IMLebanon

«إنرجين» تُكمل عملها في حقل «كاريش» كون الأمم المتحدة لا تعتبر المنطقة متنازعاً عليها

 

ضغوطات خارجية لـ «تجميد» جلسات الحكومة حتى آخر السنة… ولعدم تعديل المرسوم 6433

 

طغت الخلافات السياسية على الأزمة الإقتصادية والمالية الخانقة التي تُلقي بتداعياتها وبثقلها على حياة الشعب اللبناني وتجعله يختنق على مختلف الصعد، في الوقت الذي كان يُعوّل فيه على تشكيل الحكومة الجديدة لإيجاد الحلول لبعض المشاكل التي من شأنها إخراجه من المستنقع الذي يقع فيه. والأخطر من عدم انعقاد الجلسات الحكومية هو انعكاس الخلافات على مجلس النوّاب، وعدم بتّه بأمر الإنتخابات النيابية المقبلة. فهل سيتمّ «تجميد» عمل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وما هي أسباب ذلك؟ وهل سيؤدّي التشنّج القائم في مجلس النوّاب بين الكتل النيابية الى «تعطيل» إجراء الإنتخابات النيابية المقبلة؟!

 

مصادر سياسية مواكبة تجد بأنّ كلّ ما يجري على الساحة الداخلية في لبنان منذ تشكيل «حكومة معاً للإنقاذ»، من أحداث الطيّونة، الى الحملة على وزير الإعلام جورج قرداحي، وصولاً الى إدراج مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في وزارة الخزانة الأميركية النائب جميل السيّد ورجلَي الأعمال جهاد العرب وداني خوري على لائحة العقوبات، هو مفتعل يهدف الى حرف اهتمام الحكومة عن الأولويات الملحّة، والى «تجميد» عملها حتى أواخر العام الحالي، رغم إصرار رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وميقاتي على عودة مجلس الوزراء الى الإلتئام قريباً، وعلى ضرورة عودة الجميع الى الطاولة بعد تنقية الأجواء المشحونة.

 

وأكّدت المصادر بأنّه ثمّة ضغوطات خارجية على الحكومة لكي لا تقوم بتعديل المرسوم 6433 خلال الأشهر المتبقية من السنة الحالية، كون هذا التعديل وإيداعه لدى الأمم المتحدة يُمكّن لبنان عندها من تقديم اعتراض لدى المنظّمة الأممية على العدو الإسرائيلي وعلى شركة «إنرجين» اليونانية التي تقوم حالياً بعملية شفط الغاز من حقل «كاريش» في المنطقة البحرية. وعليه، ينطلق لبنان في اعتراضه هذا على أنّ هذا الحقل يقع نصفه في المنطقة المتنازع عليها التي يُفاوض الوفد العسكري اللبناني على أساسها، والتي تعتمد على الخط 29 كحدود لبنان البحرية والتي تضيف مساحة تبلغ نحو 1430 كلم2 الى المثلث البحري بمساحة 860 كلم2 والذي يدخل ضمن الخط 23 الذي ينصّ عليه المرسوم 6433 والمودع لدى الأمم المتحدة.

 

وأوضحت المصادر نفسها بأنّه بتاريخ 1/10/2011 أصدرت حكومة ميقاتي آنذاك المرسوم 6433 الذي حدّد الحدود البحرية اللبنانية التي تشمل المياه الإقليمية والمنطقة الإقتصادية الخالصة التي تبلغ مساحتها ككلّ 22700 كلم2 (وفقاً لترسيم العام 2009)، وأودعت هذا المرسوم لدى الأمم المتحدة، غير أنّها شدّدت على أنّه قبل أن تقوم الحكومة بإصدار المرسوم المذكور بنحو شهر ونصف، كلّفت المكتب الهيدروغرافي البريطاني إجراء تقييم لترسيم الحدود، وكان أن اقترح، بحسب ما تقول المعلومات، كون التقرير لم يُنشر حتى الساعة، خطّين محتملين: الأول يضيف الى الخط 23 نحو 300 كلم2، فيما يضيف الخط الثاني نحو 1430 كلم2 الى الحدود البحرية اللبنانية وهو الخط 29.

 

أمّا حكومة ميقاتي آنذاك فلم تأخذ بأي من مقترحي التقرير رغم تكليفه بإجراء هذه الدراسة التي كلّفت مبلغاً كبيراً من المال، وأرسلت المرسوم الى الأمم المتحدة وفق الخط 23 رغم عدم ثبوته قانونياً، ورغم علمها بهذا الأمر، ما يعني بأنّها أخطات منذ ذلك الحين، على ما عقّبت المصادر نفسها، ولم تعمد بالتالي الى تصحيح خطأها لا سيما بعد أن عاد ميقاتي، بعد كلّ هذه السنوات الماضية لترؤس الحكومة الجديدة. ولو أراد تعديل المرسوم 6433 لكان فعل خلال انعقاد الجلسة الوزارية الأولى لحكومته الثالثة، ولما كان انتظر عرقلة عملها بسبب الخلافات السياسية، ليتمّ التذرّع لاحقاً بأنّه لم يُتح للحكومة تعديل المرسوم 6433.

