IMLebanon

مأزق مفتاحي.. وأزمة تكليف جديدة

 

 

أُقفَل الأفق على ما يمكن تسميته «الخروج الناعم» او «الخروج الآمن» أو «المؤمّن»، في ضوء ردّة الفعل في الشارع التي أعقبت إعلان الرئيس سعد الحريري اعتذاره عن تأليف الحكومة، وجاءت تأكيداً عملياً على أنّه لا يريد فتح الطريق امام بديله. وهذا الامر ظهر مأزقاً سنّياً مفتاحياً في موضوع التكليف، وهو مأزق سيؤثر على اعلان رئيس الجمهورية ميشال عون عن موعد بدء الاستشارات النيابية الملزمة، لتسمية الشخصية الجديدة التي ستُكلّف تأليف الحكومة.

 

كذلك سيؤثر هذا المأزق المفتاحي على الجهود التي بدأت تُبذل للتوصل الى الشخصية التي ستؤلف الحكومة، وتكون منسجمة مع كل معايير اللحظة الحالية السياسية والاقتصادية والمالية. فإذا قيل انّ الحكومة العتيدة ستكون حكومة انتخابات، فذلك يعني أنّها ستكون محرقة إضافية للبلاد التي تحتاج بإلحاح الى حكومة أولويتها، في الحدّ الأدنى، ادارة الانهيار، ما يطرح السؤال هنا، من هي الشخصية المؤهّلة للقيام هذه المهمّة، وتحديداً لتأمين جسر سنّي ـ سنّي وجسر سنّي ـ شيعي، وكذلك جسر في اتجاه رئيس الجمهورية ميشال عون و»التيار الوطني الحر» والمسيحيين عموماً، وتكون لديها مقبولية دولية وفرنسية ـ اميركية وغض نظر خليجي.

 

وفي هذا الصدد، يُقلَّب بعض المعنيين بالاستحقاق الحكومي صفحات نادي رؤساء الحكومة السابقين المكوّن، الى الحريري، من الرؤساء نجيب ميقاتي وتمام سلام وفؤاد السنيورة، محاولين استكشاف الشخصية التي يمكن ان تتلاءم بمواصفاتها مع مواصفات المرحلة المفصلية، وتلبّي حاجة اللبنانيين الى التقاط الانهيار، فيستبعدون هذا الاسم او ذاك، ليتوقفوا قليلاً عند اسم ميقاتي، قبل ان يتبين لهم انّه يتهيّب الموقف ولا يبدي حماسة لهذا الامر، ويطرح شروطاً ليكون على مستوى الاستجابة لتولّي مهمّة التصدّي للمسؤولية في هذه المرحلة، منها ان تكون هناك «خريطة امان» سنّية ـ شيعية ـ وطنية في اتجاه عون والمسيحيين، وان تكون الحكومة تكنوسياسية تضمّ 24 وزيراً 6 منهم من السياسيين والبقية من الاختصاصيين والتكنوقراط.

 

وفيما يشير البعض الى انّ ميقاتي لا يعتبر انّ لديه مشكلة مع الفرنسيين والاميركيين، فإنّه إذا كُلف قد يكون من الصعب عليه تأليف حكومة تكنوسياسية، لأنّ الأميركيين والفرنسيين، ومعهم دول الخليج العربي، كانوا وما زالوا متمسكين بحكومة الاختصاصيين المستقلين التي إعتذر الحريري بسبب عدم تمكنه من تأليفها. والثابت هنا، انّ الشارع وما يشهده من حراك، يطالب بحكومة لا مشاركة فيها للطبقة السياسية القائمة، والتي يعتبر الشارع نادي رؤساء الحكومة السابقين جزءاً منها.

 

وفي هذا الصدد، كان اللافت، انّ الموفد الفرنسي باتريك دوريل تجاوز في محادثاته في بيروت الحريري، ولم يتحدث عن اي اسماء بديلة. ولكن النقاش بينه وبين الذين التقاهم تركّز على لحظة ما بعد الحريري، وذلك قبل ان يعلن الاخير اعتذاره.

