IMLebanon

كلّ الحلول خارج السيادة الوطنيّة تخدم إسرائيل وأعداء لبنان

 

 

 

إستمعت إلى تصريح حضرة أمين عام «حزب الله- حزب إيران» في لبنان، الذي يقول فيه أن الأزمة اللبنانيّة لن تحلّ في السنوات الثلاثين المقبلة. كما اطّلعت على مقالات وبيانات تردنا من كل حدب وصوب، وكلها تضع الملامة علينا وتبشّرنا بأيام سوداء. لم أجد فارقا بين كلام حضرة الأمين العام، وذلك الكلام القادم من خارج حدود لبنان. بدا لي وكأنّكم تحللون في أزمة هي على أرض دولة اخرى، تصيب شعبا غير شعبه وأهله. لم أشأ أن أتوقف عند تلك البيانات والمقالات فأصحابها لا يشعرون ألمنا ولا يشاركون معاناتنا. لكنني حزنت كثيرا لهذه اللّغة المقلقة لأمين عام حزب كلّ عناصره ومؤيديه هم من هذا الشعب. هل أنهم خارج هذه الأزمة ولا يشعرون بثقلها ومخاطرها؟ كنت أتوقع من حضرتكم أن تشرح لنا بهدؤ ومحبة الأخ لأخيه، عن رؤيتكم للحلول الواجبة للخروج من هذه الأزمة.

 

حضرة الأمين العام، كلمة من مواطن لبناني له في هذا الوطن مثل كل لبناني آخر سواء كان مؤيّدا لك أو غير مؤيّد، ومستقبله مثل مستقبلهم، ومصيره مثل مصيرهم. هل الحلّ هو في ثلاثيّة «الجيش والشعب والمقاومة»؟ لقد سادت هذه الثلاثيّة فترة طويلة، وخاصة خلال حقبة الرئيس إميل لحود. تمّ إنتاج حكومات تجمعكم في حزبكم، مع كل القيادات اللبنانية التي تمسك بأعناقنا منذ عام 1975. حكمتم الوطن مباشرة منذ عام 2005، علما أن من حكمه قبلكم، كان صديقكم وحليفكم وهو حاكم سوريا بشار، الذي دفعتم الدماء الغزيرة لإنقاذه. قبله كان والده الذي حظي برعاية عربيّة وأميركيّة وقبول إسرائيلي واضح. إذا هذه الثلاثية وهذه السلطة هي التي أفرزت الأزمة. الأزمة لم يأت بها الناس، ولا الأعداء، بل السلطة التي كنتم جزءا منها.

 

أنت تدرك تماما أنّ سبب هذه الأزمة ليس طارئا، ولا محليا بل يمتد إلى العام 1969، منذ ان تمّ توقيع إتفاق القاهرة. منذ ذلك الحين تحوّل لبنان إلى ساحة حروب للآخرين، دفع أهلنا في الجنوب أولا، الثمن الباهظ لها. لا أعلم كم كان عمرك في حينه، لكن لا بدّ أنك تذكر أنّ حركة أمل كانت أوّل من واجه التمدد الفلسطيني في الجنوب أوائل الثمانينات من القرن الماضي. لا أعرف إذا شاركت مع حركة أمل في قتال الفلسطيني في حينه. المهم أنّ أهلك الذين تبشرهم بالمقاومة والدفاع عن الفلسطيني، هم أيضا دفعوا الثمن الغالي ورفعوا البندقية ضدّهم. أذكر أنّه عندما كنت في محطتي الدبلوماسيّة الأولى في براغ (تشيكوسلوفاكيا- الشيوعية)، شاركت في حفل أقامه السفراء العرب خلال العام 1981، لوداع ممثل منظّمة التحرير الفلسطينيّة في ذلك البلد. هو اقترب مني وسألني أمام الجميع: أخ هشام ألا تعتقد أنّ حركة أمل هم عملاء لإسرائيل؟ فوجئت بسؤاله ونظرت إليه فيما الجميع يحدّق منتظرا ردي، وقلت: أيها الأخ الحبيب ماذا تتوقّع أن أردّ عليك؟ أنا أفهم أن يكون هناك عميل أو اثنان أو مئة لكن أن يكون كلّ الشعب عميلا، فهذا غير صحيح. هناك مشكلة قائمة وعليكم إدراكها قبل فوات الأوان. أنتم ضيوف في لبنان والشعب اللبناني هو حصنكم وسندكم ودرعكم فإن خسرتم هذا الشعب خسرتم المعركة. سلاحكم لن يحميكم. هم حماتكم قدموا لكم ارواحهم وصدورهم وأملاكهم. إستمر الحوار ولم يكن ممثل المنظمة سعيدا من موقفي. لكنني كنت مرتاح الضمير فالأحداث أثبتت أنّه عندما يختلف أهل البيت فإنّ المتربصين به هم الرابحون.

