IMLebanon

ماذا عن جمهورية «اللالا لاند»؟

بحلول اليوم، العشرين من شهر كانون الثاني العام 2021، يدخل العالم في حقبة جو بايدن، بكل ما تحمل آفاقها من توقعات، تبقى عصية على الفهم، بالنظر إلى أنّ الولايات المتحدة الأميركية نفسها باتت عصية على التوقع، إن لجهة ما يجري في داخلها، ولا سيما بعد ما حملته موقعة الكابيتول هيل من رمزية، أو لجهة سياساتها الخارجية التي لا شك أنّها ستتأثر بحالة الاستقطاب غير المسبوقة التي تعيشها «الامبراطورية».
في ما يعني الشرق الأوسط، ثمة خطوط عريضة يمكن أن تسير وفقها السياسة البايدينية، بوصفها البديل لأربع سنوات كارثية، فرض خلالها دونالد ترامب رؤى غير مسبوقة في كل الملفات، إن في ما يتصل بالملف النووي الإيراني، أو بمجمل السياسات الخارجية تجاه المنطقة العربية، وبالتحديد الصراع العربي- الإسرائيلي، الذي تراجعت أولوياته عند بعض العرب، منذ لحظة انطلاق قطار التطبيع من المحيط إلى الخليج.

 

ومع انّ الفرضية القائلة بأنّ عهد بايدن سيكون مختلفاً بشكل كبير عن عهد ترامب، إلّا أنّ من السذاجة الاعتقاد بأنّه سيكون مناقضاً. فالتغيير السياسي في واشنطن ليس انقلاباً على الطريقة العربية، والخلف لا يشطب كل ما قام به السلف بجرّة قلم، لا بل أنّ ثمة الكثير من القرارات التي اتخذها الرئيس السابق سيسعى الرئيس الجديد لتطويعها بما يخدم سياسته، وإن كان معارضاً لها يوم اتُخذت في العلن.

 

هذا ما لا يمكن إدراكه إلّا بفهم المنظومة الحاكمة الأميركية (الاستابليشمنت)، التي ما زالت محافظة على تماسكها، برغم صدامها مع دونالد ترامب، وهو ما يفسّر على سبيل المثال كيف اتحدت الاضداد في مواجهة ما وُصف بـ»محاولة انقلاب» نفّذها مناصرو الرئيس المنتهية ولايته على أدراج الكابيتول هيل وقاعاته.

 

من هنا، فإنّ ما قام به دونالد ترامب خلال عهده في مختلف ملفات السياسة الخارجية سيشكّل نقطة ارتكاز ينطلق منها جو بايدن، ويقوم بتطويرها، بما يسهم في نهاية المطاف في تعزيز المصالح الاميركية وليس مصالح أي دولة أخرى.

 

على سبيل المثال، من السذاجة الاعتقاد بأنّ جو بايدن سيعمد تلقائياً إلى العودة للاتفاق النووي مع إيران، ما لم يكن الاتفاق الجديد المزمع التفاوض في شأنه أكثر ربحية للولايات المتحدة، مقارنة بالاتفاق الذي تمّ التوصل إليه في عهد باراك اوباما، والذي لم يكن الانسحاب منه مجرّد ارادة فردية من قِبل دونالد ترامب، بقدر ما كان معبّراً عن توجّهات مشتركة داخل المنظومة الاميركية الحاكمة.

 

وعلى هذا الاساس، فإنّ بايدن يدرك بأنّ ظروف التفاوض المرتقبة لن تكون ذاتها التي رافقت اتفاق العام 2015، فسياسة الضغوط القصوى التي انتهجها دونالد ترامب، لا شك أنّها غيّرت الكثير من الوقائع التي سيسعى جو بايدن لاستغلالها إلى اقصى قدر ممكن، وكل ذلك بفضل ما أنجزه ترامب في هذا السياق.

 

ما سبق ينسحب على مجمل القضايا ذات الصلة بالملف النووي الإيراني، بما في ذلك نقاط الاشتباك والتلاقي للصراع الاميركي- الايراني في المنطقة العربية.

 

يمكن تلمّس ذلك على سبيل المثال، في الخطوط العامة للسياسة الخارجية البايدينية، والتي افصح الرئيس المنتخب عن الكثير منها، لا سيما في ما يتصل بالملف الإيراني، ولعلّ اعادة قراءتها اليوم تبدو مفيدة لفهم انّ الخلف لا يختلف عن السلف في الاستراتيجيا وإنما في التكتيك.

 

بالنسبة إلى بايدن، فإنّ «إيران لاعب مزعزع للاستقرار في الشرق الأوسط»، ويجب «ألا يُسمح لها أبداً بتطوير سلاح نووي».

 

يشير بايدن، إلى انّ «أفعال ترامب المتهورة ادّت إلى أزمة عميقة في العلاقات عبر الأطلسي، ودفعت الصين وروسيا إلى الاقتراب من إيران. نتيجة لذلك، تمّ عزل الولايات المتحدة، وليس إيران».

