IMLebanon

الرئاسة اللبنانية في ضوء العلاقة الملتبسة الروسية – الإيرانية

مبادرة الرئيس سعد الحريري بترشيح النائب سليمان فرنجية انكفأت أو هي كادت، ضُربت مرتين، المرة الأولى في بيت أبيها، حين تنكّر لها «الأقوياء الشركاء»، كلّ من موقع حساسيته، متجاوزين كرامة المقام الذي نُظمّت اللائحة والتعهدات الملحقة بها تحت مظلّته، وضُربت في المرة الثانية في معقل الرعاية السياسية والأبوية لدى حزب الله حين صُدم «طالبو القرب» بأنه لا ضير في عقد القران ولكن لا يمكن تزويج الأخت الصغرى قبل الكبرى لأسباب يتعذر ذكرها. ما جرى خلال الأسبوعين المنصرمين يضيف واقعة جديدة على وقائع إثبات عدم الرشد السياسي بل عدم الأهلية السياسية لأصحاب القرار في لبنان، كونه لم يراعِ أبسط أصول انتقال السلطة التي عرفها مسار العمران البشري من البداوة إلى الحضارة.

لقد أخذنا المشهد بعيداً عن منطق الدساتير في العالم، وعاد بنا إلى نموذج أيديولوجي يربط بين السلطة والقدسية، سواء لجهة «لائحة الأقوياء الموارنة» التي أُعلنت لدى مقام البطريركية المارونية، أو لجهة مرجعيات القبول أو الرفض بعيداً عن البرلمان أو أية مشاورات داخل المؤسسات الدستورية. أُقفل باب الترشيح عند اللائحة المقدسة، وأقفل باب الإعتراض عند صمت غير مبرر ودون تقديم البدائل. المرجعيتان المقدستان، مرجعية الترشيح ومرجعية الرفض غير المبرر، ذهبتا بنا إلى اعتبار كلّ منهما سلطة مطلقة سواء أُخذت بخلفيتها الدينية أو بخلفيتها السياسية، حيث ينحسر كل كلام سياسي لصالحها، وحيث أنّ الاعتراض لا يُمكن أن يكون إلا في شكاوى ملؤها الاحترام وفي دعوات صالحة بالرشد والهداية.

هل يُمكن قراءة «اللا» المتريثة الإيرانية، على لسان حزب الله، للمرشح المجاهر بعلاقته بعائلة الأسد، وتمسك العماد عون بعدم التنازل عن الترشيح، الذي باركه الرئيس الأسد، كأحد مؤشرات الدور الملتبس لإيران في سوريا بعد الحملة العسكرية الروسية، والتناقضات بين موسكو وطهران على مساحة الجغرافيا السورية؟

سوريا المدخل إلى المتوسط بأمنه ونفطه، والشرفة الرحبة لمخاطبة الولايات المتحدة، والحلقة الأساس لاستكمال عقد هلال النفوذ الإيراني، هي نقطة تقاطع المصالح التي تفترض المحافظة على العلاقات بين طهران وموسكو. سلوك روسيا التي استجرّت أساطيلها وطائراتها إلى حقل المعركة السوري وصادرت القرار السوري، يظهر انّها غير راغبة في لعب دور القوة العظمى التي تحمي أو تتشارك الطموحات مع دولة إقليمية. التصريحات الرسمية التي تصدر عن الكرملين أو عن وزارة الخارجية الروسية لم تُشر مرة واحدة إلى إيران كحليف ميداني في سوريا، فيما تتحدث دائماً عن القوات الحكومية والفصائل الكردية.

التعاون العسكري مع إسرائيل الذي أعاد الرئيس فلاديمير بوتين تأكيده خلال اجتماع القادة العسكريين الروس نهار الجمعة الفائت، يبدو أمراً محرجاً لطهران وحلفائها في سوريا ولا سيما حزب الله، ويُعزز حتمية تضارب المصالح بين موسكو وطهران، كما يُظهر المدى الذي يمكن أن تبلغه موسكو في مشروع فرض معادلة شرق أوسطية جديدة. روسيا تجهد لضمان وجودها الجيوسياسي في سوريا بصرف النظر عن بنية السلطة هناك، مع محاولة عدم تقويض العلاقات مع إيران كقوة إقليمية في المستقبل. معادلة صعبة ولكنها ربما الخيار الوحيد المتبقي.

إيران ملزمة بالحفاظ على التواصل والتنسيق وتطابق المصالح مع موسكو في سوريا، لكن ذلك لا يخفي أنّ تمدد النفوذ الروسي اختطف المبادرة من يد إيران، ربما لهذا السبب لوحظ حرص شخصيات إيرانية بارزة مثل الجنرال قاسم سليماني على الظهور في المناطق التي تشهد تركيزاً للضربات الروسية، كما حصل قبل أسابيع في حلب. إيران تقرّ بأنّ الحفاظ على النظام الحالي في سوريا مهم جداً بالنسبة إليها لأنها تعتقد بأنّ أي تغيير سيكون له نتائج كارثية بالنسبة لدورها الإقليمي في سوريا ولبنان، وقد زجّت لأجل هذا وحدات النخبة لديها. الجنرال سليماني قائد وحدات النُخبة عقد اتفاقاً مع وزير الدفاع الروسي على دفع المزيد من القوات الإيرانية خلال الصيف الفائت بعد الإنتهاء من صياغة الاتفاق النووي الإيراني مع دول (5+1). روبرت فورد سفير الولايات المتحدة في سوريا ما بين 2011 و2014 يقول أنّ القوات الإيرانية فقدت في المعارك ضباطاً أحداثاً، وهذا يعني أنّها تفقد عناصر تقاتل في الصفوف الأمامية مما يدل على مستوى الدور الميداني الذي اضطلعت به الوحدات الإيرانية. التدخل الروسي أقصى إيران عن دورها الذي ادّعته في الصراع العربي الإسرائيلي وأدخلها في تحالف ضمني مع إسرائيل على قاعدة «حليف حليفي هو حليفي» أو على الأقل ليس عدوي. وفي هذا الإطار برز متغيّر لافت أشار إليه موقع (Bloomberg View) وهو الانسحابات الكبيرة من قِبل وحدات الحرس الثوري الإيراني من سوريا في غضون الأسابيع الفائتة، حيث تدنى عددها من 7000 مقاتل إلى 700.

ماذا يعني هذا الانسحاب الإيراني بالنسبة للحملة الروسية العسكرية على سوريا، في حين لا تزال كلّ من إيران وروسيا تتمسك ببقاء الأسد في المرحلة المقبلة، وهل يكون هذا الانسحاب مقدمة لانسحاب حزب الله؟ وهل يمكن قراءة ذلك على انّه محاولة لوضع روسيا أمام واقع ميداني جديد لإعادة التوازن المفقود إلى الدور الإيراني ضمن المعادلة السورية؟ وهل يمكن اعتبار الرفض المبطّن لفرنجية كمرشح يجاهر بعلاقته بالنظام السوري رسالة إيرانية من الساحة اللبنانية موجّهة لروسيا عبر سوريا؟