IMLebanon

“حزب الله” يغزل دولته عبر عزل الدولة!

 

أيّ لبنان يريد “حزب الله”؟ سؤال “وجودي” واحد مسكون بهواجس كثيرة، تِبعاً للمسار التاريخي للحزب محلياً وإقليمياً، ليتحوّل بالنسبة لسائليه من اللبنانيين الى “سؤال العارف” لتأكيد المؤكّد.

 

“الدولة العميقة” التي بنى “حزب الله” مداميكها ومنظومتها المتحكّمة داخل “الدويلة اللبنانية”، تشي بخلاصات تطال فكرة ولادة لبنان وكيانه، التي لا ترقى الى “طموحاته” اللبنانية ذات الخلفية الإيرانية، الا عبر غزوة ثقافية تغيّر وجه لبنان، وحرب شعواء على المؤسّسات اللبنانية كافة لتفتيتها من أجل “سيادته” عليها، وغزل “دولته العلية” عبر عزل لبنان عن محيطه.

 

ولا يبدو أنّ في لبنان تهديداً يتجاوز الخطر الذي يطال الكيان اللبناني، بما هو دولة ومؤسّسات ودور اقتصادي ومساحة تفاعل للأفكار والثقافات، ومنتدى حياة يكتسب جاذبية عربية، بل وعالمية.

 

التهديد هذه المرّة ليس من عدوّ خارجي، ولا من مؤامرات دولية كما اعتادت منابر سياسية وحزبية ودينية على ترداد ذلك في محطّات زمنية قريبة وبعيدة، في نهج طالما اعتمد عن حقّ حيناً وفي غالب الأحيان، للتنصّل من مسؤولياتها تجاه الدولة ومؤسساتها وحيال السيادة ومترتّباتها.

 

بهذا المعنى، يمكن مقاربة مسألة الخطر العسكري الإسرائيلي على لبنان، إذ طالما شكّل العنوان الاسرائيلي مظلّة لتمرير العديد من القرارات والسياسات التي طالت وجود الدولة، وسبّبت إضعاف مؤسّساتها ولتبرير وجود السلاح غير الشرعي، وسبيلاً للاستقواء الداخلي واعتماد لبنان منصّة لتصفية حسابات داخلية واقليمية لا علاقة لإسرائيل بها.

 

من دون أن نقلّل من شأن كلّ المقاومين والذين دفعوا أثماناً غالية في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي من المقاومة الفلسطينية الى المقاومة الوطنية اللبنانية… الى مقاومة “حزب الله” الذي غيّر هوية المقاومة، من مقاومة وطنية وقومية متنوّعة الى فعل متخصّص بحزب ايديولوجي، لا يتقبّل في صفوفه وجود غير الشيعي المؤمن بقيادة ولي الفقيه في ايران في صفوفه. أي أن المقاومة العسكرية في لبنان بات شرطها بالنسبة لـ”حزب الله” الولاء العقيدي لايران ولي الفقيه.

 

على هذا المنوال، يغزل “حزب الله” هوية للبنان التي فقدت العديد من عناصرها أمام الاكتساح الذي عبّرت عنه ثقافة الحزب السياسية والايديولوجية، التي لا تستقيم الا على الاستقواء، وعلى رذل الهوية الوطنية، واستعداء الهوية العربية بما هي هوية تاريخية وانتماء لنظام مصالح اقليمي يشكّل شريان حياة للبنان منذ نشأ وقام كشعب ووطن ودولة.

 

لم تستقم مقولة حلف الأقلّيات في سياق الإعلاء من شأن لبنانية “حزب الله”. وبالرغم من الحلف الذي قام مع العماد ميشال عون وتياره المسيحي، فإنّ غربة الحزب عن لبنان وغربة الدولة عنه لم تنكفئ ولم تتراجع، بل اظهرت الوقائع أنّ الهوية الوطنية والانتماء العربي، ليسا مجرّد جملة تتردّد على ألسنة بعض القيادات، انّما هما عنوانان لمسار سياسي وعملي لا يستقيم الا بحسم الولاء للوطن والدولة لبنانياً، وبالإقتناع أنّ الانتماء العربي هو حقيقة جيوسياسية وحضارية وعنصر وجود للبنان الشعب والمؤسسات.

 

محاولات تغيير هوية لبنان كشفت عن مسار العزل الذي يعيشه بلد طالما كان وجوده مرتبطاً بكونه بلداً يجتذب اليه العرب والغرب، بكلّ ما ينطوي عليه ذلك من تنوّع حضاري وثقافي وسياسي، وكيف أن الدولة تتداعى بإرادة السلطة، والاقتصاد ينهار ويموت لصالح الهباء، وأنّ الفساد استرأس واستأسد، والأمثلة لا تُحصى عن مظاهر التدهور تربوياً وصحّياً وثقافياً وسياحياً..

 

وما يقترحه “حزب الله” على لبنان اليوم، هو تغيير الهوية، الإحتفاء بإقامة نصب وتماثيل للواء الراحل قاسم سليماني، والقبول بمقولة السيّد حسن نصرالله انّه لولا مقاومة حزبه لما انتبه أحد في العالم الى لبنان… فيما اسرائيل التي طالما كانت تسعى لتقويض الهوية اللبنانية ونموذج لبنان، يتفرّج مسؤولوها اليوم بفرح وبهجة على انهيار لبنان، الذي لم تكن قوّته وميزته في يوم من الايام عسكرية فحسب، بل في نموذج الحياة والعيش والتنوّع والانفتاح والتفاعل الخلّاق بين مكوّناته، ومساحة حرّية وتفاعل خلّاق بين تيارات واتّجاهات فكرية وسياسية وثقافية.

 

… هنا بيت القصيد الذي يكشف كيف أنّ هوية لبنان ومعناه في قلب نصرالله، وما هو خارجه لا معنى له، بل لا وجود له ولا طائل منه.