 

وبشكل اكثر مباشرة، يؤمن بايدن بأنّ «ما تفعله إيران خطير، لكنه لا يزال قابلاً للعكس»، وهو يضع الشروط المتشدّدة نفسها التي سبق أن حدّدها ترامب، وقد قال حرفياً: «إذا عادت إيران إلى الامتثال لالتزاماتها النووية، سأعاود الدخول في خطة العمل الشاملة المشتركة، كنقطة انطلاق للعمل جنباً إلى جنب مع حلفائنا في أوروبا والقوى العالمية الأخرى، لتمديد القيود النووية للاتفاق. سيؤدي القيام بذلك إلى توفير دفعة أولى مهمة لإعادة ترسيخ صدقية الولايات المتحدة، ما من شأنه أن يبعث رسالة إلى العالم مفادها أنّ كلمة أميركا والتزاماتها الدولية تعني شيئاً ما مرة أخرى».

 

ويختم: «سأستفيد من الإجماع الدولي المتجدّد حول سياسة اميركا تجاه إيران – والالتزام المضاعف بالديبلوماسية – للردّ بشكل أكثر فعالية ضدّ سلوك طهران الخبيث في المنطقة».

 

كل ما سبق يعني أنّ المقاربة المنتظرة في عهد جو بايدن هي نفسها التي اعتُمدت في عهد دونالد ترامب، وإن اختلفت الآليات الهادفة إلى تحقيقها بين «ضغوط قصوى» ترامبية وبين «الديبلوماسية الخشنة» البايدينية.

 

أما في الملف الفلسطيني، فإنّ السياسة البايدينية ستكون استمرارية للسياسات الاميركية السابقة، مع تحييد «الفجاجة» الترامبية، التي جعلت الرئيس المنتهية ولايته يقدّم لاسرائيل ما لم يقدّمه اي رئيس اميركي أسبق، من نقل السفارة الى القدس، مروراً بالاعتراف بالسيادة الاسرائيلية على الجولان، وبينهما صفقة القرن والتأييد المبدئي لخطة الضمّ، ناهيك عن اتفاقيات التطبيع مع العواصم العربية. ومع ذلك، فإنّ ما قام به ترامب سيشكّل من دون ادنى شك فرصة لبايدن للتحرّك بعيداً عن اي حرج، بمعنى أنّ الرئيس الجديد لن يكون مضطراً الى تجاوز الخطوط الحمر، طالما أنّ سلفه قد اجتازها بالفعل.

 

نقرأ أيضاً ما قاله ترامب في ما يتصل بالصراع الإسرائيلي- الفلسطيني: «ستحث إدارتي كلا الجانبين على اتخاذ خطوات لإبقاء احتمال التوصل إلى حل الدولتين حياً. يجب على القادة الفلسطينيين إنهاء التحريض على العنف، ويجب أن يبدأوا في التسوية حول شرعية واستمرارية إسرائيل كدولة يهودية في الوطن التاريخي للشعب اليهودي. وعلى القادة الإسرائيليين أن يوقفوا التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، وألّا يتحدثوا عن ضمّ يجعل من المستحيل تحقيق حل الدولتين. يجب أن يعترفوا بشرعية تطلعات الفلسطينيين في إقامة دولة. يجب على كلا الجانبين العمل لتوفير المزيد من الإغاثة لسكان غزة، مع العمل على إضعاف «حماس» واستبدالها في نهاية المطاف. ويتعيّن على الدول العربية اتخاذ المزيد من الخطوات تجاه التطبيع مع إسرائيل وزيادة دعمها المالي والديبلوماسي لبناء المؤسسات الفلسطينية».

 

كل ما سبق سينسحب على كافة ملفات السياسة الخارجية الأميركية، ابتداءً من الصين وكوريا الشمالية، مروراً بروسيا واوروبا، وصولاً إلى اميركا اللاتينية.

 

وإذا كان الامر على هذا النحو في الملفات الأكثر حساسية على المستوى العالمي، يمكن القول بكل ثقة إنّ الرهان على تنصيب جو بايدن وعلى العشرين من كانون الثاني لتغييرات تنعكس ايجاباً على الوضع اللبناني، تبقى اشبه بالركض وراء السراب، لا سيما إذا ما اخذنا في الحسبان، انّ التأثيرات المرتقبة للسياسات الاميركية بنسختها البايدينية لن تشمل لبنان، إلّا بالتبعية لتأثيراتها المرتقبة على الملفات الكبرى.

 

برغم ذلك، ثمة في لبنان من ينتظر حفل التنصيب في واشنطن لتلاوة مراسيم تأليف الحكومة. وبالتأكيد، انّ هذا الانتظار امر طبيعي جداً لهذا البعض، طالما انّه يعيش في جمهورية العالم الخيالي، او بالاحرى جمهورية «اللا لا لاند»؟!