IMLebanon

هل تنتفض المعارضة على هوكشتاين كما انتفضت على لودريان؟

 

إستغرقت المعارضةُ وقتاً طويلاً لتدرك وتستوعب وتتصرّف على أساس أنّ فرنسا لم تعد الأم الحنون للموارنة ولا للبنان، فتأخّرت الانتفاضة في وجه سياسة الرعاية الفرنسية للمصالح الإيرانية في المنطقة ولـ»حزب الله» في لبنان، وكان هذا التأخير مبنيّاً على «النوستالجيا» التي تمسّكت بها قوى في المعارضة وراهنت على الخطاب الفرنسي الخشبي الذي تحدّث عن دعم الدولة وعن العلاقة الخاصة بلبنان. وها هي المعارضة تتأخّر أيضاً في التعامل مع توجّهات واشنطن فتذهب نحو طلب لقاء آموس هوكشتاين لتبليغه موقفها المعلوم بعد تجاهلٍ من الموفد الأميركي، فهل يكفي ذلك أم أنّ الأمر يحتاج انتفاضة في وجهه مع تقديم طرح جديد لحلّ الأزمة الرئاسية والعامة؟

 

هل كان على أطياف المعارضة اللبنانية طلب لقاء هوكشتاين وهو الذي كان يتجاهلها ويُغرِق في لقاءاته مع الرئيس نبيه بري ويمنحه «الألقاب السوبر» بينما يجافي هوكشتاين المعارضين على قاعدة أنّ التفاوض يجري مع الأقوياء، و»حزبُ الله» ومحورُه هما صاحبا القرار، لذلك لا يستحقُّ معارضوه التوقف عندهم، وهذا المنطق هو السائد اليوم بالممارسة؟

 

سبق للموفد الفرنسي جان إيف لودريان أن مارس سياسة الإقصاء والتهميش بحقّ معارضي «حزب الله» وذهب أبعد فاستثنى المكوِّن السنّي من اتصالاته حتى حصلت انتفاضة في وجهه وفي وجه السياسة الفرنسية، تصدّرها رئيس حزب «القوات» الدكتور سمير جعجع فتحدّث عن مخاطر هذه السياسة وذكّر فرنسا بقواعد سياستها تجاه لبنان وأعلن رفضه أيّ انحياز لصالح مرشح الحزب النائب الأسبق سليمان فرنجية فحاول الفرنسيون تعديل حركتهم لكنّ المضمون لم يتغيّر.

 

يختلف هوكشتاين في مساره عن السياسة الفرنسية أنّه يمثل الدولة العظمى الأولى في العالم وأنّه يستند إلى «إنجاز» ترسيم الحدود البحرية مع «حزب الله» باسم الدولة اللبنانية، لكنّه كان واضحاً أيضاً في اندفاعه نحو تكريس سياسة الأمر الواقع المستندة لاعتبارٍ واحد هو التسليم بأنّ «حزب الله» هو الطرف المسيطِر في لبنان والذي يستحقّ التفاوض معه ليس للتوصّل إلى إنهاء الاشتباك على الحدود مع فلسطين المحتلة، بل أيضاً للبحث في مصير لبنان بنظامه السياسي ووضعه الإقليمي ضمن الصفقة الكبرى مع إيران على مستوى المنطقة.

 

يمارس هوكشتاين الحوار الذي يطلبه الرئيس بري وهو يكاد يرتدي زيّ حركة «أمل» كما ارتدى لودريان زيّ الحرس الثوري الإيراني، واللجنة الخماسية أصبحت عملياً معطّلة، لأنّ إيران لم تُدعَ إليها وفي الوقت نفسه تجري مراعاتها وكأنّها موجودة فيها… لكن عندما يجتمع هوكشتاين بالمحور، هل يراعي المعارضة ورؤيتها للأزمة وهل يتوقف عند رأيها كما تتوقّف الخماسية عند رأي إيران؟

 

ليس لدى المعارضة ما تخسره مع الإدارة الأميركية الماضية في عقد الصفقات مع إيران، وهذا ما دفع المملكة العربية السعودية إلى قطع الطريق على الابتزاز الأميركي لها في الملف اليمني وفي المنطقة فاتجهت نحو مصالحة تاريخية مع إيران، كان من نتائجها وقف الاستنزاف في اليمن وبدء تحقيق انفراجاتٍ محدودة في العلاقات بين البلدين وعلى مستوى الإقليم، لكنّها لم تصل في تداعياتها إلى لبنان، إمّا لأنّ طهران والرياض لا تعطيان الأولوية له الآن وإمّا لعجز قواه السياسية عن استيعاب أبعاد هذه المصالحة وإيجاد الإخراج المناسب أو الأمرين معاً.

