IMLebanon

“لامركزية” باسيل واللعب في “البازار”

 

لو لم يكن جبران باسيل واثقاً من ولاء نوابه وأتباعه المساكين لما تمكَّن رغم نكبة «العهد القوي» من «التقاطع» مع المعارضة السيادية، ثم الانقلاب بائعاً وهْمَ اللامركزية للمسيحيين شرطاً لانتخاب مرشح «المنظومة».

 

كان من سوء التقدير الجزم بأنّ باسيل لن ينتخب سليمان فرنجية أو يسهِّل وصول شبيهه الى بعبدا. فمسيرة التقلب العوني عريقة، وتبدأ من «قصر الشعب» في 1988 وليس من «الهوت ميزون»، أو «الرابية»، أو «ميرنا الشالوحي» في 2023. وكلنا نذكر «تكسير رأس حافظ الأسد» الذي صار طأطأة أمام الوريث، والصراخ ضد سلاح «حزب الله» الذي تحوّل سمفونية إلهية بشفاعة «مار مخايل»، و»الابراء المستحيل» الذي أخرج من رحمه حوريات «فاطمة غول» وأخواتها، على سبيل المثال، ومنه الكثير.

 

«ملعوبة» تلك «الشروط المسبقة» التي أعلنها باسيل للمشاركة في انتخاب مرشح الممانعة فيتربّع في بعبدا «خيرُ خلفٍ لخير سلف». وإذا كانت الدعوة لإقرار «صندوق إئتماني» محفوفة باستحالة منع الثعالب من الائتمان عليه لئلا تتكرر تجارب صناديق الهدر والكهرباء، فإنّ «بيت القصيد» هو مطلب اللامركزية الموسعة الذي وضعه باسيل بين يدي مسؤول الشؤون المسيحية في حزب «الولي الفقيه»، كونه يدغدغ أكثرية مسيحية تتنسم فيه عبَق الفدرالية وربما شمائم التقسيم.

 

لا شك في أنّ عودة «الإبن الضال» تستلزم «عجلاً مسمَّناً» من نوع الفوز بلامركزية، هي ضرورة إصلاحية وانجاز كبير. ولئلا يجري الغرق في الأوهام لا بدَّ من التنبيه الى وجوب أن تنجم عن توافق وطني عميق، أو أن تكتمل شروطها الموضوعية داخلياً وخارجياً. لكن يبقى السؤال الأهم: ما ضمانة تنفيذها، لو أُقرَّت، في ظل دولة فاقدة السيادة، يتحكم بها طرف أهلي مسلح قادر في لحظة على شطبها وإفراغها من مضمونها؟ هو لم يتردد سابقاً في تنفيذ 7 أيار، ولا في شلّ المحقق العدلي في جريمة المرفأ، ولا في تحويل الاستحقاقات الدستورية اختباراً لسياسة الاستقواء. ولن يتردد مستقبلاً بكل تأكيد.

 

أي لامركزية في غياب سلطة مركزية متفق على شروط وجودها وصلاحياتها ستكون نزاعية حتماً وستؤدي الى فشل مبين، خصوصاً اذا كانت خلفيتها اعتقاد المسيحيين بأن في وسعهم أن يصيروا «فرقة ناجية» اذا تركوا الشأن السيادي وتخلوا عن مطلب قيام الدولة الحيادية المكتملة الأركان. وحدها هذه الدولة تستطيع تحويل اللامركزية الى حالة إنمائية وإدارية دينامية، وربما تطويرها الى واقع يعبّر عن خيارات سياسية واجتماعية وثقافية تعددية.

 

اللامركزية التي يطرحها باسيل في ظل تجديد عهود «مار مخايل» والتسليم بسلطة السلاح خدعة قوية يمكنها تعويم استدارته أو تبرير رفضه تجرُّع كأسين أحلاهما مرّ، جوزاف عون وسليمان فرنجية. إنها مجرد شهادة إضافية لباسيل في فنون احتراف السياسة بغير معناها الأصلي النبيل.

 

سعيُك يا جبران لتحقيق اللامركزية مشكور، لكن تواضعْ ولا تكبِّر الحجر. أطلب مثلاً أن يكون قضاء المتن، حيث مقر تيارك ورابية زعيمه التاريخي، منزوع السلاح غير الشرعي، لا تطالب بذلك لبيروت أو لاسا أو جرود العاقورة… حقّق ذلك لنكون أول المصدِّقين والمصفقين!