IMLebanon

حزب الله.. ومغطس الحَرَج!

 

 

الكوريغرافيا السياسية تقول هذه الأيام بأن أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله كان يفضل إلقاء خطاب مماثل للذي ألقاه قبل أيام وإنما في ذكرى انتهاء حرب تموز، وذلك لمجيء مضمون خطاب الذكرى محمّلاً بشحنة سياسية مكثّفة في حين تعوّد الداخل اللبناني على هذا الخطاب بالتحديد بأنه المنصة الأوضح التي يخاطب من خلالها حزب الله اسرئيل وإن بمجرّد استعادة عنوانين «الانتصار» ونبش الأرشيف!

 

فبعيدا عن احتمالات نشوب حرب جديدة مع اسرائيل، تفاصيل عديدة لاحظها المراقب لحركة حزب الله بعيد الإعلان عن سقوط الطائرتين الاسرائيليتين المسيرتين في الضاحية الجنوبية لبيروت، أبرزها تقصّد تضمين تعليق المسؤول الإعلامي للحزب محتوى تصعيديا لترويج كلمة نصر الله على نحو ظن معه المتابعون بأن الخطاب قد يشهد صورة منقحة عن «انظروا اليها الآن تحترق وستغرق» التي قالها نصر الله في خطاب مباشر إبّان عدوان تموز 2006 معلنا استهداف احدى البوارج الحربية الاسرائيلية وإذ بكل الخطاب لا يتعدى كونه مجرّد تنفيسة منتظرة سخّر لها نصر الله كل مهارات الخطابة وإنما تحت مستوى المتوقّع.

 

بكل تأكيد لبنان لا يحتمل أية حرب في الوقت الراهن ولا العوامل الاقليمية مكتملة لذلك بالنظر الى انشغال اسرائيل بانتخاباتها وتحضير دوائر الإدارة الأميركية  للانتخابات الرئاسية علاوة على التورط الايراني في أكثر من خندق عربي عدا عن حركة تصعيدها عبر الورقة النووية والتسلح الصاروخي وغيرها من الأسباب التي تنفي حتى هذه السطور احتماليات نشوب حرب جديدة في المنطقة، لكن ما هو مؤكد أيضا أن حزب الله غارق حاليا في مغطس أكثر خطورة من مغاطس الحرب السورية واليمنة والعراقية.

 

إنه مغطس الحرج الذي بدأ يثير التساؤلات ليس عند أخصام الحزب فحسب وإنما داخل بيئته أيضا. مغطس يمس ولأول مرة منذ عقود طويلة بمصداقية الحزب حيال منطلقات «المقاومة» والعناوين الوطنية الموازية ما جعله في حيرة أمام زحمة موجعة من العتاب والأسئلة الوطنية البديهية.

 

ثمة من يسأل داخل بيئة الحزب اليوم، عن شكل أي حرب مقبلة مع اسرائيل في وقت ما زال يلبث فيه مئات مقاتلي الحزب في الحرب السورية هذا عدا عن الصراخ المتعالي حيال زمن العودة الى قراهم وأهاليهم بعد سنوات طاحنة سبّبت ويلات اجتماعية داخل بيئة الحزب تفوق ويلات حرب تموز؟!

 

وفي الشق السياسي، أسئلة ترتسم عن جدوى أي حرب جديدة في الوقت الذي قام فيه كل التعاطي السياسي لحزب الله  مع الداخل خلال السنوات الثلاث عشرة الماضية  على تبرير ورطة «لو كنت أعلم» فضاعت سنوات سياسية بالمشاحنات وسقط السلاح في لحظة المصارحة في شوارع وعلى أرصفة العاصمة بيروت والجبل والبقاع عبر انقلاب السابع من أيار 2008 !

 

فيما يبقى السؤال الأكثر ايلاما بالنسبة للحزب ذلك المتعلق بديموغرافيا نزوح بيئة الحزب في أي معركة مقبلة، بعدما عملت السنوات الأخيرة بكل أسف على تغليب الخلاف السياسي مع الحزب على أولويات التضامن ومرد ذلك الى حفلات الاستفزاز اللامتناهية من قبل مواقف قيادات حزب الله والعراضات المسلحة لجمهوره التي كان آخرها خلال نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة في شوارع بيروت أيار 2018.

 

حزب الله بحاجة اليوم الى تعديل وتحديث وتنميق الكثير من الخطابات، لكن ذلك يبقى صعبا للغاية قبل النهوض من مغطس الحرج.