ما حدث. فالخلاف على ما سمّي التفاوض المباشر، والخلاف على المقايضة، كانا السببين الاساسيين، لتكليف المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، تفعيل الوساطة القطرية التي بدت كأنها تلعب في الوقت الضائع، في حين كانت «النصرة» و«داعش» تملكان أوراق قوة كبيرة، استعملتاها في شنّ حرب نفسية على الأهالي، وعلى مختلف الأطراف، لتتحوّل قضية خطف العسكريين، إحدى أكبر مآسي الخطف التي شهدها تاريخ لبنان.

على أنّ الأخطاء القاتلة التي ارتكبتها الحكومة، بفعل غياب التوافق السياسي داخلها، لم تكن مجرد أخطاء عادية، بل تعدّت ذلك لتصبح تلاعباً مكشوفاً في قضية الاسرى، وقد بدا ذلك جلياً بعد انكشاف عملية الافراج عن عنصر «حزب الله» عماد عياد، الذي استعمل الحزب من أجل الافراج عنه أوراقاً كان يفترض وضعها في تصرف خلية الازمة، التي بدَت كأنّها آخر مَن علم بتفاصيل الافراج عن عياد، في حين كانت تعقد الاجتماع تلوَ الآخر من دون تسجيل أيّ تقدّم ولو طفيف في اطلاق العسكريين.

لم يكن توقيف العقيد السوري عبدالله الرفاعي، المنتسب الى «الجيش الحر» سوى جزء من دينامية يرى أصحابها أنّ هناك ضرورة، لتجميع أوراق القوة، في اعتبار أنّ التفاوض مع «النصرة» أو «داعش»، أصبح عقيماً، لامتلاكهما ورقة الأسرى من دون أن تمتلك الدولة اللبنانية، أيّ ورقة قوّة في المقابل.

توقيف الرفاعي، وفيما بعد سجى الدليمي، يهدف من خلاله بعض المعنيين الى الاستمرار في تجميع أوراق القوة. تقول المعلومات إنّ الدليمي لم تقم

بأيّ عمل أمني يستدعي اعتبارها جزءاً من «داعش»، ولا تُعتبر حتى الآن متهمة بأيّ تهمة، باستثناء تزوير أوراق ثبوتية للاقامة بطريقة غير شرعية في لبنان.

وتضيف المعلومات أنه بعد الانتهاء من التحقيق معها، يمكن أن يُحال ملفها الى الامن العام، صاحب الاختصاص في التعامل مع الاجانب المقيمين بطريقة غير شرعية، لكنّ ذلك سيعني إحالة الملف الى اللواء ابراهيم، لتكون الدليمي «ورقة قوة» في التفاوض من أجل إسترداد العسكريين.

هل يمكن أن يصنّف تكتيك تجميع أوراق القوة، إجراء يؤدي الى الافراج عن العسكريين الاسرى؟ أم أنه سيتحوّل خطأً قاتلاً آخر، يمكن أن يُعقّد الملف ويدخله في متاهات أحداث سوريا والعراق، ما يعني مواجهة مفتوحة مع «داعش» و»النصرة» معاً، يمكن أن تزيد احتمال العمليات الارهابية؟

الايام المقبلة يمكن أن تُحدّد المسار، لكن ما يرفع منسوب المخاطر، هو التعليق الاولي الذي صدر عن «النصرة»، والذي يحمل تهديداً واضحاً، ترجم على شكل اعتداء على الجيش في رأس بعلبك.

تقول أوساط سياسية، إنّ أزمة خطف العسكريين التي كانت نتيجة تداخل الملفين اللبناني والسوري، لا يمكن أن تُحلّ بمزيد من التورط في أزمة سوريا، فالمطلوب بات واضحاً اليوم، وهو التفاوض مع «النصرة» و»داعش»، وتلبية المطالب بحدّها المعقول، واسترداد العسكريين.

أما الحلّ الاشمل فهو سياسي ووطني، ولا يمكن أن يتجاهل خطورة بقاء «حزب الله» في سوريا، والاستمرار في استباحة الحدود، خصوصاً في البقاعين الاوسط والشمالي. وتشير الاوساط الى أنّ المساعدة التي قدمتها بريطانيا للجيش اللبناني لضبط الحدود، هي نموذج يجب استكماله بمساعدة دولية، تؤمّن مؤازرة الشرعية الدولية تبعاً للقرارات الصادرة في إطار حفظ سيادة لبنان وأوّلها القرار1701.