IMLebanon

«تحالف الرابحين»… الخاسر | اتحاد بلديات كسروان: نصر بـ«ألغام مؤجلة»

 

انتهت انتخابات اتحاد بلديات كسروان – الفتوح على غرار انتخابات بلدية جونية، بفوز «التحالف الخماسي» (يضمّ «القوات اللبنانية» وحزب الكتائب والنائبين نعمت إفرام وفريد الخازن والنائب السابق منصور البون)، على التيار الوطني الحر. فقد حسم التحالف المواجهة عبر مرشحه، رئيس بلدية زوق مكايل إيلي بعينو، الذي تفوّق على رئيس بلدية بقعتوتة ريمون الحاج بنتيجة 33 صوتاً مقابل 21، أي بنسبة 60% لقوى «التحالف» مجتمعة مقابل 40% للتيار الوطني الحر والحاج.

 

شكلت النتيجة مفاجأة للتيار الوطني الحر الذي كان قد تراجعت شعبيته بفعل حملات سياسية ضده وضد الرئيس السابق ميشال عون، قبل أن تعود القوات اللبنانية إلى السلطة بدعم من القوى التغييرية، ويُدفع بالتيار إلى صفوف المعارضة وسط انحسار زخم «التغيير» وتراجع الثقة بالوعود الإصلاحية.

 

في المقابل، أعاد التيار ترتيب صفوفه، واستعاد حضوره في الشارع المسيحي عبر شد العصب، ومصالحة خصومه، وانتهاج سياسة انفتاح بدل الإقصاء، مستفيداً من التناقضات داخل معسكر خصومه، ما ساعده على استرجاع جزء من قاعدته الشعبية.

 

التيار يستعيد عصبه المسيحي

فوز التيار الوطني الحر بـ 40% في انتخابات الاتحاد، بالتحالف مع الحاج الذي يعتبر من رؤساء البلديات الفاعلين والنشيطين، يُعدّ إنجازاً بحد ذاته. فالتيار، الذي لم تتجاوز نسبة تأييده في كسروان في ذروة عهد الرئيس ميشال عون الـ 55% بالتحالف مع النائب السابق نعمة الله أبي نصر وآل زوين وآل خليل، يجد في هذه النتيجة دلالة على استعادة بعض من حضوره السابق، رغم تحوّله إلى صفوف المعارضة.

 

 

 

في السابق، كانت عائلة إفرام من أبرز ركائز الدعم للتيار الوطني الحر، ما يضفي دلالة سياسية كبيرة على التقدّم الذي أحرزه التيار اليوم في مواجهة تحالف يضم هذه العائلة.

 

ففي ظل تحالف بهذا الحجم، وفي ظروف سياسية ومالية ضاغطة، يُعدّ حصول التيار على دعم 21 بلدية إنجازاً بارزاً ومؤشراً واعداً لما قد تحمله الانتخابات النيابية المقبلة.

 

هذا «التقدّم الاستثنائي»، كما يصفه «التياريون»، أعاد إليهم الثقة، وأحيا حماسة من كانوا قد تراجعوا أو انكفؤوا، وبينهم من عاد إلى صفوف التيار بعدما مرّت البيئة العونية بحال من الإرباك والانكماش. ففي العامين الماضيين، كان كثيرون يتحاشون حتى الإفصاح عن تأييدهم للتيار أو للرئيس عون، فيما تردد المستقلون، وبعض من تحالفوا مع التيار سابقاً، في إعادة أي تنسيق أو خوض معارك انتخابية مشتركة.

 

وهذا يكشف، بحسب العونيين، زيف مقولة «إن الشارع المسيحي بات مع القوات»، ويدحض سردية أن من خسرهم التيار انضموا تلقائياً إلى معراب. وبهذا، يعتبر التيار أن نتائج هذه الانتخابات تمثل مكسباً سياسياً صافياً، ورسالة واضحة إلى من يعتقد بأن زمن التيار قد ولّى.