 

هل على المعارضة أن تتّجه إلى التفكير في تسويةٍ متطوِّرة في ظلِّ الإعراض الأميركي عنها والاقتراب السعودي الإيراني، وفي ظلّ قدرتها على منع فوز مرشح «حزب الله» الرئاسيّ وصولاً إلى فرض توازن معقول في مواجهة «حزب الله»؟

 

لا شكّ أنّ قوى في المعارضة لها علاقات تعاون تنموية أو سياسية مع جهات أميركية لكنّ أهميّة هذه العلاقات آخذةٌ في التراجع مع تعاقب الأحداث، وهذا يظهر من خلال تراجع القدرة والفعالية للقوى اللبنانية التي تعاني من انعدام الدعم السياسي الدولي والعربي وهي لا تملك الآن القدرة على المبادرة وكان أقصى ما استطاعت الوصول إليه التقاطع مع «التيار الوطني الحر» على اسم جهاد أزعور.

 

ما تدركُه المعارضة ولا تفضّلُ الخوض فيه، هو أنّ السعودية أنهت سياسة الاصطفافات في المنطقة ومنها لبنان، وهذا ينعكس على توجهاتها في البلد بما يُضعِفُ في الشكل موقف معارضي «الحزب»، لكن، ثمّة جانب آخر لم تلتفت إليه المعارضة وهو كيفية تعامل إيران مع «حزب الله» في إسقاط المصالحة مع السعودية على الواقع اللبناني، وهذا الأمر ربما يتأخّر في الوصول إذا تُرِكَ على حاله، لكن ينبغي إثارتُه والبحث في عناصر تطبيقه عربياً ولبنانياً بدل انتظار لقاء «مجاملة» مع هوكشتاين.

 

هل يمكن التفكير بخيارٍ آخر بدل البقاء في إطار التقاصف مع «حزب الله»؟ وهذا الاشتباك له حدودُه المعروفة التي وصلت ذروتها عند حدود التهديد بـ»الطلاق» من البعض وبالدعوة إلى تغيير النظام السياسي لعدم إمكانية الاستمرار في ظلّ هيمنة الحزب على لبنان وهذا يحتاج مساراً داخلياً وخارجياً معقّداً.

 

تظهير مكامن القوة

 

هناك من يعتقد أنّ على المعارضة أن تنتفض في وجه هوكشتاين وإدارته كما سبق أن انتفضت في وجه لودريان وإدارته لتظهير مكامن القوة كما يجب أن تراها عواصم القرار، فالاستمرار بهذا الأداء السياسي يؤدّي إلى تآكل قوة المعارضة مع تفاعل الأحداث في المنطقة، خاصة أنّ «حزب الله» لديه أبعادُه الإقليمية، بينما المعارضة محصورة في إطارها اللبناني، وهذا عنصر إيجابي لكنّ الإدارة الأميركية لا ترى حالياً سوى الجانب الآخر.

 

كيف يمكن خلق مسار جديد يجعل عواصم الخماسية ترى أنّ الوقوف عند رأي المعارضة أمرٌ ضروري لا يمكن تجاوزه في إطار توازناتٍ مبنية على فهم التوجّهات السعودية وأين وصلت في التلاقي مع إيران في مصالحتها من جهة، والإفادة من الثبات السعودي على المواصفات الرئاسية والتمسّك ببناء الدولة والإصلاح ودعم الشرعية من جهة أخرى، فهذا بابٌ يجب على المعارضة أن تطرقه لأنّ انفراد «حزب الله» في التفاوض ينبغي مواجهته بتوازن جديد مبنيّ على استيعاب مرحلة المصالحة الإيرانية السعودية وعلى تغليب منطق الدولة في التعامل مع إيران خلال متابعة أبعاد هذه المصالحة.

 

يمكن تلخيص الواقع بالقول إنّ الصيت للمعارضة في العلاقة مع الأميركيين والفعل لـ»حزب الله» بعكس الاتهامات التي دأب الحزب على إطلاقها ضدّ معارضيه كلّما أراد استهدافهم وتغطية تفاهماته الأميركية، فهل تكسر المعارضة هذا الواقع بمبادرة تعيدها إلى قلب المعادلة من جديد أم تبقى تراوح في الانتظار؟