IMLebanon

بين الالتهاب الإيراني والشراكة الاستراتيجية.. الأولوية الدولية لطي صفحة عون.. والمستقبل ارتجاجي!  

 

 

بين مواعيد الاستحقاقات التي تدور فلكياً، حسب مواقيتها وانفضاح العجز والفشل للمنظومات المتحكمة بمستويات القرار (كل منظومة داخل عالمها الخاص) من السياسة (السلطات العامة) إلى السلطة النقدية (مصرف لبنان وجمعية المصارف) الى السلطة القضائية (مجلس القضاء الأعلى ومحاكم التمييز)، بدت ساحة المجتمع اللبناني، متروكة لقدرها:رحلات الهجرة من الجنوب (مناطق الجنوب في العالم هي الأكثر فقراً وإهمالاً وابتعاداً عن المشاريع التحتية المستدامة) الى الشمال (أوروبا الصناعية ومجتمعات الرفاهية وحقوق الانسان)، أو رحلات الموت، أو الهجرة غير الشرعية، التي تحصد أرواح العشرات من اللبنانيين المعدمين، والفلسطينيين الذين وقفوا عند نقطة العبدة، وفي مخيم البداوي يصرخون، لعلَّ أحداً في هذا العالم يسمع صراخهم: هجرة، هجرة، بدل عودة، عودة الى بلادهم التي أُبعدوا عنها بقوة الحديد والنار والاغتصاب والإستيطان، كاشفين هزالة القرارات الدولية، ودور منظمة الأونروا، وسائر التسويات ومشاريع الحلول ذات الصلة بمسألة اللاجئين الفلسطينيين، امتداداً الى النازحين السوريين، الذين توضع الخطط على الورق لإعادتهم الى منازلهم التي هجروها إبَّان اندلاع الحرب في سوريا، لإسقاط نظام بشار الاسد (الرئيس السوري)، الذي استعصى على السقوط، وصمد كما صمدت سائر دول المنظومة المرتبطة «بالعالم الإيراني» ومشاريعه الاستقطابية، وهم يرغبون بركوب البحر الى اليونان وايطاليا والسواحل الغربية الجنوبية للبحر الابيض المتوسط، عبر بحر مرمرة وايجه، او مباشرة عبر الساحل السوري..

على ان الأمر، لم يقتصر على رحلات الهجرة الى الموت او الحياة، على طريقة البحر امامكم، والفقر والعوز وراءكم، بل تعداها الى الذهاب الى «الموت الرحيم» عبر رسائل الانتحار والاعتذار والاستغفار، الى التسكع في الشوارع بحثاً عن زجاجة فارغة او علب لم يبقَ فيها شيء من «البؤرة» او الحليب الناشف، الى انتظارات حركة الدولار في السوق السوداء، والارتفاع الجنوني، وغير الاقتصادي للأسعار والسلع، الى انتظار الكهرباء ساعة في شهر، والماء ثلاثة أشهر بساعة، فضلاً عن مزاجية جمعية المصارف التي يبحث أركانها عن مكاسرة مع المودعين الضعفاء، واصحاب الحسابات الموطّنة لقبض الرواتب أو التحويلات، من دون ان يعبأ هؤلاء بأن أياماً معدودات وينتهي الشهر، حيث يتعين استقبال الرواتب في الحسابات الموطّنة، وإتاحة الفرصة امام اصحابها من قبضها، لسد رمق معيشة، او دفع فاتورة مولد، او شراء قارورة غاز، او علبة جبنة من الاصناف الأوروبية التي تصدر الى فقراء العالم الثالث… (ولا حاجة الى ذكر أسمائها).

هريان، وتفكك، وتحلُّل على الصعد كافة، حتى الأمن الممسوك بدأ يشكو من تفلات قد تنال من قدرته على صدها في يوم من الأيام..

وحدها، القوى الممسكة بالمقدرات، تلعب على المسرح على خلفيات النكد والثأر، وتسجيل النقاط وليّ الأذرع، والتباهي بما يسميه هؤلاء: تسجيل نقاط، وردّ الصاع صاعين، في ظل عجز محكم، جعل بعثة صندوق النقد الدولي الى بيروت تفاجأ بالحنث بالإلتزامات، والتباطؤ في ترجمة الخطوات والوعود، والاكتفاء بالتهرب من المسؤولية وإلقاء اطراف المنظومة اللوم احدها على الآخر، ليس لتبرئة الذمم، بل لكسب الرأي الخارجي، ربما الى محطات اشتباك جديدة.

لم تكن مسألة، عابرة ان تسأل البعثة عن الجدوى من اقرار موازنة لعام لم يبقَ منه سوى اشهر قليلة لينتهي، مع الاشارة الى ابتعاد القوانين المطلوبة دولياً والمعروفة بقوانين الاصلاح من الكابيتال كونترول، الى السرية المصرفية، الى الاندماج المصرفي وسواها..

