IMLebanon

أزمة الخليج… إلى حلّ أم إلى تعقيد؟

في الذكرى الخمسين لحرب الأيام الستة، أي في الخامس من حزيران 2017، بدلاً من أن تكون الدول العربية قد حقّقت تعاوناً وثيقاً في ما بينها وأحرَزت تقدّماً ملموساً في استرجاع الحقوق الفلسطينية المشروعة، وبدلاً من أن تعقد جامعة الدول العربية اجتماعاً طارئاً في ذلك اليوم بالذات لدرس أسباب الأوضاع المتردّية في الدول العربية والخلافات الحادّة القائمة بين مكوّنات العالم العربي والسعي إلى إيجاد الحلول المناسبة لها، يتفاجأ العالم بمزيد من التشرذم والانقسام داخل البيت العربي على أثر قرار اتّخَذته السعودية والإمارات ومصر والبحرين بعزل دولة قطر وفرضِ حصار بَرّي وبحري وجوّي واقتصادي وديبلوماسي عليها، رافقَته شروط شِبه تعجيزية تقول السعودية إنّ الحصار لن يُرفع قبل تحقيقها، منها تقليص العلاقات القطرية-الإيرانية، ووقفُ دعم وتمويل قطر للإرهابيين، وتسليم بعض «الإرهابيين» المقيمين في الدوحة وإقفال قناة الجزيرة وغيرها.

وزير الخارجية السعودي أعلن من واشنطن أنّ هذه الشروط غير قابلة للتفاوض وأنّ على قطر القبول بها والعمل بموجبها خلال أيام معدودة، كما أعلن وزير الخارجية القطري من واشنطن أيضاً أنّ هذه الأزمة لا يمكن أن تُحلّ إلّا سياسياً، وقطر جاهزة للتفاوض ولكن ليس على حساب سيادتها واستقلالها!

مأزق كبير أدخَلت دول مجلس التعاون الخليجي نفسَها فيه، ويبدو أنّ واشنطن وحدها قد تملك مفتاح الخروج منه.

فمجرّد إعلان الشروط السعودية والموقف القطري من واشنطن أثناء زيارة وزير خارجية كلّ من هاتين الدولتين إلى العاصمة الأميركية بفارق 24 ساعة بين الواحد والآخر، تلميحٌ مبطّن للولايات المتحدة لكي تقوم بما هو ممكن لحلّ الأزمة.

كما أنّ لواشنطن حاجة أكيدة بعدم تركِ الوضع المتأزّم في الخليج يتفاقم لأسباب عديدة أهمّها أنّ ذلك سيلهيها عن مخطّطها في محاربة الإرهاب الذي هو من أولى أولويّات سياستها الخارجية في عهد الرئيس دونالد ترامب، كما أنّ هذه الأزمة تُنذر بتفجير التحالف العربي – الإسلامي – الأميركي لمواجهة الإرهاب الذي يَعتبره ترامب من أهمّ إنجازاته، ومن شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع في أسعار النفط، ما قد يعرقل مشاريع ترامب الإنشائية في إعادة تأهيل البنى التحتية وسيقرّب دولة قطر التي تأوي إحدى أهمّ القواعد العسكرية الأميركية من إيران وروسيا، وفي ذلك ضررٌ واضح للمصالح الأميركية، إضافةً إلى أنّ عدم تمكّنِ الولايات المتحدة من معالجة مشاكل وخلافات تقوم بين حلفائها من شأنه أن يؤثّر سلباً على صورتها وهيبتها في المنطقة وفي العالم خصوصاً بعدما ركّزَ ترامب في حملته الانتخابية وبعد تسلّمِه الرئاسة على عزمِه إعادة الدور القيادي لبلاده في العالم.

هذا إضافةً إلى أنّ واشنطن عليها أن تبذلَ جهداً كبيراً لمتابعة ومعالجة مسألة تطوّر السلاح النووي لكوريا الشمالية خصوصاً بعدما أطلقت هذه الأخيرة بنجاح صاروخاً باليستياً عابراً للقارّات يمكنه الوصول إلى ولاية آلاسكا الأميركية، حيث لا يمكن لواشنطن التلهّي بمسائل جانبية في ظلّ هكذا مخاطر، وعليها بالتالي السعي إلى حلّ أزمة الخليج بلا إبطاء.

الأوراق التي تملكها واشنطن للضغط على حليفيها كثيرة. فبالنسبة الى السعودية، هنالك ضغوط سياسية يمكن ممارستها مِثل التلميح بتخفيف الدعم في الحرب على اليمن، والتهديد بوقفِ صفقة السلاح التي وقّعت أثناء زيارة ترامب الى المملكة، علماً بأنّ هناك الآن حملة لدى بعض القوى داخل الكونغرس تدعو إلى إلغاء الصفقة، كما أنّ الإدارة تستطيع إعادة فتحِ ملف علاقة السعودية بأحداث 11 أيلول والعقوبات التي يدرس الكونغرس بين فترة وأخرى فرضَها على المملكة نتيجة لذلك.

أمّا بالنسبة الى قطر، فإنّ واشنطن بإمكانها التهديد بنقل قواعدها العسكرية الى دولة أخرى والتلويح بعدم مساعدة قطر في حال حصول تدخّلات عسكرية ضدّها ورَمي ثقلها إلى جانب السعودية في حال رَفضت قطر الوساطة الأميركية التي يمكن أن ترتكز على الأمور الآتية:

أوّلاً: موافقة قطر على منعِ وعلى ملاحقة كلّ مواطن قطري يحاول تمويلَ متطرفين أو إرهابيّين.

ثانياً: تخفيف التعاون السياسي مع إيران على أن تبقى السفارة القطرية في طهران أسوةً بسفارات الإمارات وعمان والكويت.

ثالثاً: إبعاد بعض المتطرّفين الذين يُشجّعون على الإرهاب وتطبيق مراقبة شديدة على الأصوليّين المقيمين في قطر للتأكّد من عدم قيام أيّ علاقة بينهم وبين الإرهابيين في سوريا والعراق وسواهما.

أمّا بالنسبة إلى مطلب إقفال محطة «الجزيرة»، فإنّ واشنطن لا يمكن بأيّ شكل من الأشكال الموافقة عليه لأنّه يشكّل مساساً مباشراً بحرّية الرأي والتعبير التي لا يجوز إطلاقاً الحدّ منها.

في مقابل ذلك، يُرفع الحصار وتعود قطر إلى المجموعة الخليجية التي هي جزء لا يتجزّأ منها، بعد أن تكون، بنتيجة التفاوض الديبلوماسي وليس بالفرض القسري، قد عالجَت أهمَّ الأمور التي للسعودية ومصر انشغالات حولها.

أمّا في حال تلكّؤ واشنطن في الضغط لإيجاد حلّ لهذه الأزمة أو في حال رفض أيّ من الطرفين الوساطة الأميركية، فإنّ الوضع في المنطقة سيصبح شديد التعقيد ومفتوحاً على شتّى الاحتمالات بما فيها العسكرية، وستجد دول الخليج نفسَها في وضعٍ صعب للغاية، كما أنّ الولايات المتحدة ستكون من الخاسرين الكبار بينما ستَستفيد كثيراً كلّ مِن إيران وروسيا، وهذا ليس من مصلحة دول الخليج أو أميركا على الإطلاق.