IMLebanon

“اليوم التالي” المفقود على الروزنامة

 

بموازاة بعض الآمال بإمكان إنجاح المحادثات حول هدنة إنسانية جديدة طويلة هذه المرة في إطار صفقة لتبادل الرهائن والأسرى وتمرير المزيد من المساعدات الإنسانية للقطاع المنكوب والمدمّر وسط كارثة إنسانية غير مسبوقة، يغلب التشاؤم على مدى جديّة الحديث عن الأفق السياسي للحلول للحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة، سواء بحديث الدولتين أو بتكرار الترويج للحاجة إلى عملية سياسية في اليوم التالي للحرب.

 

هذا ما ينتهي إليه العديد من المراقبين والمحلّلين الذي يرون في تكرار مقولة الدولتين نوعاً من السراب، بهدف تقطيع الوقت. لكن أن يكون نائب رئيس الدراسات حول شؤون الشرق الأوسط في معهد «كارنيغي» وزير خارجية الأردن السابق مروان المعشر في طليعة هؤلاء المتشائمين، يضفي الكثير من الجديّة على ضعف إن لم نقل غياب الآفاق الفعليّة لأيّ جهود من أجل التوصّل إلى حلول صلبة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. فالمعشر صاحب الخبرة الواسعة من موقعه كوزير خارجية سابق وكمفاوض حول عملية السلام منذ تسعينات القرن الماضي وصولاً إلى اتفاق وادي عربة بين عمان وتل أبيب، سعى إلى استكشاف ما يمكن أن يكون عليه «اليوم التالي» للحرب وقدّم رؤيته إلى مجلس الأمن في هذا الصدد وكتب فحوى ما استخلصه مقالاً في «فورين أفيرز»، كمحلّل يستفيد من المعطيات السياسية التي لديه، بأنه لم يجد أيّ بوادر لأيّ عملية سياسية تعقب وقف النار.

 

بالأمس كرّر الرئيس الأميركي جو بايدن القول إنّ إدارته تعمل «من أجل إحلال السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، بناءً على دولتين وشعبين يعيشان جنباً إلى جنب»، وقال وزير خارجيته أنطوني بلينكن إنّه طلب من فريقه تحضير الأفكار حول «اليوم التالي». ووزير خارجية بريطانيا ديفيد كاميرون الذي زار بيروت أمس في سياق الجهود الدولية من أجل خفض التصعيد في جنوب لبنان وتطبيق القرار الدولي الرقم 1701، سبق أن اقترح خطة من خمس نقاط تبدأ بوقف العمليات القتالية وتنتهي بـ»أفق سياسي» لإقامة دولة فلسطينية وتشكيل حكومة فلسطينية تحكم الضفة الغربية وقطاع غزّة بعد الحرب… ثم أبدى الاستعداد للإعتراف بالدولة الفلسطينية. وسبقته مفوضية الإتحاد الأوروبي باقتراح حلّ من 10 نقاط تشمل إحياء مفاوضات السلام والاستعداد للإعتراف بالدولة. لكن الأفكار البريطانية تتضمّن أيضاً خروج قادة «حماس» من غزة، الأمر الذي ترفضه الحركة وبالتالي يقوّض إنفاذ الهدنة إلى مرحلة سياسية جديدة، فيما واشنطن ترى أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية يأتي في نهاية العملية السياسية… وكلّ ذلك يؤشّر إلى أن الآمال «ضعيفة» (التعبير الديبلوماسي للمعشر) بالعملية السياسية.

 

في اعتقاد المعشر أن إذا هناك من جدية اليوم في العملية السياسية، بعدما أخفقت عمليات التفاوض السابقة ومنها في اتفاقيات أوسلو في منع بناء المستوطنات، وفي تعريف الحلّ النهائي والهدف النهائي، أيّ الدولة الفلسطينية، و»إنهاء الاحتلال خلال مدّة زمنية محدّدة من 3 إلى 5 سنوات مثلاً»، فإن الاعتراف الذي يجري الحديث عنه بالدولة على حدود العام 1967 قبل بدء المفاوضات على أن يقترن بوقف بناء المستوطنات، (وهو أمر لن يحصل)، عندها يمكن للمجتمع الدولي أن يطلب إجراء انتخابات فلسطينية وإسرائيلية حول خطّة السلام التي يمكن التوصّل إليها. لكن أيّاً من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لا يعترف بوجود شريك للسلام في الجانب الآخر.

 

من بين الأسئلة المطروحة حالياً من يحكم غزة كأن هذا هو الحل، فإن هذا لا يقود إلى الحلّ، إلا إذا كان خطوة على الطريق ضمن تصوّر، في وقت يحتاج أيّ حلّ إلى تصوّر لإعادة إعمار غزّة، في وقت لا يبدو أنّ هناك من يهتم بذلك، وهذا سيطيل بقاءها على حالتها الراهنة، مثلما هي الحال في سوريا، حيث لم يتقدّم أحد بمشروع لإعادة إعمارها.

 

حول مدى واقعية التركيز على من يحكم غزّة وما يستتبعه ذلك في اليوم التالي يشير المعشر إلى الآتي:

 

– مضت 10 سنوات ولم تبذل الإدارات الأميركية جهداً لإحياء عملية السلام. وإدارة بايدن في مرحلة انتخابات وغير مستعدة للضغط على إسرائيل.

 

– إن إسرائيل لم تعلن في أيّ مرّة استعدادها لإنهاء الإحتلال، وهي تلاعبت طوال السنوات الماضية بشعار حلّ الدولتين للتهرب منه. والحكومة الحالية لا تمتنع عن إنهاء الإحتلال بل تريد طرد الفلسطينيين. وفي حال حصلت المعارضة على الأكثرية، الأمر المرجح، بعد محاسبة الحكومة الحالية، فمن غير الواضح إذا كانت الحكومة المقبلة ستكون أكثر مرونة إزاء الحل. فالانقسام بين المعسكر الموالي والمعسكر المعارض هو حول نتنياهو (وليس حول العملية السياسية).

 

– السلطة الفلسطينية كانت ضعيفة قبل 7 أكتوبر وصارت أكثر ضعفاً بعدها… ويصعب أن تتحدث باسم الفلسطينيين. وإجراء انتخابات يتطلّب أكثر من سنة. ولهذا حديث آخر عمّن يحصل على الأكثرية.