على الجبهة السياسية، ليس الوضع بأحسن حال، فالإشباع الايجابي لمسار تأليف الحكومة، يبدو انه اشبه «بتخمة اعلامية» كلامية لا غير، فلا شيء ثابتاً حتى الآن. فبعيداً، على الرغم من النفي تهوّل بالويل والثبور وعظائم الامور ما لم تشكل حكومة اكتمال المواصفات، على طريقة «قدك المياس يا عمري، انت أحلى الناس بنظري» (يرجح انها كلمات من اغنية طربية من الزمن الجميل)، والرئيس المكلف، العائد الى بعبدا بعد حين او بعد جيل اسمع كلاماً لا شك في حجم قوته الاقناعية: ما لجدوى من حكومة، لا معنى لتأليفها اذا انتخب رئيس، فهي تصبح مستقيلة حكماً، والآن هناك حكومة، وتقوم بواجباتها، ورئيس تصريف الاعمال فيها، يسرح ويمرح على ارض نيويورك في اجتماعات الجمعية العمومية في دورتها الـ72 في الاسبوع، ما قبل الأخير من شهر ايلول، وهي مناسبة سنوية..

تعهد الرئيس نجيب ميقاتي ببذل اقصى ما لديه، بما في ذلك النوم في قصر بعبدا لإصدار مراسيم الحكومة.. لكن لا شيء محسوماً حتى تاريخه..

والأمر نفسه يمكن ان يقال عن الترسيم البحري، حيث يتراوح الوضع بين كلام عن انجاز مسودة اتفاق، وهي في عهدة الوسيط البحري آموس هوكشتاين وانتظار وترقب (موقف حزب الله) وعدم استبعاد مع وعيد وتهديد (الجانب الاسرائيلي بمستوياته كافة).. وأيضاً الوضع برمته في دائرة الانتظار..

المسألة المحسومة تتعلق بالتوجه الدولي- العربي- المتقاطع معه بعض الداخل المحلي، بالذهاب اولاً الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية، يطوي صفحات عهد، للتاريخ ان يحكم حول حجم كلاحته (السواد الشديد) او نياته البيضاء (التي تطايرت في الهواء بلا معنى وبلا رمزية او اي شيء مفيد).

طي صفحة يعني لا رئيس حليفاً لحزب الله، او بعيداً عن محاور الاعتدال العربي، او حتى منغمساً بالفساد او سياسة المناكفة والنكد وما شاكل..

في الصفحة يعني إلقاء تجربة الرئيس ميشال عون، في السلطة، ومعه حليفه الداعم في «سلة المهملات» او في البحر والالتفات الى رئيس، تأتي معه حكومة، لا يكون على رأسها أيٌّ من اعضاء نادي رؤساء الحكومات، تتناغم مع الرئيس الجديد..

وضمن المعطيات المحيطة، بهذا التوجه، تخضع صورة المرحلة المقبلة لارتجاج في الرؤية، ما لم تحدث المعجزة او المعجزات، فالموازنة اليوم في الجلسة النيابية، تواجه «بمقت نيابي» في الداخل، وحركة احتجاج في الخارج، على اصوات جموع الموظفين والمتقاعدين، من عسكريين ومدنيين، وحتى مكتومين وظيفياً وعلى مستوى الراتب أيضاً..

وعلى إقرارها او عدم اقرارها يتوقف الكثير، ويبنى على الشيء الذي سيحصل مقتضاه، على مستويات عدة..

يتطلع كثيرون لاستعادة ادوارهم في المنطقة، من المحطات اللبنانية، مع العلم ان البلد متروك منذ ما قبل جائحة كورونا لقدره، تتضافر جهود سياسية على النيل من استمرار «قوة الصمود» لدى شعبه، ويتفرج آخرون، في الخارج، على دولة كانت في يوم من الايام دولة قانون تتدحرج، وتتفكك، وتسير الهوينا باتجاه ان تكون دولة فاشلة.

وبين كل الأجندات، تلتهب الساحة في ايران التي كانت مستعدة للاحتفال بتوقيع الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة والغرب، وتستعد اسرائيل التي وقعت اتفاق شراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة، خلال زيارة الرئيس جو بايدن الى المنطقة في 14 تموز الماضي يضمن امنها وتفوقها العسكري، والعمل معاً ضد «العدوان الايراني والأنشطة المزعزعة للاستقرار» في الشرق الاوسط لاستخراج الغاز باتفاق او بلا اتفاق.. في حين ان البلد الذي ينتظر محطاته الدستورية، لتحسين احواله محكوم بالانتظار والمراوحة بين الاستقرار واللااستقرار او بين التعافي والانهيار!