 

وقالت المصادر بأنّه فيما بعد أجرى مساعد نائب رئيس أركان العمليات العقيد البحري مازن بصبوص دراسة بين عامي 2012 و2013 اعتمدت الخط 29 كحدود لبنان البحرية، ومن ثمّ توصّل خبير القانون الدولي للحدود البحرية نجيب مسيحي الى النتائج نفسها، ما جعل الوفد المُفاوض باسم لبنان في عملية التفاوض غير المباشر على ترسيم الحدود البحرية يتمسّك بالخط 29، ويُطالب الدولة باتخاذ قرار سياسي سيادي يقضي بتعديل المرسوم 6433 لكي يدعمه على الطاولة في الدفاع عن حقوق لبنان البحرية. غير أنّ مثل هذا القرار لم تتخذه الدولة حتى الآن، دون معرفة الأسباب الفعلية التي تحول دون هذا الأمر.

 

ورأت المصادر بأنّه إذا كانت حكومة الرئيس حسّان دياب السابقة قد تذرّعت بأنّ حكومة تصريف الأعمال لا يُمكنها، وفقاً للدستور، الدعوة لعقد جلسات وزارية، وهذا ليس صحيحاً، وطالبت باستبدال موافقة مجلس الوزراء على التعديل بصدور موافقة إستثنائية من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المستقيلة والوزراء المعنيين أي وزيري الدفاع الوطني والنقل والأشغال العامّة.. ولم يحصل هذا الأمر كون تعديل المرسوم يحتاج الى قرار حكومي بالإجماع، وليس الى موافقة إستثنائية لأنّه يتعلّق بأمر سيادي في غاية الأهمية، فما الذي منع حكومة ميقاتي من إدراج تعديل المرسوم 6433 على جدول أعمال إحدى جلساتها قبل «تجميد» انعقادها منذ أحداث الطيّونة في 14 تشرين الأول الجاري؟!

 

وتقول المصادر عينها بأنّ هذا يؤكّد بأنّ ثمّة ضغوطات دولية لعدم التئام الحكومة الحالية بالطريقة الدستورية والشرعية حتى أواخر العام الجاري وعدم تعديل المرسوم 6433، لكي تتمكّن شركة «إنرجين» اليونانية من بدء إنتاجها في حقل «كاريش» الذي يقطعه الخط 29 الى نصفين، في الأشهر الأولى من العام المقبل (2022)، وذلك عن طريق سفينة تخزين وتفريغ إنتاج عائمة هي قيد الإنشاء حاليّاً في سنغافورة، ولأنّ هذه السفينة لا يُمكنها العمل في منطقة بحرية متنازع عليها، فإنّ عدم تعديل المرسوم المذكور يجعلها تُكمل عملها بطمأنينة، فيما التعديل وإيداع الإحداثيات الجديدة لدى الأمم المتحدة من شأنه تحويل مساحة الـ 2290 كلم2 التي يقع فيها نصف حقل «كاريش» الى منطقة متنازع عليها بموجب القانون الدولي، ما يضطرّ السفينة الى وقف عملها كونه يُعرّض إستثماراتها للخطر، كون المرسوم معدّلاً يُمكن استخدامه في أي مسار قانوني يتخذه لبنان بهدف حماية موارده في المنطقة البحرية.

 

أمّا الخلافات التي شهدها مجلس النوّاب أخيراً على تعديل القانون الإنتخابي، وتحديد موعد الإنتخابات النيابية المقبلة، فتجدها المصادر عينها تصبّ أيضاً في محاولة لـ «تطيير» الإنتخابات والإبقاء على المجلس النيابي الحالي، ولهذا جرى النقاش على تفسير مسألة «الأغلبية المطلقة» (النصف زائد واحد)، إذا ما كان يجب احتسابها 65 باعتماد الـ 128 مقعداً نيابياً أو 59 نائباً باعتماد الـ 117 نائباً الحاليين مع استقالة 8 نوّاب ووفاة 3 منهم.. فالمشكلة الحقيقية التي ستُواجه المجلس لاحقاً في حال لم تجرِ الإنتخابات في الربيع المقبل لسبب أو لآخر، وفق أي أغلبية سينتخب المجلس رئيس الجمهورية المقبل في تشرين الأول من العام 2022 ؟ وهنا يكمن لبّ المشكلة بين الأحزاب السياسية والكتل النيابية المتناحرة.