IMLebanon

“إنكربت” ورئيسها ملاحقان جزائياً… ولكنّها باقية باقية باقية

 

مضى ديوان المحاسبة بفتح الملف الجزائي لشركة INKRIPT المشغلة لخدمات هيئة إدارة السير والمركبات المتعلقة بمعاملات تسجيل السيارات، دفع رسوم الميكانيك، وإصدار إجازات السوق والملكية واللوحات الآلية. فأحال مدعي عام الديوان القاضي فوزي خميس الشركة وصاحبها هشام عيتاني مطلع هذا الأسبوع، إلى النيابة العامة الإستئنافية، موصياً هيئة إدارة السير ووزارة الداخلية باتخاذ التدابير المناسبة بحق الشركة المشغّلة التي اتهمها بالتسبب بالعطل والضرر، وبحرمان الخزينة من مبالغ طائلة تصل قيمتها إلى 23 مليون دولار يومياً، وذلك عندما أوقفت الشركة خوادمها، كوسيلة لابتزاز الدولة والضغط على الإدارة والتمرد عليها في محاولة لاستيفاء الحق تحكماً.

مصدر قانوني رأى في هذه الإحالة، سابقة تؤسس لملاحقة متعهدي الخدمات عند إلحاقهم الضرر بالمصلحة العامة، وبالتالي محاسبتهم وفقاً للقوانين الجزائية التي قد تصل أحكامها إلى السجن إلى جانب إلزام المحكومين بالتعويضات المالية. وبالتالي إعتبر المصدر «أننا أمام إمكانية للتوسع بالتحقيقات في هذا الملف، للإحاطة بكل جوانب تلزيم الشركة بخدمات الهيئة، وما شابها من شبهات فساد وهدر للمال العام منذ أعطيت حق إحتكار خدمات النافعة لنحو 18 سنة، حتى ظنت بأنه يمكنها أن تبتز الدولة من خلال الإحتفاظ بمفاتيح إعادة تشغيل أنظمة الشركة».

 

لم يأت قرار القاضي فوزي خميس منفصلاً عن الرأي الإستشاري الذي أصدرته الغرفة الناظرة بالملف بديوان المحاسبة في شهر أيلول الماضي. اذ أوصى الديوان حينها بفتح الدفاتر القديمة لـ»إنكربت»، لمعرفة ما إذا كانت المبالغ التي تقاضتها والتي بلغت حتى تاريخ النظر بالملف 184 مليار ليرة، موازية فعلاً لحجم السلعة التي قدمتها للدولة. وأرفق الديوان التوصية حينها، بتحويل الملف إلى النيابة العامة التمييزية والنيابة العامة في الديوان، والتي بعد توسعها بالتحقيق قررت الإدعاء على عيتاني وشركته، علماً أنّ عناصر هذا الإدعاء وفقا لمصادر في الديوان أمّنها تعطيل المرفق العام، الذي يشكل في ضوء قانون الشراء العام وتعديلاته، جرماً جزائياً.

 

مسار طويل عزّز شبهات الغش

 

إذاً الشبهات التي أثيرت حول «إنكربت» لا تنحصر بأدائها في الأشهر الأخيرة من عمر عقدها، والذي استفاد من قانون تمديد المهل ليطيل عمر التشغيل نحو سنة وثلاثة اشهر إضافية. بل تعتبر مصادر متابعة للملف أنّ هذا التلزيم لم يقارب منذ البداية المسار القانوني، وهذا ما أوقعه في الخطأ، وعزز شبهات الغش والفساد فيه. والمعلوم أنّ فكرة إجراء مناقصة في هيئة إدارة السير بدأت مع وزير الداخلية الأسبق مروان شربل، وكان طرحه في البداية يقتصر على تلزيم إصدار لوحات المركبات الآمنة فقط، والذي رأت هيئة إدارة المناقصات إلزامية مروره عبرها، خصوصاً أنّ الوزارة هي من سيضع دفتر الشروط لهذه المناقصة وهي التي تمول.

 

وبالفعل بدأ إعداد دفتر الشروط الذي نوقش مع هيئة إدارة المناقصات ووضعت عليه الأخيرة تعديلاتها، إلى أن إستقالت الحكومة، وحل الوزير نهاد المشنوق بدلاً من مروان شربل في وزارة الداخلية. فلم يراسل المشنوق هيئة إدارة المناقصات، وسار بعكس رأيها من دون أن يعلل السبب. ليطل بعد فترة بمناقصة شملت تلزيم رخص السوق، واللوحات، واللاصقات، وبرامج المكننة، بدفتر شروط واحد، رغم أنها تنطوي على خمس خدمات مختلفة. وهذا ما بدا أنه يحمّل الدولة وهيئة إدارة السير، مخاطر إعطاء الحصرية في كل الخدمات لشركة واحدة، الأمر الذي ترجمت تداعياته مؤخراً عندما لجأت «إنكربت» إلى العصيان، عبر إطفاء خوادمها، وبالتالي التسبب بشل حركة النافعة بشكل كلي وحرمان الدولة من واحد من أبرز مواردها التي تتوفر عبر هذا المرفق لنحو ستة اشهر تقريباً.