 

على المقلب الآخر، يصعب الجزم بمن هو الفائز الفعلي، أولاً في جونية، وثانياً في اتحاد البلديات. صحيح أن زجاجات الشمبانيا فُتحت في معراب احتفالاً بفوز بعينو، ولكن نظرة سريعة إلى مسيرة الأخير تؤكد أنه لم يكن يوماً ممن يكنّون الودّ لـ«القوات»، وكان دائماً أكثر قرباً من التيار. في انتخابات 2022، كان إلى يمين النائب فريد الخازن، وقبلها، في انتخابات 2016، خاض المعركة البلدية متحالفاً مع التيار، وارتبط لاحقاً بعلاقة سياسية متينة مع النائب نعمت إفرام. أما المكسب «القواتي» الفعلي الوحيد في هذه المعركة، فكان منصب نائب رئيس الاتحاد الذي آل إلى رئيس بلدية النمورة -كفرجريف بيار دكاش، أحد أقرباء النائب «القواتي» شوقي دكاش، كنوع من التعويض عن خسارة الأخير في بلدته العقيبة.

 

لكن نشوة هذا «االانتصار» مرشحة لأن تتحوّل إلى مصدر توتر مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية في أيار 2026. فالواقع السياسي في لبنان يُظهر بوضوح أن البلديات ليست فقط مؤسسات خدمية، بل أدوات سياسية تُستخدم لحشد التأييد الشعبي والتأثير في نتائج الاستحقاقات النيابية، إذ يسعى كل حزب أو مرشح إلى تسخير نفوذه البلدي لخدمة مرشحيه وتأمين قاعدة انتخابية متينة.

 

وفي هذا الإطار، تظهر إشكالية جوهرية: التحالف البلدي الحالي، الذي ضم أطرافاً متباينة في التوجهات والطموحات النيابية، لن يكون قادراً على الاستمرار بصيغته الحالية خلال الانتخابات.

 

إذ من المستبعد أن تلتقي مصالح كل من «القوات» والكتائب وإفرام والخازن والبون حول مرشحين مشتركين أو لائحة واحدة. وعليه، تُطرح أسئلة مشروعة: لمن ستعمل بلدية جونية؟ ولمن ستوظف إمكاناتها وخدماتها؟ هل ستكون الوجهة لمصلحة مرشح الخازن؟ أم مرشح إفرام؟ أم مرشحي «القوات»؟

 

في هذا الإطار، فإن الانتخابات النيابية المقبلة قد تكون القشة التي ستقصم ظهر التحالف البلدي الحالي، لا بل قد تُعطّل عمل بلدية جونية والاتحاد معاً. فمع كل استحقاق نيابي، يصبح لكل طرف من أطراف التحالف طموحه الخاص، ويصبح هدفه استثمار النفوذ البلدي لمصلحة مرشحيه. وعندها سيتبيّن أن «التحالف الخماسي» لم يكن مبنياً على تفاهمات ثابتة أو مصالح مشتركة طويلة الأمد، بل مجرد اتفاق ظرفي فرضته موازين قوى مرحلية.

 

حلف «الخاسرين»

في التوازنات السياسية لبلدية جونية واتحاد البلديات، تبدو «القوات اللبنانية» الخاسر الأكبر، نظراً إلى تمثيلها المحدود في بلدية جونية بعضو واحد فقط، وفوزها بأربع بلديات فقط في كامل قضاء كسروان.

 

أما نعمت إفرام، فرغم حضوره القوي وتمويله شبه الكامل للمعركة البلدية عن نفسه و«نيابة» عن حلفائه، فهو يحتل المركز الثاني في قائمة الخاسرين. إذ لم ينجح رجل الأعمال في تثبيت زعامته على كسروان كما خطّط، انطلاقاً من بلدية جونية ثم اتحاد البلديات، بهدف تأمين الغطاء السياسي والشعبي لمعركته النيابية المقبلة، والتي سيموّلها على نفقته كما فعل في البلدية.

