IMLebanon

إيران و»فرس النبي 2»

 

برغم جنونه، بدا الرئيس الأميركي دونالد ترامب شديد التعقّل عندما أوقف الضربة الأميركيّة ـ مهما كانت غير ذات قيمة ـ لأنّ إيران تلفظ أنفاسها إقتصاديّاً كانت تتوسّل هذه الضربة لتفجير المنطقة وجرّ الجميع إلى مائدة مفاوضات بالحرب، أقصى ما تطلبه إيران في هذه المرحلة من ترامب «أن يخفّف العقوبات» عليها، هذا ما طالبه به الرئيس الإيراني حسن روحاني للقبول ببدء مفاوضات جديدة، مع التأكيد على أنّ رأينا ورؤيتنا لاستقرار المنطقة ترى أنّه لا مفرّ من توجيه ضربة قاصمة لإيران تقطع كلّ أذرعها العابثة بشرورها في المنطقة.

 

لا علاقة لهيبة أميركا أو قدراتها الحربيّة في اللحظة الإيرانيّة، هنا نحيل الذين هبّوا للحديث عن «كرامة أميركا» على حادثة إسقاط تركيا لطائرة سوخوي سو-24 الروسيّة في 3 تشرين الأول 2015 في لحظة كباش تركي ـ روسي في فضاء الحرب السوريّة، وفرق كبير بين طائرة درون مسيّرة وإن كانت فخر الصناعة الأميركية ومقاتلة حربية سوخوي 24 يقودها طياريين روسيّين، ولا يغيب عن بال الجميع أنّ إيران ليس بإمكانها أن تتمادى في استفزازها للأميركي وأنّ جنوحها ليس نزهة، فاللعبة قائمة على الاستدراج وعسى أن لا يقع أحد في الفخ الإيراني.

 

قليل من الوقت، أشهر قليلة وستكون إيران دولة ميتة، وبحسب المثل المصري «الضرب في الميّت حرام»، ولأنّ حكم الملالي في إيران يعرف وبوضوح ومن دون أدنى توهّم أنّه على حافّة الموت يستقتل ليجرّ «الشيطان الأكبر» إلى طاولة مفاوضات، إيران تتمنّى أن يوافق الأميركي على محاورتها لذا لن تستفزّه لمحاربتها،والمنطقة برمّتها تفضّل الخلاص من إيران بالعقوبات، بصفر صادرات نفطيّة، فحماقة الحرب مكلفة جداً جداً وللجميع.

 

قد يتصاعد عرض العضلات الإيراني، أمّا الذين يتساءلون ما إذا كان ترامب سيغرّد بمعركة «فرس النبيّ» ثانية ـ هجوم وقع في 18 نيسان 1988 شنته القوات المسلحة الأميركية داخل المياه الإقليمية الإيرانية ثأراً لإصابة فرقاطة الصواريخ الموجهة الأمريكية USS صمويل روبرتس بلغم إيراني ـ عبر تويتر وينفّذ بعد أربعة أيام ضربة مماثلة، هؤلاء عليهم أن يتذكّروا أنّ الظروف اليوم مختلفة تماماً عن تلك التي كانت سائدة في العام 1988 خلال الحرب العراقيّة ـ الإيرانيّة، وأنّ عمليّة «فرس النبي» في ذلك الوقت ساهمت في الضغط على إيران لوقف حربها مع العراق، وأنّ هكذا ضربة اليوم ستتسبب في اندلاع حرب في منطقة الخليج كلّها وربّما في الشّرق الأوسط لا في إيران فقط.

 

 

ومع هذا، إيران دولة وقحة جدّاً إلى حدّ أنها وبالرّغم من تلغيمها الخليج العربي في ثمانينات القرن الماضي خلال حربها مع العراق، تقدمت بدعوى أمام محكمة العدل الدولية ضد الولايات المتحدة من أجل الحصول على تعويضات لخرق «معاهدة صداقة» 1955 بين البلدين،  وفي 6 تشرين الثاني 2003 رفضت محكمة العدل الدولية كل من المطالبة والدعوى لأن اتفاقية 1955 لا تتضمن سوى حماية حرية التجارة والملاحة بين أراضي الطرفين.

 

أحياناً ، لا ينفع التعقّل في درء خطر اندلاع حرب مدمّرة، عندما يكون الجنون سيّد الموقف تندلع الحرب في لحظة لا يتوقّعها أحد، هكذا اندلعت الحرب العالميّة الأولى والثانية وكل الحروب التي سبقتها أو التي تلتها، والكباش الإيراني ـ الأميركي بلغ مرحلة شديدة الخطورة، وكشفت أحداث الساعات الماضية أنّ إيران أوقح بكثير من أميركا التي يعتبرها كثيرون النظام الأوقح في العالم.

 

ميرڤت سيوفي