IMLebanon

الانتخابات الحرَّة أساسية

 

 

أجرت الدولة اللبنانية مؤخرا انتخابات بلدية واختيارية تمت بنجاح وأعطت الأمل للبنانيين بمستقبل واعد مبني على الديموقراطية التنافسية الشفافة والصحيحة.  فعلا ليس مهما من نجح ومن خسر، اذ أن الأهم أنها جرت دون حوادث تذكر بفضل الجهود العامة الكبيرة كما بفضل تعلق اللبنانيين بالديموقراطية التي مارسها لبنان حتى خلال الحروب المؤلمة.  الدول والشعوب المحظوظة هي التي تنعم بأنظمة انتخابية عادلة على كل المستويات وهذا أملنا.  حرية الاختيار تبقى مقدسة في كل المجتمعات وفي جميع المجالس والمؤسسات والجمعيات المهنية والخيرية والسياسية.  فالأنظمة الانتخابية مهمة جدا لأنها تؤثر مباشرة على هوية ونوعية المنتخبين.  كلما زادت الحرية التنافسية في الانتخابات، كلما سعى المنتخبون الى تحقيق آمال منتخبيهم.

الاقتصاديون يهتمون بالأنظمة الانتخابية ليس فقط كمواطنين، وانما لتأثيرها المباشر على رسم السياسات الاقتصادية.  فالعلوم الاقتصادية تهتم بكيفية تحديد السياسات الاقتصادية الفضلى من النواحي الاستهلاكية والادخارية والاستثمارية وغيرها.  فالموارد الاقتصادية محدودة وكذلك عدد المنتخبين، لذا تحديد الخيارات الانتخابية الفضلى يدخل في صلب اهتمامات العلوم الاقتصادية.  كما تؤثر النتائج الانتخابية على نوعية القرارات المتخذة، كذلك تؤثر الأوضاع الاقتصادية على من ينتصر في انتخابات سياسية أو قطاعية أو مهنية.  فالقرارات الاقتصادية الناجحة تعني عموما استمرار المسؤولين في مسؤولياتهم، علما أن التغيير يحصل في الأوضاع المعاكسة.

 

ما هي فوائد الانتخابات ولماذا يقوم المواطنون بالتوجه الى صناديق الاقتراع؟  هل يجب اخضاع كل القرارات والمناصب الاقتصادية للانتخاب الشعبي، وما هي المعايير التي تحدد ذلك؟  يتوجه الناخبون الى صناديق الاقتراع للتعبير عن رغباتهم، تماما كما يختارون بأنفسهم سلتهم الاستهلاكية ومحفظتهم الاستثمارية والادخارية.  اذا كانت المجالس النيابية منتخبة من الشعب، فالحكومات تعين وكذلك المسؤولون عن السياسة النقدية.

من الخطورة بمكان اخضاع المناصب الاقتصادية الأساسية كحاكمية المصرف المركزي الى الخيار الانتخابي كما يشير اليه الرئيس ترامب، اذ يخشى عندها أن تتأثر السياسة النقدية بالتيارات السياسية.  من هنا أهمية الحفاظ على استقلالية المصرف المركزي بحيث يعزل عن السياسة، وبالتالي يقوم بدوره بأفضل طريقة ممكنة.  فالنظام الديموقراطي البرلماني، المرتكز على تعدد السلطات المستقلة وتوازنها، يبقى النظام الأفضل بحيث تراقب السلطات بعضها البعض مما يشكل صمام الأمان بالنسبة للمواطن.

النظام الانتخابي الأفضل هوالذي يسمح بالمشاركة الواسعة بهدف تحقيق الاستقرار السياسي والنتائج الاقتصادية الفضلى.  النظام الانتخابي الأفضل هو الذي يفرز نتائج تعبر حقيقة عن ارادة المنتخبين أو أكثريتهم.  من الممكن دائما دفع النتائج الانتخابية باتجاه أو آخر اذا أحسن التنظيم الانتخابي وتوافر المال الكافي.  فالأحزاب والتكتلات والجمعيات تشكل جميعها قوى ضاغطة مؤثرة جدا على مجرى الانتخابات.  أما المال، فله أهميته القصوى في كل الظروف ويجري انفاقه بطرق شرعية وغير شرعية أحيانا.  فالطرق الشرعية تعني أساسا تمويل الانفاق التنظيمي الانتخابي والاعلانات والتبرعات بكافة أشكالها.  أما الانفاق غير الشرعي، فيعني رشوة المسؤولين وشراء الأصوات بالاضافة الى الضغوط التي يمكن أن تمارس على الناخبين.