 

صحيح أن القوات والكتائب سلّماه الراية في كسروان، إلا أن «الانتصار» الذي خرج به بدا هشاً، لا سيما أنه انتهى بتحالف مبدئي مع فريد الخازن، ما يفرض عليه التزامات سياسية ومالية باهظة. وإذا استمر هذا التحالف حتى الانتخابات وشكّلا لائحة موحّدة، فإن الكتائب ستكون الخاسر الجديد، بعدما ربحت مقعدها النيابي في الدورة السابقة بفضل تحالفها مع إفرام. إذ إن انضمام الخازن إلى إفرام قد يدفع الحزب إلى الانكفاء، وربما عدم تبني مرشح في كسروان.

 

أما الخازن، فقد بدا تركيزه في هذه المرحلة منصبّاً على تجنّب الخسارة، سواء البلدية أو المالية. إذ إن إفرام تحمّل كامل كلفة المعركة، بينما نال الخازن نيابة رئاسة بلدية جونية، وهو مكسب رمزي ومعنوي لعائلته، من دون أن يدفع شيئاً. والأهم أن تحالفه مع إفرام – رغم التبعات – يؤمّن له حليفاً وازناً قد يسدّ النقص في الأصوات للوصول مجدداً إلى البرلمان.

 

لكن هذا التحالف ليس بلا كلفة، فـ«التعلّق» بإفرام والالتزام معه يطرحان علامات استفهام حول قدرة الخازن على تحمّل تبعات هذه العلاقة وقيودها.

 

ويأتي منصور البون في أسفل قائمة «الرابحين – الخاسرين». ففي الانتخابات النيابية السابقة، أفاد البون من ارتفاع حاصل القوات بسبب التنافس بين مرشحين موارنة عدة في كسروان، أبرزهم شادي فياض وأنطوان صفير، على مقعد الدكاش.

 

لكن الوضع تغيّر: صفير أصبح مستشاراً لرئيس الجمهورية جوزيف عون، ما يعني فقدان أكثر من 1300 صوت، بينما فياض قد لا يخوض المعركة إذا لم يُعتمد مرشحاً أوّل بديلاً من الدكاش، ما يهدد بخسارة البون نحو 2200 صوت نالها من جيب نعمة إفرام.

 

كل ذلك يجعل المقعد النيابي الذي يطمح إليه البون لنجله فؤاد بعيد المنال، خصوصاً أن النائب السابق في تتبع تاريخ البون لم يُصب مرة في حساباته السياسية منذ عام 2005، وكانت النتيجة دائماً خيبة متكرّرة.

 

اليوم أيضاً، يبدو أنه يراهن على رصيد القوات لرفع الحاصل، فيما تُظهر التجارب أن القوات تستخدم الحلفاء لرفع حاصلها ثم تضعهم في ذيل الترتيب. والأسوأ أن البون يُعتبر من أقرب أصدقاء المصرفي أنطون الصحناوي، الخصم العلني للقوات، ما يطرح تساؤلات حول ما يدفع «القوات» إلى أن تُكرّر تجربة النائب جان طالوزيان في الأشرفية، بعدما وصل بفضلها ثم خرج من كتلتها في اليوم التالي؟

 

في المحصلة، يبدو أن التحالف الذي خاض الانتخابات البلدية يداً واحدة واحتفل بـ«نصر ساحق»، سيدفع قريباً ثمن التناقضات بين أطرافه. فالفوز الذي بدا إنجازاً مرحلياً مرشّح لأن ينكشف سريعاً على حقيقته، مع تصاعد التباينات وتضارب المصالح، ما ينذر بانفجار التحالف من الداخل وانهيار ما تبقّى من تنسيق بين أطرافه في الاستحقاقات المقبلة.