IMLebanon

إبعاد عون وإضعاف «المستقبل» وفوز «8 آذار

 ثلاثة أهداف: إبعاد العماد ميشال عون عن الرئاسة، إضعاف الوزن التمثيلي لتيار «المستقبل»، ترجيح كفّة 8 آذار نيابياً.

تقول أوساط إنّ الأزمة اللبنانية وبَعد أن أصبحت الشغلَ الشاغل لمعظم القوى الدولية بفِعل مخاوفها من انهيار الوضع اللبناني، بدت مستعدّةً لتبنّي أيّ سيناريو يُخرج لبنان من أزمته الدستورية-السياسية، وبالتالي أيّ متابعة للوضع، من بيان مجلس الأمن إلى القمّة الأميركية-السعودية وصولاً إلى اللقاء المرتقَب لمجموعة الدعم الدولية وزيارة الرئيس الفرنسي إلى لبنان، تُظهِر مدى الحِرص على تجنيب لبنان انهياراً من هذا النوع.

ولكن لا يمكن أن تكون المخاوف الدولية معزولة عن اتصالات ومساعٍ مع الدولة الإيرانية المتّهمة بحجز الاستحقاق الرئاسي، وذلك بغية حثّها على

المساعدة في إخراج لبنان من عنقِ الزجاجة. وقد تكون المصلحة الإيرانية بَعد الاتفاق النووي قضَت بتجاوب طهران تأكيداً للدور الجديد الذي ستضطلِع به بعد هذا الاتفاق.

وبمعزل عمّا إذا كانت أزمة النفايات مفتعَلة أم حقيقية من أجل تسخين الوضع كمقدّمة للبحث عن تسوية سياسية، إلّا أنّ التعطيل السياسي كان سيؤدي عاجلاً أم آجلاً إلى أزمة في الشارع من باب النفايات أو غيرها، لأنّ الناس وصلوا إلى حدّ «الكفر» بالوضع الحالي غير المسبوق حتى إبّان الحرب اللبنانية، الأمر الذي حوّلَ هذا الوضع إلى وضع مثاليّ من أجل الذهاب نحو تسوية سياسية.

وفي هذا السياق بَرز سيناريوان: السيناريو المعهود الذي يَستند إلى تدخّل دولي-إقليمي سريع للمّ الوضع اللبناني من خلال عَقد مؤتمر خارج لبنان يُفضي إلى الاتفاق على مجموعة خطوات تبدأ بانتخاب رئيس جديد وتأليف حكومة والذهاب نحو انتخابات نيابية على أساس قانون انتخابي جديد.

ولكنّ هذا السيناريو تعترضه ثغرتان: الثغرة الأولى أنّ العماد ميشال عون سيتّهم «حزب الله» بالتخلّي عنه عند أوّل ضغط خارجي. والثغرة الثانية

أنّ 14 آذار ستنجح بانتزاع قانون للانتخاب يجَسّد تطلّعات اللبنانيين في هذه المرحلة ويعكس استطراداً ميزانَ القوى القائم.

وأمّا السيناريو الثاني فيقوم على حشر 14 آذار بين مطرقة المتظاهرين المطالبين بأولوية الانتخابات النيابية، وسندان 8 آذار التي ترفع الأولوية نفسَها، فيما طاولة الحوار جاهزة لتخريج هذه الأولوية تحت عنوانين: تجَنّباً للفوضى، واستجابةً للضغوط الخارجية.

وأهمّية هذا السيناريو بالنسبة للقوى التي تقف خلفَه، وتحديداً «حزب الله»، تكمن في الآتي:

أوّلاً، التجاوب مع مطلب عون الذي لن يستطيع بعد الانتخابات النيابية مقاطعة جلسات الانتخابات الرئاسية، لأنّه رفعَ هذا التحدّي وقاده، وبالتالي سيكون كمن أخرجَ نفسَه رئاسياً مِن باب الانتخابات النيابية، كون فريق 8 آذار لن يتمكّن مِن انتزاع أكثرية الثلثين في هذه الانتخابات، الأمر الذي سيقود إلى رئيس توافقي، خصوصاً أنّ ميزان القوى الإقليمي سيُبقي النائب وليد جنبلاط على مسافة واحدة من 8 و 14 آذار.

ثانياً، ضغط الشارع سيَدفع بقوى 14 آذار إلى التسليم بقانون انتخاب على أساس النسبية، فيما أيّ انتخابات اليوم وبمعزل عن النسبية تشَكّل إحراجاً لتيار «المستقبل» نتيجة وجود زعيمِه خارج لبنان، والضائقة الماليّة التي يَجتازها، وبالتالي كيف بالحريّ في ظلّ قانون نسبي؟

ثالثاً، صحيح أنّ «المستقبل» سيحافظ على أرجَحيتِه داخل الطائفة السنّية، ولكنّ الانتخابات بتوقيتها وعلى أساس النسبية ستؤدّي إلى فوز كتلة سنّية معارضة لا بأسَ بها، ما سيفضي عملياً إلى نتيجتين: فوز 8 آذار بالأكثرية العادية، أي أكثر من 64 نائباً، وإبقاء رئاسة الحكومة بيَد «المستقبل» بفعل التوافق السياسي لا الأكثرية الحاسمة.

رابعاً، الخَلل في أيّ انتخابات نيابية اليوم هو سنّي بامتياز نتيجة العوامل المذكورة أعلاه، فضلاً عن الحرب السياسية والأمنية والنفسية التي تشَنّ على «المستقبل»، فيما الطوائف الأخرى ستحافظ على تمثيلها مع تقدّم لـ»القوات اللبنانية» مسيحياً على حساب عون.

خامساً، «حزب الله» سيلتقط الفرصة الذهبية المتمثلة بتقاطع عون-الشارع على الانتخابات من أجل الذهاب إلى انتخابات نيابية تمَكّنه للمرّة الأولى منذ العام 2005 من امتلاك فريقه أكثريةً نيابية تمنَحه أكثرية حكومية، كما تمَكّنه من الحفاظ على تحالفِه مع عون على رغم خروجه طوعاً من المعركة الرئاسية، لأنّ الحزب لم يكتفِ بدعم خيار عون تَبديةً للانتخابات النيابية على الرئاسية، بل حوَّله إلى أمر واقع.

ولكنّ هذا السيناريو أو ذاك يَفترض أنّ قوى 14 آذار غير موجودة، وأنّ كلّ ما يخَطّط له سيتحقّق، فيما الأمور ليست كذلك، لأنّ هذه القوى متمسّكة بهدفين أساسيين، وفقَ مصادر رفيعة المستوى داخلها: الهدف الأوّل يتمثّل بأولوية الانتخابات الرئاسية من مجلس النوّاب الحالي كمعبر إلزامي لحلّ الأزمة الوطنية وإنقاذ الجمهورية وحماية الدستور، وإنّ هذه الانتخابات تشَكّل مدخلاً لتأليف حكومة جديدة تقرّ قانوناً جديداً للانتخابات.

والهدف الثاني إجراء الانتخابات على أساس القانون المختلط المتّفق عليه بين «القوات» و«المستقبل» و«الاشتراكي»، والذي يشَكّل تقاطعاً مع المشروع الذي اقترَحه الرئيس نبيه برّي. فالانتقال من الأكثري إلى النسبي يجب أن يتمّ بالتدرّج أوّلاً، والنسبية تتطلّب حياةً ديمواقراطية داخلَ البيئة الشيعية غير موجودة ثانيا بفعل عامل السلاح، وأيّ قانون انتخاب يَحصل بالتوافق ثالثاً.