 

وعندما بدأت أحداث سوريا كتبت لك كتابا خاصا أردت أن يصلك بواسطة الخارجية اللبنانيّة كدليل على حرصي عليك وعلى من يؤيدك لأنّني لبناني مثلكم. فأنتم جزء لا يتجزأ من هذا الوطن. لا حاجة لأكرر ما قلته. لكنني كنت صادقا كما كنت صادقا مع ممثل منظّمة التحرير في حينه، من يخرج من ثوبه يبرد. هذا مثل قديم كان يردده أهلنا لنبقي اقوياء. ترى هل ترانا أهلك وثوبك أيضا أم لا؟ إذا كنت ترانا أهلك وثوبك الذي يحمكيك في البرد والحر فلماذا تبشّرنا أو ربما تهدّدنا باستمرار الأزمة؟

 

نحن في لبنان أصحاب حقوق مثل كل شعوب العالم. شاركنا طوعا وبكل فخر، بتأسيس الأمم المتّحدة لتكون هيئة جامعة لكل أعضاء المجتمع الدّولي لحماية مصيرنا المشترك، والنهوض معا في الجهود لبناء السلام وإقامة الإزدهار. إذا كنا نريد أن نحتكم إلى السلاح، فإن علينا أن نقيم ميزان رعب ليس فقط مع إسرائيل بل مع باقي دول العالم. وميزان الرعب يعني أنّنا لن نقوم بمواجهة ضدّ من لديه مثلنا هذا السلاح، بل من لا يملكه. أنتم تقيمون ميزان رعب مع إسرائيل، وتمنعوه عن جيشنا. لماذا؟ ألا تثقون بجيشنا؟ وإذا كنتم لا تثقون به فما معنى الثلاثيّة إذا؟ لماذا رفضتم دعوة رئيس الجمهورية ميشال سليمان لإقامة إستراتيجيّة دفاعيّة؟ معروف لنا تماما أنكم تريدون إمتلاك القرار بشأن استخدام هذا الميزان من الرعب. كيف يمكن ذلك؟ هل تسمح إيران أو سوريا لطرف محلي أن يمسك قرار الحرب والسلم؟ لماذا يجب أن نسمح به في لبنان؟ ميزان القوى يعني أنّكم لن توجهوا سلاحكم نحو إسرائيل بل ضد كلّ آخر لا يجعلكم في حرب مباشرة مع إسرائيل. لمن ستوجهون هذا السلاح؟ واضح أنّ السلاح موجود لحماية إيران من أيّة مغامرة إسرائيلية، ويبدو أنّه موجود لدعم التوسع الإيراني في المنطقة. سلاحكم يستخدم الآن في اليمن بمواجهة أهل اليمن والسعوديّة وأهل الخليج، وفي سوريا ضدّ أهل سوريا، وفي العراق ضدّ أهل العراق، وفي لبنان ضدّ اهلكم في لبنان. إسرائيل لا تستطيع المطالبة بشيء في لبنان سوى منع الهجمات عليها من أراضيه، وترسيم الحدود البحريّة بما يخدم أهدافها ومصالحها. شكرا لتعاونكم مع اليونيفيل والجيش اللبناني إذ لم يتم إطلاق أيّة رصاصة من الجنوب عليها منذ عام 2006. ثلاثيّة ممتازة في حماية أمن إسرائيل. أقترح أن تقترحوا هذه الثلاثيّة لإنهاء الأزمة في لبنان. ربما آن لكم ان تعترفوا باتفاقيّة الهدنة فهذه على الأقل تمنحكم غطاء شرعيّا لاستمرار مهمتكم الأمنيّة في الجنوب. ستحظون بالدعم اللبناني كاملا كما حظيتم به عندم كنتم مقاومة ضد احتلالها.