توقيت الانتخابات هو في غاية الأهمية، اذ يمكن أن يغير في النتيجة المتوقعة.  نذكر جميعا كيف أخطأ الرئيس شيراك في بداية ولايته عندما حل مجلس النواب قبل موعده وأجرى انتخابات أتت نتائجها عكس توقعاته، كذلك فعل الرئيس ماكرون وهو يعاني اليوم الأمرين من النتيجة التي أتت عكس مصلحته وتعطل ما يتبقى من ولايته.  كما تحصل الدورات في الاقتصاد، تحصل كذلك في السياسة.  هنالك أنظمة سياسية متعددة بدأ من نظام الحزبين الى أنظمة الأحزاب المتعددة.  ففي بريطانيا يسيطر الحزب الحاكم على مجلسي النواب والوزراء، مما يفقد المحاسبة دورها الطبيعي. طبعا يمكن للحزب المعارض أن يبين عبر حكومة الظل الأخطاء أو التجاوزات التي حصلت حفاظا على الدولة والديموقراطية فيها.  أما في أميركا، فالرئيس ومجلسي النواب والشيوخ منتخبون مباشرة وبصورة منفصلة، وبالتالي يمكن أن يكونوا من أحزاب مختلفة.  عمل الأميركيون مؤخرا على انتخاب رئيس جمهوري ومجلسي نواب وشيوخ جمهوريين، وهذا حكما ليس في مصلحة الديموقراطية المتوازنة.

لم يكن في الامكان توقع مشكلة فرز أصوات، كما حصل في الولايات المتحدة مرارا مع الانتخابات الرئيسية السابقة.  أما في فرنسا، هنالك العديد من الأحزاب التي تتحالف انتخابيا لتحكم.  أما الحكم التحالفي التوافقي فيكون عموما أقل استقرارا، وذلك لتعدد وجهات النظر في المبادئ والسياسات وطرق التنفيذ.  أما الحكومة من لون واحد والمنبثقة عن الانتخابات، فتحقق عموما الاستقرار السياسي الذي يولد استقرارا اقتصاديا.  في لبنان، تعدد الطوائف والمذاهب والأحزاب يخلق نوعا من الحيوية في النقاش، لكنه يحدث عدم استقرار سياسي تعاني منه البلاد منذ الاستقلال.

تؤكد الدراسات التطبيقية على ان الأنظمة الرئاسية تتمتع بقطاع عام أصغر مما يحصل في الأنظمة البرلمانية حيث تلبى كافة الرغبات المناطقية والسياسية.  ينتج عن الأنظمة الانتخابية المعتمدة للدائرة الصغرى فسادا أكبر، اذ تضيق المنافسة ويسهل الاحتكار السياسي.  أما في الدائرة الكبرى، فالدخول الى حلبة الصراع يصبح شاقا، اذ يصعب عندها احكام السيطرة السياسية على المنتخبين.  هنالك أهمية لتحديد عدد السنوات القصوى التي يمكن أن يقضيها النائب في المجلس النيابي لتجديد الدم السياسي.

يحصل الفساد الأكبر في الدول التي تعتمد الانتخابات المقررة نتائجها سلفا، أي انتخابات ال 99% وما فوق.  من الأفضل عدم اجراء انتخابات على اجرائها منقوصة أو خاطئة أو مزورة واستعمال نتائجها لتنفيذ بعض السياسات التي تساهم فقط في زيادة فساد من يسيطر بالقوة على السلطة.  أملنا أن يتوجه لبنان كما كل الدول العربية نحو أنظمة انتخابية تختارها هي بنفسها وعلى مستويات وأشكال تقررها هي وبالسرعة التي ترغب.  المهم اجراء انتخابات صحيحة شفافة نزيهة تساهم في ايصال من يمثل الناخبين ويعمل لمصلحتهم.