 

هذه الوقائع وتفاصيلها تتكشف يومياً للجنة تقصي الحقائق حول «إنكربت»، التي انبثقت من لجنة الأشغال العامة النيابية. اذ يكشف رئيس اللجنة النائب إبرهيم منيمنة لـ»نداء الوطن» عن «عدة مستويات من المخالفات بهذا الملف. منها ما يتعلق بكيفية نشوء هيئة إدارة السير، والتشريع لها، وماهية نظامها الذي سمح لوزير الداخلية أي وزير الوصاية نهاد المشنوق حينها، بالتدخل من خارج صلاحياته ومن خارج التشارك مع وزير المالية بحسب النظام المالي، ليفرض دمج دفاتر الشروط، وحبك صفقة مع معايير تقييم سمحت لانكربت بأن تتمتع بنوع من التمايز في المعاملة. علماً ان هيئة إدارة السير والآليات والمركبات تعتبر مؤسسة عامة ذات شخصية معنوية واستقلال مالي وإداري. وبالتالي، لا يعتبر وزير الداخلية رئيساً مباشراً لها».

 

لجنة تقصي الحقائق

 

إستمعت لجنة تقصي الحقائق لهيئة الشراء العام ورئيسها الدكتور جان العلية الذي قدم للجنة في جلستين ملاحظاته المكتوبة، بالإضافة إلى الاستماع لرئيس هيئة السير بالتكليف القاضي مروان عبود، ومفوض الحكومة وعدد من موظفي الهيئة، في محاولة لتبيان كيفية حصول عملية التلزيم، وكيف سمح لوزير الداخلية بأن يملي رأيه ويفرضه على مجمل عملية التلزيم ودفتر شروطها.

 

وفي أخر جلسة، طلبت اللجنة إجابات بالوثائق من ديوان المحاسبة الذي إلى جانب رأيه الإستشاري الذي ضمّنه توصيات بمزيد من التدقيق في الملف، كان قد أصدر قراراً في شهر تموز من العام 2022، فنّد خلاله المخالفات لنظام إدارة المناقصات العامة، ولنظام المحاسبة العمومية في إرساء التلزيم، بالإضافة إلى «إختيار معايير تصب مباشرة لصالح عارضين محددين».

 

بحسب منيمنة يفترض أن ينتهي عمل اللجنة برسم صورة متكاملة حول كيفية حصول الصفقة، التي سيطلع الرأي العام على نتائجها، مشدداً على «أننا لجنة تقصي حقائق وليس لجنة تحقيق» ومع ذلك فإنّ المعلومات التي ستصل إليها اللجنة ستشكل مستنداً يمكن للمجلس أن ينقله إلى مستوى لجنة التحقيق أو يستفيد منه القضاء في التوسع بتحقيقاته. هذا مع العلم أنّ هناك دروساً مستفادة من خلال فتح هذا الملف بحسب منيمنة، يجب أن تؤدي إلى إغلاق الثغرات والهوامش الموجودة في القوانين، والتي يستفيد منها أصحاب النيات السيئة. وبالتالي يقول «علينا كنواب وضع إقتراحات قوانين تسد الثغرات القانونية التي سمحت بالوصول إلى الإستنسابية أو التمايز في تلزيم هذا المرفق».

 

المريب في الأمر، أنّه على رغم الشبهات المثارة حول «إنكربت» وعملها، فإنّ ملفها لم يحرك على مستوى اللجان النيابية سوى على مشارف إنتهاء عقدها، مع العلم أنّ النائب زياد الأسود كان قد تقدم قبل سنوات بسؤال حول تلزيم الشركة، إلا أنّ هذا السؤال لم يتابع وتوقف الحديث عنه بعد التسوية التي أوصلت الرئيس ميشال عون لسدة الرئاسة. فتوارت المناقصة عن الانظار ولم يعرف عنها شيء، إلى أن أمعنت الشركة في ابتزاز الدولة من خلال إطفائها خوادمها بشهر تموز الماضي، فكانت تلك خطيئتها الكبرى التي دفعت إلى فتح كل ملفاتها، ونبش حساباتها القديمة، وصولاً إلى التحقق من الأسعار التي وضعتها للسلع المقدمة من قبلها، والتي كشفت مصادر رقابية أنّه تبيّن لها أنّها فاقت بأضعاف أسعارها في الخارج. ولدى استفسار جهات رقابية من الشركة عن سبب هذا الفارق بالأسعار، ذكر أنّ السعر تضمن كلفة التجهيزات المطلوبة والتي حاولت الشركة أن تكبدها لخزينة الدولة كما يبدو.

 

بالنسبة لمنيمنة «فإنّ تجاهل هذا الملف شكل نوعاً من التواطؤ، وبالتالي لا يمكن رؤية ذلك إلا كنوع من مشاركة أو تحاصص بعملية فساد كبيرة».

 

الفصل بين المسار العملي والمسار القضائي

 

ولكن على رغم كل ما ذكر يبدو إستمرار التعاون مع «إنكربت» حتى بعد إحالتها الى النيابة العامة، كخطة وحيدة لدى هيئة إدارة السير، التي يصر رئيسها بالتكليف مروان عبود على الفصل بين المسار القضائي للملف والمسار العملي، مشيراً إلى أنّ «إنكربت تعرف أن لا علاقة لنا بما حصل»، وبالتالي يكرر بأن سقف التعاون المستمر يقوم على تطبيق القرار 13 في تسديد المستحقات المالية.

 

في المقابل يعرب منيمنة عن تفهمه لكون هيئة إدارة السير أمام خيارات صعبة لتسيير شؤون الناس ومصالحها وكي لا تخسر الدولة مواردها. ويلفت إلى أنّ الهيئة لم تخف كونها غير جاهزة لا من ناحية الموارد المالية ولا البشرية لإدارة هذا المرفق مباشرة.