 

وإذ يذهب فريق من السياسيين بناءً على هذا المعطيات الى القول، انّ الخلف المطلوب ان يكون بديلاً للحريري من داخل نادي رؤساء الحكومة السابقين، يتبين له انّ الرئيس فؤاد السنيورة لا يلقى مقبولية لدى بعض الافرقاء والجهات داخلياً وخارجياً، وهو المعروف بمواقفه المعارضة بشدة لرئيس الجمهورية وحلفائه. وأنّ الرئيس تمام سلام لا يحبّذ ترؤس حكومة في خلال ما تبقّى من الولاية الرئاسية. اما ميقاتي، فإلى ما يطرحه من شروط، قد لا تلقى مقبولية لدى بعض الأفرقاء الداخليين والخارجيين، فإنّ الحريري، بالمواقف التي اعلنها إثر اعتذاره، وتزامنت مع نزول انصاره الى الشارع في بيروت وعدد من المناطق، قد اقفل الطريق الى السرايا امامه، ما دفع البعض الى السؤال، هل أنّ الحريري يقبل بميقاتي لرئاسة الحكومة فعلاً، خصوصاً وأنّه كان سلّفه مواقف كثيرة داخل نادي رؤساء الحكومة السابقين وخارجه؟. الواضح، حسب هذا البعض، انّ الحريري يتصرف على اساس مقولة: «بما أني خرجت فإني لن اؤمّن البضاعة لأحد». وهو بهذا التصرف يردّ في الوقت نفسه «الصاع» الى عون الذي عمل، في رأيه، على إخراجه، لأنّه لم يكن اصلاً مؤيّداً لتكليفه بنتيجة الاستشارات النيابية الملزمة التي اجراها في تشرين الاول 2020.

 

من هنا يسأل البعض، هل أنّ مأزق ما بعد الاعتذار سيُدخل لبنان الى مأزق تكليف حكومي جديد؟ وهل يمكن غالبية نواب الطائفة السنّية ان تقاطع الاستشارات النيابية الملزمة، أم تشارك فيها ولا تسمّي احداً لرئاسة الحكومة، فتكون مقاطعة معلّقة او معلّبة؟ فإذا حصلت هذه المقاطة يكون البلد في هذه الحال خرج من أزمة حكومة الى أزمة حكم وأزمة نظام، وعندها لن يكون بقاء حكومة الرئيس حسان دياب هو المخرج، لأنّ هذه الحكومة لا تستطيع ان تدير المرحلة، بعدما أثبتت فشلاً استثنائياً في الأداء، ولم توقف استمرار نزول البلاد الى القاع، بدليل استمرار ارتفاع سعر الدولار على حساب العملة الوطنية، والذي بات على مشارف الـ 25 ألف ليرة.

 

ويقول معنيون بالملف الحكومي في هذا المجال، انّه لن يكون سهلاً على رئيس الجمهورية مقاربة امكانية التوصل الى اتفاق على اسم بديل للحريري، في وقت يطرح آخرون اسماء نواب وغير نواب من خارج نادي رؤساء الحكومة السابقين، في مقدّمهم، النائبان فيصل كرامي وفؤاد مخزومي، وجواد عدرا، لتشكيل حكومة انتقالية لن يتجاوز عمرها العشرة اشهر، لا يترشح رئيسها ولا اي من وزرائها للإنتخابات النيابية، تتولّى اجراء هذه الانتخابات، مبكرة او في موعدها، والبدء بتنفيذ إصلاحات اساسية ادارية واقتصادية ومالية، تلجم الانهيار تمهيداً لمعالجات في العمق تتولاها حكومة ما بعد الانتخابات.

 

وهنا تبرز مجموعة عوامل ضاغطة في هذا الاتجاه، منها انّ القوى الاقليمية والدولية المتدخلة في الأزمة اللبنانية، خائفة من حصول الارتطام اللبناني الكبير، الذي من شأنه ان يشظّي كل مصالح الغرب في لبنان ومنها قوات «اليونيفيل» العاملة في الجنوب، والانفجار الذي يمكن ان يحدثه النازحون السوريون الى لبنان، فيما لو استقلّوا البواخر خارجين الى اوروبا عبر بوابة قبرص، والجميع ما زال يذكر هنا ويتذكّر ما قاله يوماً المسؤول البريطاني ديفيد كاميرون للرئيس تمام سلام من «أننا لا نريد ان نرى باخرة خارجة من لبنان الى اوروبا محمّلة بالنازحين السوريين».

 

في اي حال، هناك اتصالات ناشطة في شأن مصير الاستحقاق الحكومي على مختلف الاتجاهات داخلياً وخارجياً، في ظل انطباع بدأ يتكوّن لدى كثيرين من انّ لا حكومة ستؤلف قريباً، فيما بعض العواصم بدأت، أو تستعد، لتقديم مساعدات إغاثية للبنانيين، وتتعامل معهم كأنّهم نازحون ولاجئون داخل بلادهم، في انتظار خوض المعركة الكبرى او «أم المعارك»، لتغيير الاكثرية النيابية لمصلحتها في مجلس نواب 2022، وهنا «بيت القصيد».