 

أمّا بالنسبة لترسيم الحدود فقد سارعتم مع حليفكم نبيه بري إلى تقديم الإطار التفاوضي القائم على إتفاق نيسان لعام 1996، وعلى الخط الأزرق الأمني بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي، والذي يخدم إسرائيل ويرضي أميركا. عارضنا أيّ ترسيم خارج الحدود المعترف بها دوليّا والتي أكدّها إتّفاق الهدنة. بل خرج من بين جمهوركم من يتهم هذا الإطار بالخيانة. لماذا لا تتخذون موقفا واضحا بهذا الشأن؟ ربما ستقولون أنكم لا تعترف بإسرائيل، فلماذا المفاوضات إذا؟ أما أنكم ستتركون المفاوضات تسير وتصل إلى خواتيمها بحيث تضعون أيديكم على آبار لبنان مستمرين بتهديد إسرائيل كلاميّا كالعادة. هي تهددكم بالمقابل لكنّها ستنعم بهدؤ يسمح لها إستغلال بعض ثروتنا الوطنية، فيما بالمقابل تنعمون أنتم وحلفاؤكم وأزلامكم في السلطة بالهدوء والإستفادة من الآبار اللبنانيّة.

 

ثم أنّكم رفضتم وقف المقاومة بعد الإنسحاب الإسرائيلي عام 2000، بحجّة أنّهم ما زالوا يحتلون مزارع شبعا وتلال كفرشوبا. ترى هل انسحبوا منها بعد حرب عام 2006 التي دمرّت البلاد؟ نراكم الآن أوقفتم كل مقاومة فيما إسرائيل مستمرة باحتلالها. لماذا إذا هي هذه المقاومة؟ القرار 1701 لعام 2006، نصّ صراحة على أن تقوم الأمم المتّحدة بمساعدة لبنان على ترسيم الحدود مع سوريا لإنهاء المشكلة في هذه الأراضي، فلماذا لا تقومون ون بذلك إنقاذا لهذه الأراضي؟ تحملون السلاح في سوريا تقاتلون شعبها دفاعا عن حاكمها لماذا لا تقيمون مقاومة هناك لإنقاذ الجولان السوري المحتل؟ صدّقني سنصفّق لكم.

 

أنا أفهم إلتزامكم الديني بولايّة الفقيه الذي جعلتموه فوق أيّ التزام وطني آخر. أنتم أحرارّ بإيمانكم الديني لكن لا يمكنكم أن تقرّروا مصيرنا ومصير وطننا بقرار الوليّ الفقيه. نحن لدينا أيضا أولياء فقيه نؤمن بهم. هل تريدنا أن نأخذ قرارنا منهم؟ كما أنني لا أفهم هذا الدعم وهذا الإلتزام بك من حلفائك غير الخامنئيين (وليّ الفقيه) في السلطة، بدءا من رؤساء الجمهورية ومجلس النوّاب والحكومة وصولا إلى قادة الأحزاب العلمانيّة والرموز الفكريّة العروبية؟ نحن في ثورة تشرين نقول أنّه المال والسلطة وربما أيضا القرارات الخارجيّة. نحن نثق أن الذي يدفعهم لدعمكم هو شهوة السلطة بحمايتك التي جعلتهم أثرياء. هذا هو مكمن الأزمة حضرة الأمين العام.

 

أخيرا ألا تعني شيئا لكم مطالب تلك الحشود في الشوارع وتلك المواقف اللبنانيّة الواسع المعبّر عنه في ثورة تشرين؟ هل كلّ هؤلاء خونة وعملاء؟ حضرة الأمين العام، من يخرج من ثوبه يبرد، وأجساد اللبنانيين هي قوتك. عد إلى أهلك. كلّ الحلول خارج السيادة الوطنيّة لا تخدم سوى إسرائيل وأعداء لبنان.