IMLebanon

التضحية بلبنان بدل التضحية لأجله

 

لا عمل أنبل وأشرف من التضحية لأجل الوطن، فالشهادة دفاعاً عن الوطن، يحتفل بذكراها كافة الشعوب سنوياً، وكلما ارتفع عدد شهداء الوطن، كلما كان فخر الشعوب بوطنهم وبإرثهم وبتاريخهم أكبر. أمّا التضحية بالوطن لصالح المشاريع الخاصة السلطوية والزعاماتية، فتلك أشنع أنواع الجرائم التي قد تقترفها مجموعة بحق شعبها ومجتمعها ودولتها وبلدها. واذا كان لبنان حالياً مُعرّضاً للمخاطر والحروب المُدمِّرة، فذلك ناتج عن فكرٍ ايديولوجي مستعد للتضحية بالبلاد والعباد من أجل استمرارية مشروعه.

 

هذا ما يقترفه «حزب الله» بتشريع الساحة اللبنانية لأعماله العسكرية، ولإستعراضات المُنظّمات العاملة ضمن محوره المُمانع، لتصول وتجول على كافة الأراضي اللبنانية، ولتُهدّد بأعمالها غير القانونية، أمن ليس فقط اسرائيل، بل أيضاً مصالح الكثير من الدول الكبرى والاقليمية، من دون الأخذ بالاعتبار مصالح لبنان الدولة وعلاقاتها مع تلك الدول، الداعمة أساساً لاقتصاده، وللسلم فيه. إنّ هذا الواقع المفروض على اللبنانيين نتيجةً لإلتزام حزب الله» بوحدة ساحات الأيديولوجيا الخاصة بعقيدته، سبّب لدولتهم العزلة الدولية والهجرة لرؤوس الاموال اللبنانية والعربية والدولية، والانهيار المالي والاقتصادي طبعاً، فهذه المآسي لم تكن وليدة اللحظة، فبالرغم من الحاجة لاصلاح الحوكمة في لبنان، لكن سياسات الدويلة الغالبة على الدولة، هي التي اودت بهذا البلد إلى الهلاك، وإلى عدم امكانية الاصلاح.

 

إنّ تعريض لبنان، لحربٍ، وإن كانت حتى الآن، محدودة الجغرافيا، ومُحدّدة المواقع، تحت عنوان قواعد الاشتباك، ليس إلا تخلّياً عن رسالة التضحية بالذات لأجل الوطن. وإنّ الشرط الذي يضعه محور المُمانعة بوقف الحرب، للدخول في ترجمة تسوية ما بعد غزّة، ليس إلا خداعاً وكذباً، القصد منه ابقاء لبنان مُعرّضاً للتدمير بانتظار نيل المحور شروطه وتحصين نفوذه. التأخير بتنفيذ كامل بنود القرار 1701، ليس الا فترة تمديد للحرب المُدمِّرة، تستفيد منها اسرائيل لتسوية اوضاعها الحدودية بالآلة العسكرية.

 

إنّ الصراع الداخلي الذي يجري في لبنان، بعناوين مختلفة وحول ملفّات متعدّدة، يجري فعلياً، بين خطّين لا تلاقيَ بينهما أبداً، فأحدهما، يُضحّي بالشراكة الوطنية اللبنانية لأجل الوحدة الايديولوجية، والآخر، ضحّى ولا يزال يُضحّي بذاته بالتمسّك بتحمّل المسؤولية التاريخية لبقاء لبنان، وطن الحرّيات.

 

إنّ التحليل العلمي الناجح والمُصيب لا يبدأ من حيث وقوع المأساة أو الأزمة، بل من حيث إختيار المسارات. فمثلاً، لو لم يتم تخزين مواد متفجّرة لسنواتٍ طويلة في مرفأ بيروت، لما حدث الانفجار، بغض النظر عن مُسبِّبه، فتحميل المسؤولية فقط للأسباب التي أدّت للإنفجار، من دون البحث وملاحقة أسباب التخزين، فيه الكثير من التغفيل. وهذا بالفعل، كان العامل الأساسي الذي من أجل ايقافه، جنّدت السلطة السياسية، المنضوية في محور المُمانعة، نفوذها وقدراتها له.

 

وبمرحلةٍ سابقة، لو لم يُحوّل حافظ الأسد لبنان إلى ساحة فوضى وتوجيه رسائل، لاستخدامها ورقة تفاوضية لتحصين موقعه الاقليمي، لما كان لبنان عرضةً لاجتياحات اسرائيلية مُدمِّرة. وبالجهة المُقابلة، فلو لم يكن اقطاب القوى السيادية اللبنانية، من زمن الرئيس المُنتخب، بشير الجميّل، وقبله، ودولة الرئيس رفيق الحريري، وغيره وبعده، عقبةً بوجه مشروع ابقاء لبنان دمية بيد النظام السوري، لما تم اخذ القرار باغتيالهم. وبالمرحلة الأخيرة، فلو لم يقع لبنان سلعةً بيد محور المُمانعة، لما تم عزله دولياً واقليمياً، ولما كان حدث الانهيار الاقتصادي والمالي، بالرغم من استفحال الفساد ومنطق المحاصصات والمزرعة.

 

حسابات «حزب الله» المحورية، حشرت لبنان داخل محور يُضحّي بشعوبه، لاجل ايديولوجيته، ولهذا الدور أُنشِئ «الحزب». فهل دروس الحاضر، ستنجح بنقل حزب الأيديولوجيا المتحجّرة من منطق التضحية بلبنان لأجل الخاص، إلى التضحية بالذات، الايديولوجي، لأجل الشراكة مع اللبنانيين الآخرين؟